القارة السمراء تداوي مشكلاتها الحارقة بجمالية الكاميرا
الأقصر (مصر)
قضايا الهجرة والحروب والطائفية تسيطر على عروض أفلام
مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية.
يحتفي مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته العاشرة
المقامة حاليا في صعيد مصر بسينما القارة السمراء مستعرضا قضاياها الراهنة
عبر جماليات سينمائية تطرح مشكلات الهجرة غير الشرعية والحروب والطائفية
والعنصرية، وذلك ضمن مسابقاته الأربع المقسمة بين الروائي الطويل والروائي
القصير والأفلام التسجيلية وأفلام الشتات.
تواصلت الأحد عروض أفلام النسخة العاشرة من مهرجان الأقصر
للسينما الأفريقية، حيث تضمن جدول اليوم الثالث تقديم 14 فيلما ضمن أقسام
المسابقات الرسمية الأربع بالمهرجان، بجانب برامج التكريم وعروض القسم
الرسمي خارج المسابقة. وسيطرت قضايا الحب والطائفية والسحر والشعوذة في
القارة السمراء والصراعات الإنسانية على قصص الأفلام.
ففي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة عرض فيلم “دوجا..
نابشي الموتى” للمخرجين عبدالله داو وإيريك لينجاني من بوركينا فاسو،
وتتمحور أحداث الفيلم حول مجتمع بوركينا فاسو المعاصر، حيث الجميع يعيشون
في حالة مثل دوجا أو النسور، وهي الطيور التي تعيش على الحيوانات النافقة،
وبينما يعيش الجميع بمختلف معتقداتهم في قوقعتهم الخاصة، يرفض الفيلم تلك
الطائفية الدينية.
وفي ذات المسابقة عُرض فيلم “زنقة كونطاكت” للمخرج المغربي
إسماعيل العراقي، ويكشف الفيلم تفاصيل فردوس رومانسي ورحلة مليئة بالأحداث
لعازف سابق لموسيقي الروك وفتاة ليل ذات صوت ذهبي في مدينة كازابلانكا،
ويحاول الرجل الإقلاع عن تعاطي الهيروين، بينما تحاول الفتاة الهروب من
حياة الشارع، ولا يجدان أمامهما مخرجا سوى الموسيقى، ويقلب حبهما المغرب
رأسا على عقب، لتظهر البلاد بصورة غير معروفة.
مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية يطلق أول مظلة موحدة تجمع
30 مهرجانا داخل القارة السمراء وخارجها
حب وطائفية
أما في مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة، فعُرض فيلم
“الخطاب” من إخراج مايا ليكو وكريستوفر كينغ من كينيا، وتنطلق أحداث الفيلم
عندما تُتهم جدة كاريسا بممارسة السحر، ويتّضح له أن خطاب التهديد الذي
تلقته جدته قد جاء من أحد أفراد عائلته، وكيف أن الاتهامات ناتجة عن مزيج
من الخرافات والدوافع الاقتصادية، وأن الجدة ليست الوحيدة المستهدفة،
فالمئات من كبار السن يوصفون بالسحرة كوسيلة لسرقة أراضيهم.
وفي المسابقة ذاتها عُرض الفيلم الجزائري “لا تحكوا لنا
المزيد من القصص” من إخراج كارول فيليو موحالي وفرحات موحالي، وتدور أحداث
الفيلم حول امرأة فرنسية ورجل جزائري، وكيف عصفت الحرب الجزائرية
بطفولتهما، وأحدهما صحافي وله ذكريات مؤلمة عن رحيل قسري من البلاد.
وفي مسابقة أفلام دياسبورا (أفلام الشتات) عُرض الفيلم
الهولندي “السيدة. ف” للمخرج كريس فان دير فورم، وتدور أحداث الفيلم في
قرية ماكوكو المشهورة بصيد الأسماك، وهي أكبر حي فقير يطل على المياه في
نيجيريا، وتريد السيدة “ف” توحيد النساء وتقديم مسرحية تُسمى “اسمع كلمة”،
وهو مشروع لتمكين المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين، والمسرحية مبنية على
قصص حقيقية تتحرّر فيها النساء من الاضطهاد.
وفي المسابقة ذاتها عُرض فيلم “زاهو زاي” وهو من إنتاج
فرنسا ومدغشقر والنمسا، من إخراج جيورج تيلر ورانا يفوجا وناميفا، ويدور
الفيلم حول شخصية شابة تعمل كحارسة في أحد السجون المكتظة في مدغشقر،
وتتشابك ملاحظاتها عن واقع الحياة في السجن مع أحلام اليقظة عن والدها
المجهول، وتأمل سرا أن تتعرّف على والدها كسجين، ومع تجاوز الوقت تقضي
يومها وهي تتخيّل ماذا كانت جريمة والدها، وكيف كان يقضي يومه في السجن،
ويتغيّر كل شيء عندما يصل نزيل جديد يدّعي أنه يعرف والدها.
