ماجي مرجان.. وثقافة احترام الفيلم القصير بمهرجان القاهرة
د. أمل الجمل
شخصياً، أعتبر فيلمها «عشم» واحداً من أجمل وأهم مائة فيلم
في تاريخ السينما المصرية، ليس فقط لجرأتها في التمرد على السرد المعتاد،
حيث تغيب الحبكة التقليدية ذات البداية والوسط والنهاية، وأنها تتخلى عن
منظومة النجوم، فمَنْ يقومون ببطولة فيلمها - من الرجال والنساء - أغلبهم
شباب، ومعظمهم يخوض تجربته الأولى في الوقوف أمام الكاميرا، ولكن أيضاً لأن
فيلمها يلمس القلب، تتفاعل مع أبطاله وشخصياته، تصدقهم. إنهم أناس بسطاء،
مسالمون، لكن أقوياء الإرادة. بشر عاديون من مستويات اقتصادية واجتماعية
مختلفة.
مَن يشاهد فيلمها الثاني - وثائقي بعنوان «مِنْ وإلى مير»
سيجد به نقاط تماس قوية مع مضمون الفيلم الأول رغم اختلافهما تماماً،
وسيُدرك أن ماجي مرجان منذ فيلمها الأول هى مخرجة مهمومة بمشروع معين، تحب
السينما، تحب أن تحكي عن ناس تُحبهم، وتُفكر في ذات الوقت أن حكاية هؤلاء
الناس قد تجد صدى عند آخرين من الجمهور. والأمر المدهش في الأمر أنك ستُحب
شخصيات فيلمها رغم كل شيء.
ماجي مرجان موهبة سينمائية حقيقية، تبحث عن طُرق مغايرة في
السرد لتحكي قصص أبطالها، أحيانا تحكي عنهم بلسانها هى، وكأنها تحكي بلسان
حالهم، فتنقل إلينا صوتهم بصدق وشفافية عالية، كما فعلت مع حكاية قرية مير
التي جاءت منها جدتها. هذا فقط يحدث لأنها تقع في غرام شخصياتها مهما كانوا
بسطاء. ذهبت ماجي هناك تحت تأثير النوستالجيا، بحثاً عن الجذور، لكنها
صُدمت بالواقع المختلف، تجاوزت الصدمة سريعاً عندما فتح لها الناس هناك
بيوتهم وقلوبهم فقررت أن تحكي عنهم.
تنتمي أفلام ماجي للسينما المستقلة، تُنتج أفلامها
بميزانيات محدودة جداً، أحيانا من دون ميزانيات أصلاً، فمثلاً فيلمها
الثاني الذي جاء وثائقياً ظلت تعمل عليه منذ العام ٢٠٠٨ وذلك على مدار اثنى
عشر عاماً، كانت كلما جمعت مبلغاً من المال واصلت التصوير والعمل عليه.
أثناء تلك السنوات أخرجت فيلمها الروائي الطويل الأول «عشم»، ثم كتبت
سيناريو فيلمها الروائى الطويل الثاني «أنا وليلى» والذي حصد جائزة السرد
من ملتقى القاهرة السينمائى.
ما سبق لا ينفصل أبداً عن أسلوب تفكير ماجي مرجان حين تحملت
مسؤولية مسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان القاهرة السينمائى في دورته
الرابعة والأربعين. التقيتها أثناء الفعاليات لأُحييها على البرمجة شديدة
التميز لقسم الأفلام القصيرة. وكنت أرغب في معرفة كيف أدارت الأمر خصوصاً
أنها صانعة أفلام لها بصمتها الخاصة.. سألتها عن تجربتها في العمل مع
المهرجان فقالت:
ماجي: بدأت أعمل مع مهرجان القاهرة منذ 2010، كنت مسؤولة عن
«ملتقى القاهرة السينمائي»، لكن قبل ثلاثة أعوام توقفت لأني كنت أريد أن
أتقدم بفيلم لي ضمن «ملتقى القاهرة السينمائي» لذلك توقفت عن العمل به، ثم
عدت في العامين الأخيرين للعمل في البرمجة مع أندرو محسن. كنت أقوم ببرمجة
أفلام شرق أوروبا.
