فيلم "العايلة" يوثق أثر الحراك الشعبي على أسرة جزائرية
طارق إبراهيم حسان
عبرت السينما الجزائرية في عدد من الأفلام عن انتفاضة الشعب
الجزائري عام 2019 وانطلاق التظاهرات التي عُرفت بالحراك الشعبي، والتي
شهدت خروج مئات الآلاف في معظم المدن الجزائرية، ما أدى إلى احتجاز مسؤولين
كبار ووزراء بتُهمِ فساد، وصدرت أحكام بالسجن على العديد منهم.
يستلهم المخرج الجزائري مرزاق علواش في أحدث أفلامه
"العايلة" (2022) تلك المرحلة الفارقة في تاريخ الجزائر الحديث، ويطرح
شخصيةَ وزيرٍ سابق فاسد، جسدها الفنان عبد الرحمن إيكاريوان، يعيش حالة من
التوتر بسبب الأحداث السياسية والشعبية في الشارع الجزائري، فيقرر الهرب
عبر الصحراء خوفاً من أن يتم القبض عليه ويخضع للمحاكمة.
أخرج علواش نحو 18 فيلماً، بدأها عام 1976 بفيلم "عمر قتلتو
الرجلة"، وتدور أغلب أفلامه حول المآزق التي يمرّ بها الوطن العربي، مثل
التطرف الديني، والإرهاب، والفساد، وثورات ما سمي بالربيع العربي، من خلال
وطنه الجزائر، حيث عبر من خلال أفلام مثل "التائب"، و"نورمال"، و"السطوح"،
وغيرها، عن كثير من أوجاع وانكسارات المواطن العربي.
تكثيف شديد للأحداث
جاءت فكرة فيلم "العائلة" مناسبةً في تناولها غير التقليدي،
حيث ارتكزت الأحداث بشكل رئيس على حياة الأسرة داخل البيت، وتعقبت علاقات
العائلة، سواءً في ما بين بعضهم بعضاً، أو مع الآخرين من الأصدقاء أو
الجيران أو العمال، وكشف الفيلم عن الحياة المترفة التي تعيشها العائلة من
خلال المنزل والسيارات وأفراد الأمن والحماية.
تميزت الأحداث بالتكثيف الشديد، وقلة عدد الشخصيات، مع
التركيز على الموضوع الرئيس، وهو الأسرة التي تدفع استقرارها وحياتها ثمناً
لفساد عائلها، ويؤول مصير أفرادها إلى وضع غامض ومؤلم، حيث التشتت والفرقة
والضياع والخسران، لا سيما بعد أن قرر الوزيرُ السابق الهربَ خارج البلاد
بدلاً من مواجهة مصيره.
يستلهم المخرج الجزائري مرزاق علواش في أحدث أفلامه
"العايلة" انتفاضة الشعب الجزائري عام 2019، ويطرح شخصية وزير سابق فاسد،
جسدها الفنان عبد الرحمن إيكاريوان، يعيش حالة من التوتر بسبب الأحداث
السياسية والشعبية في الشارع الجزائري، فيقرر الهرب عبر الصحراء
وجاء التصوير مندمجاً مع طبيعة الحدث الدرامي بالتركيز على
شكل المكان/البيت، وحركة الشخصيات داخله، والعلاقة بين أفراد الأسرة وطريقة
التعامل في ما بينهم، والتي سيطرت عليها حالةٌ من عدم التناغم أو الألفة
بين الزوجين، وبين كلٍّ من الأب والأم وابنتهما.
كما جاء تصوير أغلب المشاهد داخلياً، أي داخل الاستديو، أو
داخل البيت، عدا مشاهد قليلة لأفراد الأسرة كانت في أماكن عامة، وذلك على
الرغم من أن التصوير الخارجي في الأماكن العامة حتى وإن كانت ديكوراً، يكون
لها وقع جيد على الفيلم، حيث تكون أكثر تعبيراً وحيويةً للأحداث.
التفكك وعدم الترابط بين أفراد الأسرة
تبدأ الأحداث بتظاهرات شبابية في شوارع الجزائر، والحراك
الشعبي عام 2019، لترصد أثر التحولات السياسية التي تمرّ بها البلاد على
مصير أسرة وزير سابق وزوجته (حميدة آيت الحاج) وابنته الوحيدة، لتنتهي
بفاجعة داخل الصحراء دون أمل في الوصول إلى مكان، عدا الابنة (نرجس عسلي)
التي قررت عدم مواصلة الطريق، وفضّلت العودة إلى مدينتها.
استطاع المخرج أن يعبر عن حالة التفكك وعدم الترابط بين
أفراد الأسرة، من خلال عدة مظاهر، منها أن الحوار بين الوزير وزوجته في
معظم فترات الفيلم جاء مليئاً بالعصبية والتوتر والشد والجذب، وعدم وجود
مشاهد حميمية بين أفراد الأسرة، حيث سادت المشاجراتُ أغلبَ المشاهد التي
جمعت الزوجين.
ويبدو انشغاله الدائم بالأحداث الجارية ومتابعة الأخبار
السياسية، سواءً بالصحف أو التلفزيون. أما زوجته فهي تتحرك داخل البيت بهمة
وجدية دون داعٍ، وتشرف على أفراد الأمن الموجودين بالبيت، ومن ناحية أخرى
مهووسة بكلبها الصغير، الذي تدعوه "برنس"، وتربطها به علاقة تشبه البنوّة،
فتقوم بتدليله ومداعبته طوال الوقت.
