فيلم «19 ب» .. أداء إبداعى عانى من بطء الإيقاع
مشير عبد الله
السينما فن جماهيرى فى المقام الأول، حيث إن الجمهور ومتعته
هو الهدف الأساسى لها، حتى وإن كانت هذه المتعة مغلفة بمفاهيم وآراء مفيدة
وممتعة، فالسينما يجب ألا تكون فى خدمة «الجمهور عايز كدة»، ولكنها قوة
ناعمة يجب أن تقدم كل شيء باستخدام جميع تقنيتها و آلياتها، والمتمثلة فى
الديكور والملابس والموسيقى والتصوير، وبالطبع المونتاج، لتكون النتيجة فى
النهاية لوحة جميلة يتلقاها الجمهور.
وليس هناك ما يسمى بفيلم خاص بالمهرجانات وآخر للجمهور،
فالفيلم يقدم للجميع، وإذا استطاع أن يحصل على جوائز، فذلك إضافة إليه مما
لا شك فيه، ولكن الأهم من الجائزة هو استحسان الجمهور له.
وذلك تحديدا ما أشار له المخرج الكبير الراحل توفيق صالح فى
إحدى محاضراته، عندما قال: «إذا كنت تريد عمل فيلم للحصول على جائزة من
المهرجانات، فلا تفعل، وأنا سوف اشترى لك تمثال الجائزة بنفسي، لتضعها عندك
فى المنزل».
ومن قال هذه العبارة هو ذاته مخرج يطلق عليه مسمى «مخرج
المثقفين»، فكل أفلامه كانت للفكر. وبرغم ذلك فإن الجمهور أجمع على أنها
أفلام نسجت بحرفية عالية، ومنها فيلم «يوميات نائب فى الأرياف» للأديب
توفيق الحكيم، والذى قرر مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الحالية ترميمه
وعرضه ضمن عروض «كلاسيكيات القاهرة» فالفيلم للجمهور وليس لصناعه.
فيلم «19 ب» الذى تم عرضه ضمن فعاليات مهرجان القاهرة
السينمائى الدولي، من إخراج أحمد عبد الله، وهو مؤلفه فى ذات الوقت، يحكى
عن حارس، يلعب دوره سيد رجب، لفيلا مسئول عنها منذ 20 عاماً، ولم يحضر
أصحابها منذ كان طفلاً، وأصبحت الفيلا آيلة للسقوط، وهو يعيش فيها مع قطط
وكلاب الشوارع.
حتى إن ناصر «السايس» ويقوم بدوره خالد أحمد صالح، الذى
يقوم بركن السيارات فى الشارع ـ أمام الفيلا يقرر السكن مع الحارس رغما
عنه، لتبدأ الأحداث الفعلية للقصة. الفيلم فكرته ليست جديدة وهى الصراع بين
صاحب الحق وان كان ليس أصيلا فى امتلاكة لهذا الحق، والمغتصب له. وكيف يعرض
أحمد عبدالله هذه القصة أول ثلث أو ربع ساعة من الأحداث.
فالمشاهد يجد نفسه فى مونودراما مع الحارس «سيد رجب «، أنه
لم يظهر غيره مع الكلاب والقطط بايقاع بطيء نسيبا، حتى يظهر صديقة «سكر»
البواب فى العمارة المجاورة. ثم تكون العودة مرة أخرى مع الحارس فترة
ثانية، حتى يظهر السايس ناصر، ومعه شخص من الحى ليطلب منه استقبال لجنة
الحى لتنكيس الفيلا «حقن الاساس بالاسمنت»، فى مسعى لإنقاذها من الانهيار.
ثم تظهر شخصية الدكتورة، فدوى عابد، وبعدها الابنة، ناهد
السباعي، فى مشاهد قليلة وفى النهاية المحامى صبرى عبد المنعم، لنصل لذروة
الصراع ونهايته
.
التمثيل لسيد رجب فى شخصية حارس الفيلا، الذى يجد نفسه فى
صراع لم يكن له يد فيه سوى أنه يعشق الحيوانات ويعتنى بها، حتى يصبح فى
مواجهة السايس ورجاله. يبرع فى تجسيد إحساسه بأن الفيلا باتت بيتا له رغم
أنه ليس بيتا آمنا، استطاع أن يؤدى الدور بحبه للحيوانات الكلاب والقطط
وكأنه كان يعيش معهم بالفعل طوال عمره.
فلا يشعر المشاهد بانه جاء ليصور مشاهده فى فيلا قديمة،
لكنه بالفعل حارس متمرس، حتى فى طريقة عمله وطريقة شربه الشاى طوال
الأحداث. ممثل ونجم كبير.
أحمد خالد صالح، فى دور السايس البلطجي، ورغم عمره القصير
نسيبا فى التمثيل، إلا أنه يعجن نفسه بالشخصية التى يؤديها، سواء كانت طيبة
أو شريرة، فهو منذ بدايته عام 2017 وحتى فيلم «19 ب»، يظل ممثلا ولد كبيرا.
ناهد السباعى فى دور ابنة الحارس، التى ظهرت فى مشاهد قليلة
لكنها مؤثرة، فهى تظهر لتعطى القوة لابيها، وهى تخاف عليه، فظهورها كان
مميزا، وفى كل فيلم أو عمل تظهر فيه، تتألق كنجمة.
التصوير لمصطفى الكاشف، ورغم صعوبة التصوير فى مكان واحد،
وكون البطولة بخلاف الحارس، للحيوانات، إلا أنه نجح فى إعطاء الجو العام
للمكان، وإعطاء الإحساس الدرامى المطلوب، خصوصا عبر ألوان الصورة. صحيح أن
الصورة خلت من العمق، كأنها مصورة بكاميرا فيديو، إلا أن للتصوير حرفيات
مختلفة مثل ضبط الفوكس وتحريك الكاميرا والإضاءة، وهو ما أجاده.
المونتاج لسارة عبد الله، هناك مشاهد تستلزم الإيقاع
البطيء، ليتمعن فيها المشاهد، ولكن أن يكون الإيقاع فى الفيلم كاملاً بهذا
البطء، فذلك شكل نقصا، وأصاب المشاهد بالملل، حتى وإن كانت هذه طريقة
وأسلوب المخرج والمونتيرة فى الأفلام السابقة، فليس هناك مبرر فى فيلم
يفترض التزامه الإثارة والتشويق، أن يكون الإيقاع بذلك البطء.
الموسيقى ليوسف صادق، الذى استطاع أن يقدم موسيقى مترجمة
للحدث، فمثلاً استخدام الموسيقى الجنائزية بآلة البيانو بعد موت «عنتر»،
وموسيقى الذكر بعد حضور «المحامي»، فهو يترجم الدراما بالموسيقي.
الإخراج لأحمد عبد الله، قدم العديد من الأفلام بنفس
الإيقاع، فلم تكن جماهيرية، نظراً لأسلوبه الإيقاعى البطيء، فكان يجب أن
يستغل بداية الفيلم الطويلة، التى تعتبر مونودراما للممثل، أى بطلها هو
حارس العقار فى اكتساب محبة الجمهور للشخصية، وهو ما لم يحدث، فكان يجب
تكثيف مشاهد أكثر بمواقف أكثر، لتوحد الجمهور مع البطل، ليسير الفيلم كما
يريد المخرج، وهو ما لم يحدث. وإن يحسب له النجاح فى التعامل مع الحيوانات
وهو من العناصر بالغة الصعوبة فى الأعمال السينمائية. |