عدم وجود نسخ وتحلل الشرائط وتعرضها للتلف أزمات تهدد
التطوير.
بعد إظهار مهرجانات سينمائية عربية اهتمامها بترميم أفلام
مصرية كلاسيكية وإعادة عرضها اتجهت وزارة الثقافة المصرية نحو تبني الفكرة
ودعمها، بناء على أحقيتها في حفظ التراث الثقافي المصري، لكنها خطوة تبدو
في نظر محللين متأخرة، وعرضها هذا التأخير للاصطدام بالعديد من العراقيل.
القاهرة
- أعاد
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الرابعة والأربعين الاعتبار
والنظر إلى الأفلام المصرية القديمة التي في حاجة إلى إعادة ترميم، عقب
نجاح إدارته في القيام بترميم فيلمي “أغنية على الممر” و”يوميات نائب في
الأرياف”، لتعلن وزارة الثقافة عن خطة لإعادة ترميم الأعمال القديمة خلال
الفترة المقبلة بعد أن تعرض بعضها للتلف بفعل عوامل الزمن.
وأشارت وزيرة الثقافة المصرية نيفين الكيلاني مؤخرا إلى
وجود 44 فيلما تاريخيًا في حاجة إلى ترميم، وستعمل على الانتهاء من ذلك في
الفترة المقبلة واستكمال ما بدأه مهرجان القاهرة بالتعاون مع شركة تشرف على
الأصول السينمائية وتتبع الشركة القابضة للصناعات الثقافية.
وجاءت هذه الاستفاقة متأخرة للغاية لأن الكثير من الأفلام
المباعة تجاريًا إلى فضائيات وشركات إنتاج عربية قامت بإعادة ترميمها
بالفعل، كما أن الأفلام القديمة الموجودة في مخازن المركز القومي للسينما
واتحاد الإذاعة والتلفزيون وشركات الإنتاج العامة والخاصة يواجه بعضها تلفا
نتيجة سوء التخزين أو يصعب الوصول إليه في ظل غياب الاهتمام بالعديد من
الأعمال التي قدمتها السينما المصرية منذ عشرينات القرن الماضي.
رامي المتولي: عملية
الترميم تواجه صعوبات أهمها غياب النسخ الأصلية
وتعرضت وزارة الثقافة لانتقادات عديدة حادة من قبل نجوم
مصريين لغياب الاهتمام بالتراث التاريخي للسينما، تحديدا مع اتخاذ الحكومة
لقرارات متعاقبة بين تبعية الثقافة لوزارة الآثار وفصلها عنها، خاصة وأن
بعض مشروعات الترميم السابقة لم تكتمل.
وقال مستشار وزيرة الثقافة لشؤون السينما خالد عبدالجليل في
إحدى ندوات مهرجان القاهرة السنمائي “إن مشروع “السينماتيك” الذي يستهدف
إعادة ترميم الأفلام السينمائية تم تخصيصه لإعادة ترميم الآثار الإسلامية
عقب انفصال وزارة الثقافة عن الآثار، وبعض الأفلام القديمة وصلت إلى حالة
سيئة ما يستوجب سرعة الحفاظ على التراث”.
وأكدت وزارة الثقافة أن اختيار الأفلام التي في حاجة إلى
إعادة ترميم يتم بناء على الأعمال المؤثرة في تاريخ السينما المصرية، وتقوم
بعملية الترميم حاليا في معامل الشركة القابضة للسينما بمدينة الإنتاج
الإعلامي.
ويعد الترميم محاولة لإعادة الفيلم من نسخته التالفة نتيجة
سوء الاستخدام في مراحل عديدة أو لقدمها زمنيًا لتحويلها إلى نسخة أصلية
رقمية (ديجيتال)، ويدخل الفيلم المرمم عملية طويلة من إعادته ثم مرحلة
تصحيح الألوان وبعد ذلك يدخل مرحلة تحويله إلى نسخة سينمائية مناسبة للحفاظ
عليها على المدى البعيد.
وأشار مركز الترميم السينمائي المصري إلى أن ترميم الأفلام
يمر بمراحل مختلفة، أبرزها مرحلة الترميم اليدوي ويتم فيها فحص الفيلم
والوقوف على حالته الفنية، وتصحيح الـ”فريمات” غير المنضبطة، ثم مرحلة
الصوت، حيث أن هناك تقنية تتيح تحويل الصوت إلى جودة جيدة للغاية، والعمل
على الأجهزة من خلال برامج حديثة تعالج مشكلات في الصورة وتزيل النقاط
السوداء المنتشرة على الشاشة.
وجاء اهتمام مهرجان القاهرة السينمائي بترميم الأفلام
القديمة بعد أن وجد دوائر ثقافية وفنية تعاني من مأزق لأن الأفلام
التاريخية يجري ترميمها في مهرجانات عربية ودولية في حين أن ذلك يغيب بشكل
كامل عن مهرجان القاهرة، وسبق أن أثار مهرجان الجونة الأمر في إحدى دوراته
قبل توقفه.
ومن المقرر أن ينتهي مهرجان البحر الأحمر السينمائي في
دورته الجديدة التي تنطلق مطلع ديسمبر المقبل من ترميم سبعة أعمال بعد مرور
خمسين عاما على إنتاجها من بينها فيلمان مصريان، هما: “خلي بالك من زوزو”،
و”غرام في الكرنك” وذلك ضمن برنامج “كنوز البحر الأحمر”.
