حين تتعمق الأفلام في رصد واقع إجتماعي، وتطرحه بصدق، فإنها
تلعب بذلك واحداً من أدوارها المهمة لتغيير المجتمع، هذا ما سعي إليه
الفيلم الأردنى (بنات عبد الرحمن) الذي يغوص في مشكلات بطلاته الأربع،
ويدفعهن إلي رفض الظلم الواقع عليهن، ومواجهته.
هذا فيلم ينتصر للنساء العربيات، ويطرح مشكلاتهن التى
تتشابه أو تختلف في تفاصيل صغيرة من مجتمع لآخر، وإن بقيت في ظاهرها واحدة،
والتي تبدأ عادة من الأسرة لتتوالي الخيبات في حياتهن.
في أحد أحياء الطبقة المتوسطة بعمان، تعيش زينب التى تعمل
في حياكة الملابس حياة كئيبة، بعدما فاتها قطار الزواج، وبقيت في خدمة
والدها المسن، بينما شقيقاتها الثلاث يعشن بعيداً، تستعرض المشاهد الأولي
للفيلم رحلتها اليومية، ما بين شراء لوازم البيت، وخدمة الأب وتمريضه، وفي
مشهد فاصل، في غرفتها، ترتدي فستان زفاف، وقد خلعت غطاء شعرها، وتركته
منسدلاً، بينما تتأمل نفسها أمام المرآة، ينادي الأب عليها، ويدفع الباب
دون أن ينتظر، يتفاجأ بها في فستان العرس، مما يصيبها بالإرتباك، يختفي
الأب بعد ذلك المشهد، وتتفجر الأزمات.
هكذا تفتتح زينب “فرح بسيسو” حكايتها وشقيقاتها في الفيلم
الأردنى، بينما يغيب الأب الذى يلصق بنفسه كنية “أبو علي” في إشارة إلي
الولد الذي ظل يحلم به، ولم ينله.، ويظل الغائب الحاضر، لكنه لا يظهر سوي
مع مشهد النهاية، لا نعرف على وجه الدقة لماذا إختفي، وهل ظهور إبنته
بفستان العرس جعله يشعر بمسئولية تجاه مآلت اليه حياتها وعزوبيتها؟
يطرح الفيلم حكايات أربع شقيقات في مراحل عمرية مختلفة، لا
تجمعهن تقريباً سوي صلة الدم، الإختلاف الصارخ بينهن يصل إلي حد التناقض،
فلكل منهن طباعها وتفاصيل حياتها.
في فيلمه الروائي الطويل الأول “بنات عبد الرحمن” يصور لنا
المخرج الأردنى زيد أبو حمدان الأجواء غير المريحة التى تسود عالم الشخصيات
الأربع، اللاتى يتوالي ظهورهن تدريجياً، ويفسح المخرج، وهو أيضاً كاتب
القصة والسيناريو، لكل شخصية مساحة مناسبة، تتيح لها التعبير عن نفسها، ما
بين سماح المتحررة التى تزوجت رجلاً ثرياً مثلما أرادت، لكنها تصدم بإكتشاف
خطير عنه بعد سنوات من الزواج تكشفه لها صديقاتها، تتمتع زينب “تجسدها
ببراعة حنان الحلو” بجرأة الشخصية التى يعكسها مظهرها وتعليقاتها، وتفجر
الضحك في مواقف عديدة، فيما تعيش آمال مأساة مع زوجها المتطرف دينياً،
تعتمد صبا مبارك في أدائها لهذه لشخصية على التعبير بعينيها الغائرتين من
خلف النقاب، تخفي تدخينها للسجائر، وتشعر بثقل كل ما يكبلها، فتثور على كل
شئ نال منها، تؤي صبا دورها بفهم ووعي يعكس نضجاً في إختياراتها كمممثلة
ومنتجة مشاركة في الفيلم، مثلما صرحت عرض على المخرج السيناريو ولم يحدد لي
أي شخصية سأؤديها، وإخترت آمال التى تحمست لتجسيد أزمتها، وحتى لحظات قوتها
بما يكشف عودة الوعي لديها، وإنقاذ طفلتها من مصير يشابه أمها.
أما ختام آخر البنات “مريم الباشا” فتعود من دبي التى تعيش
بها مع صديقها مما آثار الأب ضدها، إن متغير غياب الأب يدفع بناته الأربعة
إلي مواجهة حتمية مع الذات، يضعن أيديهن على خلل أصاب حياة كل منهن، ويقررن
مواجهته من دون إعتبار لأي شئ، برغم الخلافات التى تطل برأسها بينهن ونظرة
كل منهما للأخري، لكن الصحوة التى تصيبهن تساهم في بدء تقارب وتعاطف ظل
مفتقداً بينهن منذ البداية، وينجح المخرج الشاب في إدارة ممثليه ليقدموا
مباراة في الأداء، إعتمدت بالأساس على مساحة ملائمة لكل منهن في السيناريو،
ورغم ظهوره في مشاهد محدودة الإ أن الممثل الكبير خالد طريفي أضفي عليها
أهمية بأدائه الرصين لشخصية الأب.
الفيلم إستغرق مخرجه سبع سنوات من المخرج في كتابته وتنفيذه
والبحث عن تمويل، لامس بشكل كبير هموم المرأة العربية، لذا فقد قوبل بحفاوة
عند عرضه بمهرجان القاهرة السينمائي وتوج بجائزة الجمهور “جائزة يوسف شريف
رزق الله”، كما لاقي إهتماماً كبيراً من الجمهور السعودي عند عرضه بمهرجان
البحر الأحمر ضمن قسم إبداعات عربية “خارج المسابقة”.
فيلم “بنات عبد الرحمن” يعد أحد الأفلام الهامة في الإنتاج
السينمائي الأردني خلال2021 والتى كانت حاضرة بقوة في مهرجان البحر الأحمر
السينمائي بأكثر من فيلم ومنها “الحارة” لباسل الغندور الذي شارك بمهرجان
لوكارنو، و”فرحة” للمخرجة دارين سلام الذي شهد عرضه الأول في مهرجان
تورنتو.
|