وفى برنامج القسم الرسمي خارج المسابقة عُرض فيلم “وساطة”
للمخرج النيجري كونلي أفولايان، ويدور العمل حول شخصية مويمي أولوا الطالبة
الجامعية المرحة، والتي تدرس للحصول على درجة الماجستير في العلاقات
الدولية، وطموحها هو الحصول علي وظيفة في إحدى هيئات منظمة الأمم المتحدة.
وفي برنامج بانوراما مصرية عُرض فيلم “الغسالة” للمخرج عصام
عبدالحميد، وتدور أحداث الفيلم في إطار كوميدي خيالي حول غسالة متطوّرة
يمكن من خلالها السفر عبر الزمن، ممّا يتسبّب في تفجّر العديد من الصراعات
وظهور العديد من المفارقات بين مستخدميها في رحلاتهم.
وفي برنامج التكريمات عُرض فيلم “الفيل الأزرق 2” للمخرج
المصري مروان حامد. كما عُرض ضمن برنامج الاحتفال بالمئوية الثانية لميلاد
الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي فيلم “الإخوة الأعداء” للمخرج حسام الدين
مصطفى، والمقتبس من إحدى روايات الكاتب الروسي، والذي سبقه السبت عرض فيلم
“الشياطين” للمخرج حسام الدين مصطفى المقتبس بدوره من إحدى روايات
دوستويفسكي.
الممثلة التونسية هند صبري تغيبت عن تكريمها لإصابتها
بفايروس كورونا، كما تغيّب كذلك المخرج المصري علي عبدالخالق لظروف خاصة
وفي مسابقة الأفلام القصيرة عُرض فيلم “600” للمخرج محمد
صلاح من مصر، وتدور قصة الفيلم حول نور الذي يقرّر السفر بدراجته من
القاهرة إلى مدينة سفاجا المطلة على شواطئ البحر الأحمر لإيصال رسالة من
جده المتوفى إلى شقيقه بعد فراقهما بسنوات.
وفي المسابقة ذاتها عُرض فيلم “المداد الأخير” للمخرج
المغربي يزيد القادري، وتبدأ قصة الفيلم حين يتسلّم إبراهيم الذي يعمل
خطاطا ويمتلك محلا لنقش شواهد القبور ورقة من رجل غريب تحتوي على اسم خاص
بشخص متوفى، لكنه يحمل اسما مطابقا لاسمه.
وفي المسابقة ذاتها عُرض فيلم “شفت مسائي” للمخرج كريم
شعبان من مصر، والذي تدور قصته حول زين موظف خدمة العملاء الذي يجهّز نفسه
لمقاومة النعاس نظرا لرتابة المناوبة الليلية في عمله، لكن مكالمة العميل
أكرم قد تتكفل بحرمانه من النوم لأشهر.
كما عُرض فيلم “هه رقصتي فاسمعوا” للمخرجة السودانية علياء
سر الختم، وتدور قصة الفيلم حول أصم ذي 9 سنوات يحاول التكيّف مع مدرسته
الجديدة.
"حفنة
تمر" فيلم سوداني ينتصر للطبيعة ومرح الطفولة
حروب وتمييز عنصري
قدّم المهرجان لجمهوره في يومه الأول السبت 12 فيلما من
الأفلام المشاركة بالمسابقات الرسمية للمهرجان بجانب برنامج العروض خارج
المسابقة الرسمية، وبرامج عروض بانوراما مصرية، وتكريم عظماء كرة القدم
الأفريقية، والمئوية الثانية للأديب الروسي فيودور دوستويفسكي.
وبدأت العروض بتقديم فيلم الافتتاح “هذه ليست جنازة.. هذه
قيامة” للمخرج ليمو هانغ غريمايا موسيسي من ليسوتو، والذي تأجل عرضه في حفل
الافتتاح مساء الجمعة جراء تداعيات حادث تصادم القطارين في محافظة سوهاج
وما نتج عنه من سقوط قتلى ومصابين.
وتدور قصة الفيلم في ليسوتو، حيث تنتظر أرملة تبلغ من العمر
80 عاما اسمها مانتو بفارغ الصبر عودة ابنها من العمل في مناجم جنوب
أفريقيا، لتعلم بوفاته، ما جعلها تتمنى الموت بعد فقدان آخر فرد من أفراد
عائلتها.