بالرغم من هذا الحب للكلب الصغير، نجدها كأمّ لفتاة عشرينية
لا تشعر بابنتها، ولا تعطيها الاهتمامَ الكافي. كما عبرت الأحداث أيضاً عن
غياب التفاعل والحوار والحنو القائم على مشاعر بديهية بين الأب وابنته،
برغم أنها في عمر يتطلب ذلك، لا سيما أن الفتاة ترتبط بعلاقة حبّ مع
صديقتها.
بداية التوتر والقلق
ركز الفيلم على الحدث الرئيس مباشرة من خلال تصوير حالة
الوزير وترقبه للأحداث الجارية، حيث جاء المشهد الأول معبراً عن ثرائه
وتوتره، من خلال تصوير الوزير السابق في حديقة الفيلا، مرتدياً روباً
أنيقاً، ويقرأ صحيفة ورقية لمعرفة أخبار البلاد، وما آلت إليه الأحداث.
بينما عبرت شخصية الزوجة عن امرأة حادة ومتسلطة تتفرغ
للشجار باستمرار سواء مع زوجها، أو مع العاملين بالبيت من أفراد الأمن
الموجودين من أجل الحراسة، فلا تكف عن التوجيه وإعطاء الأوامر لهم، ولا
تتوانى عن معاملتهم بفوقية شديدة، برغم خدمتهم وطاعتهم لها، ولا تهتم سوى
بكلبها الصغير.
بينما تعيش الابنة منعزلةً داخل حياتها الخاصة، فهي في
علاقة غير محسومة بخالد (نصر الدين جودي)، أحد أفراد الأمن بالبيت، وهو
السائق الخاص الذي يتقرب منها بجرأة فترفضه، ثم تقترب هي، وما تلبث أن
تبتعد مرة أخرى دون أن توضح الأحداثُ طبيعةَ هذه العلاقة.
كذلك علاقتها بصديقتها التي تقوم على نوع من العشق والشبق.
وصورت الأحداث مداعبة بالأقدام تحت الطاولة، دون توضيح لهذه العلاقة أو
لسبب الزجّ بهذا المشهد الذي لم يضف شيئاً للتطور الدرامي داخل الفيلم، ولم
يعط المخرجُ هذه العلاقةَ مزيداً من الاهتمام، أو يعبر عما يبرر هذا المشهد
العابر.
الهرب داخل الصحراء والنهاية المفجعة
يقرر الوزير الهرب بأسرته إلى المغرب بالسيارة عبر الصحراء،
حيث لا يمكن مغادرة البلاد بالطرق الشرعية، فيقوم خالد بأخذ الأسرة إلى
مكان بعيد داخل الصحراء، ويستعين بأحد الشباب ممن يعرفون الطرق، ليقوم
بتوصيلهم إلى المغرب، بينما الشاب أحضر مسدساً لاغتيال الوزير السابق،
وتُقرّر الابنةُ أن تعود مع خالد.
يطرح الفيلم نهاية مفتوحة للأحداث، حيث يقود الشابُّ سيارته
بصحبة الزوجين، ويتوقف في مكان مبهم ومغلق، ويخرج مسدسه لقتل الوزير،
فيدافع الوزير عن نفسه، ويشتبك مع الشاب فتخرج طلقة تقتل الشابَّ، ويبقى
الوزير وزوجته في مكان خفي داخل الصحراء، لتكون النهاية ربما مفجعة نتيجةَ
مقتل السائق الذي قد يكون الدليل في هذه الصحراء.
أخرج مرزاق علواش نحو 18 فيلماً، بدأها عام 1976 بفيلم "عمر
قتلتو الرجلة"، وتدور أغلب أفلامه حول المآزق التي يمرّ بها الوطن العربي،
مثل التطرف الديني، والإرهاب، والفساد، وثورات الربيع العربي، من خلال وطنه
الجزائر
لم يصور الفيلم حالةَ الغليان في الشارع الجزائري، باستثناء
تظاهرات الشباب في بداية أحداث الفيلم، فغابت المشاهد المعبرة عن حالة
الغليان الشعبي، واستعان المخرج بصوت مذيعِ نشرة الأخبار القادم من جهاز
التلفزيون لإضفاء حالةٍ من الشعور بالأحداث والتغيرات السياسية الجارية.
زوجة الوزير غير راضية عن الأداء
حالة عدم الرضا تكون دائماً مصاحبةً للفنان الذي يسعى
للأفضل، وقد بدت الفنانة (حميدة آيت الحاج) التي قدمت شخصية زوجة الوزير
جادةً في أدائها، وهي التي صرحت في ندوة لها عقب عرض الفيلم في مهرجان
القاهرة السينمائي الدولي بدار الأوبرا المصرية أنها غير راضية عن أدائها
بالفيلم.
ورأت آيت الحاج انها كانت جادة زيادةً في حركتها بكثير من
المشاهد، وكان يتوجب عليها أن تقلل من درجة انفعالها، خاصةً في خطواتها
المتسارعة داخل البيت، ولو كان بيدها لأعادت تصوير الكثير من المشاهد،
وقالت إن مرزاق علواش مخرج كبير، وله بصمة خاصة في السينما الجزائرية.
حصد مرزاق علواش على عدة جوائز في مهرجانات دولية، منها
جائزة أفضل فيلم من مهرجان الدوحة السينمائي الدولي عن فيلم "نورمال"
(2011)، وعُرض فيلمه "التائب" في قسم أسبوع المخرجين في مهرجان كان
السينمائي الدولي (2012)، كما حاز الجائزة الفضية عن فيلم "عمر قتلتو
الرجلة" من مهرجان موسكو السينمائي الدولي
(1976). |