·
اشتكى الجمهور العام الماضي أثناء الدورة 43 لمهرجان
القاهرة من أن الأفلام القصيرة كان مستواها ضعيفا؟
ماجي: كان المسؤول عن البرمجة مروان عمارة. شخصياً أشعر
أنني تعلمت كثيرا من خبرة مروان. هو إنسان جريء جدا، أحترمه جدا، وقتها هو
قرر أن يختار كل الأفلام عرض عالمي أول. وطبعا نحن كمهرجان عمره 44 سنة
المفروض أننا نبني خبرتنا على خبرات الذين سبقونا، الأفلام موجودة كل سنة
لكن المؤكد أن يكون هناك خبرة تراكمية.
·
ماذا كانت معايير الاختيار في هذه الدورة؟
ماجي: كان عندي رغبة في اختيار أفلام تجذب الجمهور، وتجعلهم
يقعون في حب السينما، المشكلة أن كثيراً من المخرجين يعتبرون الفيلم القصير
كأنه «كارت» لتقديم أنفسهم حتى يقوموا بإخراج فيلم روائي طويل بعد ذلك،
بينما في العالم هناك مخرجون لهم أفلام طويلة لكنهم في لحظة ما يقررون
صناعة فيلم قصير، لأن الفكرة تحتمل أن تكون بعمل قصير. أنا أحب مشاهدة
الأفلام القصيرة كأن الإنسان يقرأ الشعر في مقابل الرواية وهنا الفيلم
القصير في مقابل الفيلم الروائي الطويل.. الفنان يُمكنه أن يكتب الشعر وأن
يكتب الرواية، كذلك أحب أن الجمهور يستمتع ويشاهد أشياء يستفيد منها
وتعجبه. بالطبع هناك تحدٍ أننا في عصر الإنترنت فالأفلام القصيرة ستكون
متاحة ومُشاهدة بنسبة كبيرة، لكن على الشاشة الكبيرة المشاهدة مختلفة
وممتعة أكثر.
·
لو فكرنا في معادل لجملتك «أنك تريدين للجمهور أن يستمتع
بأفلام ويُشاهد أشياء يستفيد منها،» فهل تحدثينا عن مقياس الاختيار؟
ماجي: كنت أعتمد على عدة أشياء، ولم أكن أختار لوحدي. كنا
فريق كبير، وأيضا بعد أن انتهينا من الاختيار كانت هناك نظرة أخرى من أمير
رمسيس وأندرو محسن. في الاختيارات الأولى كنت أحاول البحث عن موضوعات تلمس
مشاعر الناس، وتكون قريبة من همومهم، أو من بعض أفكارهم. أنا أيضا أقوم
بالتدريس في الجامعة الأمريكية وعلى تماس مع الطلبة وأشاهد الأشياء التي
تجذبهم وتهمهم أكثر، وتشغل تفكيرهم، وفي اعتقادي أن جمهور الأفلام القصيرة
هم أكثر من الشباب. أغلبهم. مثلاً كنت أدير ندوة فيلم «أشياء لم تُقل»
ولاحظت وجود فرق كبير وتفاوت عمري. في الفيلم الروائي الطويل الناس أعمارها
كبيرة أما في الأفلام القصيرة فكان الأغلب من الشباب.
·
ما حدث هذا العام من نجاح يُؤكد أن رهانك كان صائباً لأن
الحفلات جميعها كانت "سولد أوت".