صفاء الليثي: مشروعات
الترميم تحتاج تمويلا حكوميا لتنفيذها
قال الناقد الفني رامي المتولي إن عملية ترميم الأفلام
تواجه صعوبات بالغة على رأسها عدم وجود نسخ قديمة وأصلية للكثير من الأفلام
المهمة، كما أن بعض الشرائط تعرضت للتحلل وهناك محاولات عدة لتحويلها إلى
نسخ ديجيتال، وكان من المفترض أن يبدأ الاهتمام بها منذ سنوات طويلة.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن النسخ المرممة تحافظ على
التراث السينمائي وتعد نواة مهمة لإمكانية أرشفة كافة الأعمال التاريخية،
وأن الحكومة لديها رغبة في ترميم كافة الأفلام بما فيها تلك التي قامت جهات
مصرية ببيعها إلى فضائيات عربية، والتعويل على أن يكون هدف البيع تجاريا
فقط بما يسمح لوزارة الثقافة بترميمها.
وأكد أن التراث السينمائي المصري أكبر كثيرا من الأفلام
التي تم بيعها من قبل وهناك الآلاف من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة
والتسجيلية في جعبة المركز القومي للسينما الذي يشكل امتدادا طبيعيا
للمؤسسات الإنتاجية الحكومية التي قدمت تلك الأفلام، وأن هدف الحكومة من
الترميم ليس تجاريا، لأنها تريد الحفاظ على التراث.
وسبقت شركات إنتاج وجهات سينمائية خاصة الحكومة في عملية
الترميم، وأبرزها قيام المنتجة ماريان خوري ابنة شقيقة المخرج الراحل يوسف
شاهين ومدير شركة أفلام مصر العالمية بإعادة ترميم 20 فيلمًا من أفلام
شاهين وعرضها بسينما “زاوية” بالقاهرة عام 2018، ولاقت إقبالا جماهيريا،
واستغرق ترميمها نحو عشرة أعوام.
وتشكو جهات مصرية بذلت جهودا لإعادة ترميم الأفلام القديمة،
من بينها مؤسسة “أندي كولكت” لترميم الأعمال الفنية الخاصة، من تغير
الألوان الحقيقية للفيلم والذي يحدث بسبب سوء التخزين، ويكون سببا رئيسا في
تغيير رؤية المخرج الأصلية في وقت إنتاجه، إذ يتغير شكل الأبطال وألوان
الديكور، وألوان بشرة الممثلين، وهذا كله لا يصب في صالح الفيلم ويُحدث
تغييرا جذريا في السياق الدرامي.
وتواجه تلك الجهات أزمات تتعلق بالحصول على النسخ الأصلية
للأفلام أو ما يُسمى بـ”النيجاتيف”، خاصة أن معظمها جرى تخزينه بصورة
خاطئة، وبطريقة لا تراعي أصول حفظ هذه المواد الخام إلى درجة قيام جهات
سينمائية بوضعها في ثلاجات المنازل للحفاظ على جودتها لأطول فترة ممكنة.
ترميم الأفلام مهمة ليست سهلة
وأشارت الناقدة الفنية صفاء الليثي إلى أن اتجاه وزارة
الثقافة نحو رعاية عملية الترميم خطوة إيجابية بعد أن تركز اهتمام
المهرجانات المصرية سابقا على ترميم الأفلام التسجيلية فقط دون الروائية،
والمهم أن يتم ذلك وفقًا لخطة مدروسة وليست عشوائية ودون انتظار لاستقطاع
ميزانيات من المهرجانات الفنية الفقيرة في ترميم الأعمال.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن البقية من الأفلام المصرية
التي لم تبع إلى الخارج آلت إلى المركز القومي للسينما وهناك مشروعات
لإعادة الترميم يتبناها العديد من المخرجين في حاجة إلى تمويل حكومي
لتنفيذها، وأن وزارة الثقافة بإمكانها التسويق لتلك الأعمال عبر عرضها في
مهرجانات مختلفة وأن تبني خطتها بما يتلاءم مع خريطة الأفلام المعروضة فيها.
وشددت على أهمية تقديم الدعم لمنتجي القطاع الخاص لإعادة
ترميم أعمالهم القديمة، مع ضرورة وجود اتفاقات تضمن استفادة الطرفين من
عملية الترميم بحيث يحق للحكومة الحصول على النسخ المرممة مقابل الحفاظ على
تراث تلك الشركات، باعتبار أنها أعمال تمثل التاريخ السينمائي المصري في
نهاية الأمر.
وقد تكون وزارة الثقافة المصرية أكثر حرصًا على دعم ترميم
الأفلام القديمة للتعامل مع سيل الانتقادات الموجهة إلى جهات حكومية أهملت
الإنتاج السينمائي خلال السنوات الأخيرة، ما تسبب في تردي الأعمال المقدمة
وعدم قدرة غالبيتها على تحقيق جذب جماهيري في دور العرض السينمائي أو
المنافسة في المهرجانات الدولية، وربما يكون إنجاز عملية الترميم بديلا
مناسبًا للتخفيف من حدة الانتقادات.
صحافي مصري |