وتستعد مانتو في النهاية لترتيب جنازتها وتوديع حياتها
الدنيوية وتتّخذ الترتيبات لدفنها. لكن خططها تتعثّر بشكل مفاجئ حين تعلم
أن الحكومة تعتزم إعادة توطين سكان القرية، وإغراق المنطقة بأكملها وبناء
سد مائي، فتقرّر العجوز تكريس جهودها للدفاع عن التراث الروحي لمجتمعها.
وضمن عروض المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة عُرض
فيلم “يوميات صياد” للمخرج إينه جون سكوت من الكاميرون، وتدور قصته حول
فتاة تبلغ من العمر 12 عاما، اسمها إيكا، والتي تجد إلهاما من قصة
الباكستانية ملالا يوسف أصغر شخصية حاصلة على جائز نوبل للسلام.
حبكة الفيلم المصري "الغسالة" تعتمد على فكرة السفر عبر
الزمن بالرجوع إلى الماضي أو القفز إلى المستقبل
وفى عروض مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة عُرض فيلم “بعد
العبور” للمخرج جويل أكافو من ساحل العاج، ويعالج الفيلم قضية حلم الهجرة
من أفريقيا إلى بلدان أوروبا.
وفي ذات المسابقة عُرض فيلم “أمغار” للمخرج المغربي بوشعيب
المسعودي، ويجسّد الفيلم موروثا قديما لشخصية نافذة على مستوى عالِ في
تصوير لرؤية فلسفية لظاهرة اجتماعية تنتشر بقوة خلال الحياة اليومية.
وفى المسابقة ذاتها عُرض فيلم “مع التيار نحو كينشاسا”
للمخرج ديودو حمادي من الكونغو، ويدور الفيلم على مدار عقدين من الزمان،
حيث كافح ضحايا حرب الأيام الستة في جمهورية الكونغو الديمقراطية من أجل
انتزاع الاعتراف بهذا الصراع الدموي، والمطالبة بالتعويض بعد أن سئموا من
المناشدات غير المجدية، فقرّروا أخيرا التعبير عن مطالباتهم في كينشاسا بعد
قيامهم برحلة طويلة في نهر الكونغو.
وفي عروض مسابقة أفلام الشتات عُرض فيلم أن “تكون صاحب بشرة
سمراء” للمخرجة إينيس جونسون سباين الألمانية من أصل توغولي. وفي أحداث
الفيلم يُخبر والديْ المخرجة السمراء إينيس جونسون سباين أن لون بشرتها
مجرد مصادفة، وليس شيئا له أهمية، حتى تكتشف ذات يوم في سن المراهقة
الحقيقة عن طريق الخطأ.
وعُرض أيضا فيلم “توقف عن تصويرنا” للمخرج الهولندي جوريس
بوستيما، وتدور أحداثه حول مجموعة من الشباب الذين يقاومون في غوما
بالكونغو الديمقراطية التقارير الإعلامية المنحازة ضد مدينتهم، وهي
التقارير التي لا تعرض سوى الصور النمطية للحرب والفقر في مدينتهم.
وفى برنامج عروض القسم الرسمي خارج المسابقة عُرض فيلم
“حفنة تمر” للمخرج هاشم حسن من السودان، ويدور الفيلم حول قرية تقع بين
الصحراء والنيل، وينعم فيها صبي بطفولة مثالية متمتعا بجوار النهر وبثمار
الأرض الخصبة.
وفي البرنامج ذاته عُرض فيلم “هرج” للمخرج الجزائري إسماعيل
بلجيلالي، وتدور أحداث الفيلم حول محمد وهو شاب جزائري يروي قصته عن
المهاجرين غير الشرعيين في فرنسا.
وفي برنامج بانوراما مصرية عُرض فيلم “حظر تجول” للمخرج
أمير رمسيس، وفي برنامج تكريم عظماء لعبة كرة القدم الأفريقية عُرض فيلم
“الزمهلاوية” للمخرج أشرف فايق.
افتتاح صامت
على غير المتوّقع انطلقت مساء الجمعة فعاليات النسخة
العاشرة من المهرجان بشكل صامت من وسط معابد الكرنك الفرعونية، على إثر
مصرع 32 شخصا وإصابة العشرات بحادث تصادم بين قطارين بمحافظة سوهاج (جنوب
مصر) وقع قبل ساعات من الافتتاح الرسمي للمهرجان، فتم إلغاء الفقرات الفنية
المصاحبة للافتتاح مراعاة لحالة الحزن العام في البلد.
ووقف الحاضرون دقيقة حدادا على أرواح الضحايا فيما اقتصرت
المراسم على الكلمات الرسمية للمنظمين والتعريف بالمسابقات والأفلام ولجان
التحكيم.