ماجي: أعتقد أنه من الأسهل أن تكون الأفلام القصيرة تذاكرها
سولد أوت، الطريقة التي صممنا بها البرنامج أسهمت في ذلك؛ لأننا وضعنا في
كل مجموعة فيلم مصري وفيلم عربي. فكل فيلم مصري اشتغل عليه نحو 10 أو خمسة
عشرة من الشباب، فلو كل واحد منهم أحضر مجموعة من أصدقائه هذا في حد ذاته
جمهور، بالإضافة إلى ذلك هناك بالفعل ناس تهتم بالفيلم القصير. هناك ناس
حضروا العروض جميعها، كنت أشاهد وجوهاً تتكرر كل يوم، وتطرح أسئلة كل يوم.
أعتقد أن هناك مجموعة كبيرة منهم من الشباب الذين يفكرون ويرغبون في صناعة
أفلام قصيرة، وكانوا يُريدون أن يروا على أرض الواقع ماذا يحدث، وكيف تتم
مناقشة الأفلام، كيف تتم معالجتها، وكيف يستقبلها الجمهور.
الحقيقة أنه إذا كانت القاعات في سينما الهناجر صغيرة ويمكن
شغل جميع المقاعد بسهولة، فالأمر مختلف في قاعة إيوارت بالجامعة الأمريكية
لأنها كبيرة وبها نحو 960 كرسياً، وهذا عدد ضخم، والملاحظ أن جميع المقاعد
كان يشغلها الجمهور وهذا أمر لا يصدق.
ماجي: صحيح.. لقد انتبهت لذلك في اليوم الثاني لذلك قبل
بداية العرض استأذنت الجمهور وطلبت منهم أن ألتقط صورة للقاعة.
·
ما تفسيرك أن مستوى الأفلام المصرية في هذه الدورة كان
مرتفعا؟
ماجي: كل عام نسمع في مسابقة الأفلام الطويلة والأفلام
القصيرة أن هناك صعوبة في الحصول على فيلم مصري، لكن الحقيقة أن هذا العام
كان هناك عدد كبير من الأفلام خصوصا في القصير، ولولا الخوف من أن يتم
لومنا على ذلك كنا اخترنا عدد أكبر، لأنه كان هناك أفلام مصرية عديدة جيدة.
·
الحقيقة أنا مندهشة. فقد كنت عضواً بلجنة اختيار الأفلام
بمهرجان الإسماعيلية الدورة الأخيرة، ولاحظت أن الأفلام المصرية القصيرة
المتقدمة للمشاركة كان مستواها غير جيد، فيها تعجل وتميل للمعالجة
التليفزيونية أكثر منها إلى السينما.. لكن المدهش أن بمهرجان القاهرة شاهدت
أفلاماً مصرية قصيرة جيدة جدا، بل مستواها مُدهش، وأنت تؤكدين على أنه كان
هناك المزيد.. فهذا أمر غريب؟
ماجي: لابد أن نضع في الاعتبار أن صانع الفيلم القصير ليس
لديه ميزانية، فهو أمام مُضلع ثلاثي.. الفن الفلوس ثم الوقت.. لابد أن
يمتلك اثنين على الأقل من الثلاثة.. فمثلا فيلم «ماما» أو فيلم «صاحبتي» أو
فيلم «إنترفيو» كل مخرج اشتغل على عمله تقريبا سنة ونصفاً، وهذا وقت طويل
على فيلم قصير، لكنهم اضطروا لذلك لعدم وجود ميزانية كبيرة فمثلا ساندرو
منتج فيلم كوثر يونس أكد على أنهم تقريبا اشتغلوا بالجهود الذاتية لعدم
وجود ميزانية، عملوا بروفات على مدار حوالي ست شهور.. هكذا يكون الوضع إذا
لم يكن لديك فلوس، فلابد أن يكون لديك متسع من الوقت لأنه سيكون من الصعب
أن «تُكروِت»، أو تقدم عملا سريعا في وقت قصير وأنت لا تملك أموالاً. هذا
لن ينفع.
