المخرجة السعودية شهد أمين تخوض مسابقة مهرجان
قرطاج بفيلمها الاول
"سيدة
البحر" يعالج قضايا المرأة... بأسلوب وجداني وشاعري
هدى الطرابلسي صحافية
لا يمكن أن يمر خبر وجود أول مخرجة سعودية تشارك في
أيام قرطاج السينمائية في العاصمة تونس، مرور الكرام في بلد يملك
مهرجاناً يهتم بالتجارب الفنية الجادة بخاصة للنساء العربيات، مما
يفسر الحضور الباهر للصحافة والجمهور لمشاهدة أول فيلم طويل في
مسيرة الشابة شهد أمين.
هي مخرجة وكاتبة سيناريو سعودية، ولدت في مدينة جدة
من أم سورية، حاصلة على درجة البكالوريوس في إنتاج الفيديو
والدراسات الفنية السينمائية من جامعة ويست لندن، كما تحمل شهادة
في كتابة السيناريو، وسبق أن فاز فيلمها "نافذة ليلى" بجائزة أفضل
فيلم في مهرجان الأفلام السعودية.
جرأة الطرح
فيلم "سيدة البحر" هو أحدث أفلام المخرجة شهد أمين
الذي تشارك به في مسابقة الأفلام الطويلة في أيام قرطاج
السينمائية. تتحدث شهد لـ "إندبندنت عربية" عن تجربتها الفريدة في
صنع الأفلام في مجتمع محافظ.
تقول أمين إنها حرصت على أن يكون أول عرض جماهيري
لفيلم "سيدة البحر" في تونس كأول بلد عربي، مبررة اختيارها بأن
الفيلم يعتمد على الصورة وعلى الطريقة البصرية التي فيها الكثير من
الجرأة في طرح الموضوع، مضيفة أنها كانت متأكدة من أن الجمهور الذي
يمكنوه استيعاب الفيلم هو جمهور تونس وبخاصة جمهور أيام قرطاج
السينمائية الذي أعتاد على الأفلام التي يحترم فيها البعد الفلسفي
والبعد الجمالي، الجمهور الذي اعتاد على السينما الهادفة و"الجادة"
بحسب تعبيرها.
ولكن لم تخف شهد تخوفها من رد الفعل قبل عرض الفيلم
للجمهور، بخاصة أن الجمهور التونسي هو أول جمهور عربي يشاهده، لكن
ما لمسته المخرجة السعودية هو الإعجاب واستيعاب الجمهور للقصة
وقدرته على تفكيك رموزها.
من جهة أخرى لا يمكن أن نقابل أول مخرجة سعودية
تزور تونس وأن لا يخامرنا سؤال عن مدى انعكاس الانفتاح الذي تعيشه
السعودية خلال السنوات الأخيرة، سواء في الحياة الثقافية عموماً أو
حرية المرأة خصوصاً، على أعمال شهد الفنية، فتجيب بلهجتها الحماسية
الجذابة وبعينين ثاقبتين: "صحيح أننا بدأنا نؤمن بالحياة أكثر،
ولكن لا يمكن محو ثلاثين سنة عشناها في مجتمع محافظ ومتشدد وعلى
الرغم من الانتصار لقضايا المرأة فإنني لا أستطيع محو كل هذه
السنوات من داخلي وبخاصة من أعمالي التي لازالت تخوض في عالم
المرأة لطرح الصورة الحقيقية والصادقة التي مررنا بها".
تقول شهد: "أنا أنانية في طرح المواضيع من خلال
أعمالي إذ أحبذ المواضيع التي تنطلق من ذاتي ومن أعماقي ولا أحبذ
طرح قضايا قصد تغيير الآخر أو تقديم النصح له"
وعن فكرة فيلم "سيدة البحر" تقول المخرجة إنها جاءت
من مكان طبيعي ساحر لم تفسده صنائع الإنسان، وهو صورة تعكس تجربتها
الشخصية خلال مختلف مراحل نشأتها، والأهم من ذلك كله تضيف شهد "أنه
ثمرة لنتاج رؤيتي وهويتي خلال مرحلة هامة في حياتي، وهي ذلك التحول
من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة ومايحمله هذا التحول من تغيير
في الرؤى وفي النظر للأشياء من حولنا بطريقة مغايرة".
تواصل شهد كلامها بلهجة فيها شيء من التحسر قائلة:
"منذ أن كنت في الثامنة من عمري، بدأت ألمس الاختلافات التي لم
تفصل بين الرجل والمرأة، وبالطبع تأتي المرأة في درجة أقل"
مواصلة". لقد ترعرعت وأنا مستاءة لكوني فتاة بل كرهت جسدي في فترة
ما، وبدأت التخلي عن كل ما يمثّل المرأة بشكل عام".
تواصل الشابة السعودية متحدثة عن ظروف كتابة قصة
شريطها السينمائي التي استلهمتها من أحاسيسها ومشاعرها، فتقول:
"حينما وقعت بين يدي قصّة أول أسطورة حورية بحرية وهي أتراغاتيس،
التي كانت تُعد رمزاً للخصوبة والحياة في البحار والمحيطات، ارتأيت
بأنها قد تكون مصدراً ملهماً للمرأة الحرّة الأبية التي تحدد
مصيرها بيدها وترسم طريقها بنفسها وتقرر كسر التقاليد حتى وإن كان
ذلك سيعود عليها بنتائج لا تحمد عقباها".
وعندما بدأت شهد الكتابة عن هذا العالم الساحر
المغمور بالمياه، كانت في الحقيقة بحسب تعبيرها تجهل الكثير من
الأشياء والحقائق فتقول: "كنت أقبل الجوانب الأنثوية والذكورية في
شخصيتي من دون انتقاد. وحينما قررت أخيراً أن أتابع حياتي وبطبيعتي
وفقاً لشخصيتي، أدركت بكل سهولة الأفكار المظلمة والخطأ الذي كنا
نقنع به أنفسنا أنه من الصائب".
المرأة المكتوبة
ومن خلال فيلم "سيدة البحر" الذي تداخلت فيه قصته
بتفاصيل حياة مخرجته التي أرادت بحسب قولها "كشف عالم يقمع المرأة
ويمنح الرجال السلطة والمكانة العالية، من خلال شخصية "حياة" بطلة
الفيلم و حالة الضغوط والتأثيرات الواقعة على كاهل الفتيات داخل
المجتمع بشكل عام". وأضافت أن هدفها كان "سرد قصّة منسوجة على
أوتار أحداث خيالية وبأقل قدر من الحوار تعتمد على الصورة أكثر".
وقد استلهمت شهد الكثير من الصور المجازية في الشعر العربي الذي
تربت عليه وأغرمت به منذ نعومة أظافرها. وتقول أيضاً إنها أرادت
"الخروج من هذه القصّة بأسلوب عربي أصيل"، وهي التي قررت أن تصبح
مخرجة أفلام وكاتبة سيناريو من خلال تأثرها بمسلسلات الفانتازيا
السورية.
واختارت شهد البحر ذلك العالم الموحش والغامض الذي
يرمز بحسب رؤيتها إلى المرأة المكبوتة، باعتبارها موضوعاً يحظى
باهتمام العالم، كما تعتقد أن الفيلم سيكون له صدى كبير بين
الجماهير في جميع أنحاء العالم.
و تحدثت أمين عن تشجيع وزارة الثقافة السعودية لها
أينما حلت، معبرة عن رضاها بما وصل إليه مسؤولو بلادها من اهتمام
بالثقافة وبخاصة السينما. |