السينما السودانية تحل ضيف شرف دورة هذا العام بعدما عادت
الأفلام السودانية للظهور بقوة في المهرجانات الدولية خلال السنوات القليلة
الماضية وانتزعت جوائز مرموقة
وتحمل الدورة العاشرة التي أتت هذا العام تحت شعار “عشر
سنوات من الخيال” اسم الممثلة مديحة يسري (1921 – 2018) بمناسبة مئوية
ميلادها، وهي مهداة لأرواح كل من الممثل محمود المليجي والممثل محمود ياسين
من مصر والسينمائي المغربي نورالدين الصايل.
وكرّم المهرجان في الافتتاح الممثلة المصرية نادية الجندي،
فيما تغيّب معظم المكرمين الآخرين لأسباب مختلفة. وقالت الجندي في كلمة
موجزة إنها سعيدة بهذا التكريم لسببين، الأول لأن التكريم في حد ذاته يجعل
الفنان في حالة سعادة كبيرة ويدفعه للتقدّم في مسيرته الفنية، والثاني
لتواجدها في مدينة الأقصر العريقة الضاربة في جذور التاريخ.
وتغيّبت الممثلة التونسية هند صبري عن تكريمها لإصابتها
بفايروس كورونا، كما تغيّب المخرج المصري علي عبدالخالق لظروف خاصة، وتغيّب
أيضا كل من الممثل المغربي عز العرب الكغاط والمخرج السينمائي شيخ عمر
سيسكو من مالي. ولم يحضر لتسلم التكريم سوى الممثل والمذيع المصري سمير
صبري ومواطنه الممثل محي إسماعيل.
وتحل السينما السودانية ضيف شرف دورة هذا العام بعدما عادت
الأفلام السودانية للظهور بقوة في المهرجانات الدولية خلال السنوات القليلة
الماضية وانتزعت جوائز مرموقة.
عروض المهرجان سيطرت عليها قضايا العنصرية والطائفية في سرد
واقعي لما تعانيه القارة السمراء من مشكلات خانقة
وألقى المخرج والمنتج والممثل السوداني طلال عفيفي كلمة
بهذه المناسبة قال فيها “في السنوات الماضية كنا حصيلة تراكم قدّمه آباؤنا
وأمهاتنا من السينمائيين والسينمائيات في السودان منذ منتصف القرن الماضي،
وكان لنا الحظ أن نقطف ثمرة ما زرعوه من قبلنا”.
وأضاف “نقدر مهرجان الأقصر بشكل خاص لأنه مهرجان نوعي
يتعاطى مع القضية الأفريقية باهتمام كبير”، مضيفا أن “مشاركة السودان في
الدورة ستكون متنوعة وعلى مستويات مختلفة سواء بالأفلام أو في لجان التحكيم
أو الورشات”.
وتم إهداء دورة هذا العام لروح الفنان السوداني الراحل
الهادي الصديق (1948 – 2020) والذي بدأ مسيرته الفنية في عام 1965 وكان
حينها في سن السابعة عشرة، وتمكن من صقل نفسه بسرعة فائقة وعرف بتنوّع
أدواره وبمساهماته القوية في إخراج العديد من الأعمال التلفزيونية
والإذاعية والسينمائية، إضافة إلى مشاركته في أضخم الأعمال الدرامية التي
قدّمتها الشاشة السودانية مثل “الدهباية” و”ليلة رهيبة” و”صرخة في وادي
الصمت”، ومن أشهر أعماله “دكين” (عام 1997) الذي أعيد بثه في تلفزيون
السودان وبعض القنوات الأفريقية في عام 2017، والعمل استقى أحداثه من واقع
الحياة السودانية وحظي بمشاهدة واسعة.
وشهد المهرجان مساء الأحد إعلان منتجي السينما الأفارقة عن
تشكيل أول كيان يضم 30 من المهرجانات السينمائية الأفريقية التي تقام داخل
بلدان القارة وخارجها. وقالت عزة الحسيني مديرة مهرجان الأقصر للسينما
الأفريقية إن الكيان الجديد سيحمل اسم “جمعية المهرجانات الأفريقية” ويضم
كل مهرجانات القارة في شبكة واحدة تتولى خلق دوائر لتطوير الأفلام
الأفريقية والترويج لها أفريقيا وعالميا.
وأشارت الحسيني إلى أن الجمعية الجديدة للمهرجانات
الأفريقية سيكون من بين أهدافها بناء مبادرات تمويلية للمهرجانات
السينمائية الأفريقية، وتسويقها محليا وإقليميا، وتشكيل مجموعة اتصال موحدة
تتولى الحديث باسم منتجي السينما الأفريقية أمام القائمين على إنتاج
السينما ومنظمي المهرجانات ببلدان العالم. |