·
ما هو طموحك لمتابعة الأفلام القصيرة في الأعوام القادمة؟
هل هناك شيء يمكن إضافته لهذا البرنامج بخلاف إن الأفلام يتم اختيارها وفقا
لما يتم إنتاجه في ذلك العام، بمعنى آخر؛ هل سيعتمد البرنامج فقط على وجود
أفلام جيدة أم هناك طموح أكبر من ذلك؟
ماجي: سؤال مهم جدا. كنت أفكر كيف يمكن التطوير؟ أعتقد أن
هذه المسابقة يُمكن أن يتم تكبيرها ويتم تقسيمها إلى عدة أقسام؛ قسم
للأنيميشن، قسم للتجريبي، وآخر للوثائقي.. ربما يكون هناك تقسيمات أخرى إذا
كان لدينا وقت أطول ومساحة أكبر في دور العرض.. هذا العام كان لدينا أربع
برامج فقط فإذا تم تطويرها وأصبحت ستة أو سبعة سيختلف الوضع، وهذا يتيح
فرصة إمكانية وجود مسابقة لأفلام الطلبة. هذا مهم.
·
مهرجان الإسماعيلية به قسم لأفلام الطلبة، فمن باب أولى أن
تكون هناك فرصة لهم في القاهرة؟
ماجي: كما أن الأمر لم يعد يقتصر على طلبة معهد السينما،
فهناك طلاب الجامعة الأمريكية، والجامعة البريطانية، والجامعة الكندية،
وعلي بدرخان.. الآن أفلام الطلبة كثيرة وهي لا تدخل في التنافس، فلابد من
التفكير في عمل قسم لهم، حتى يُتيح لهم فرصة في النقاش، فرصة في معرفة ماذا
يدور في المهرجان، متابعة مشهد رد فعل الناس، أن يجلس الطالب في الصالة
ويتأمل ردود فعل الناس؛ هل ضحكت؟ أو لم تضحك ولماذا؟ هذا التأمل مفيد.
·
لاحظت أثناء حضور عروض الأُفلام القصيرة وجود ثقافة احترام
الفيلم القصير.. ما هو تفسيرك؟
أنا لاحظت ذلك، وقلت أثناء تقديم أحد العروض: الناس
الموجودة هنا في هذه الصالة هى ناس تحب السينما بشكل حقيقي، وليست مجرد
جمهور عادي، ليست قادمة من أجل السجادة الصفراء أو الحمراء. حضرتك حضرتِ،
لكن، لابد من القول أن النقاد الذين حضروا قليلون جدا. كذلك، أغلب الحضور
كانت ناس تحب السينما ويريدون أن يُشاهدوا، ويتعلموا، من هنا أظهرت هذا
الاحترام لهذا النوع الفيلمي. كنت دائما أقول قبل بداية كل عرض: «من فضلكم
نطفي التليفون» لكن الحقيقة أن الناس كانت تلتزم من نفسها.. أيضاً كان هناك
فيلمان عن ذوي القدرات الخاصة كشفا عن اهتمام الناس التي تشاهد الأفلام.
كان المتلقى يسأل عن الموضوع وليس فقط عن الجماليات الفنية، كذلك، مثلا
فيلم «إنترفيو» الذي كان يتحدث عن الإكتئاب ومحاولة الانتحار، والفيلم
الأمريكي «روزماري» أيضا كان الرجل أباً لطفلة ويفكر في الانتحار. مع
الفيلمين كان الجمهور يُبدي اهتماماً بهذه القضية، وتفاعل بشكل إنساني مع
الموضوع وليس فقط مع المعالجة الفنية، وهذا يدل على أن موضوع الاكتئاب
مثلاً يلمس هموم ناس كثيرة، وقضية تشغل تفكير عدد كبير من الجمهور. كذلك
فيلم كوثر يونس بعد العرض وقف ثلاثة شباب من بين الجمهور وقالوا نحن فعلنا
ذلك في مرحلة من حياتنا. هذا ما كنت أفكر أثناء اختيار الأفلام أن تُعبر عن
حياة الناس، وعن قضايا تشغلهم، وعن تجارب تتلامس مع خبراتهم. |