لارا سابا لـ «الشرق الأوسط»: «عَ مفرق طريق» هدفه مصالحة
اللبنانيين مع وطنهم
بيروت: فيفيان حداد
ليس غريباً على مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» أن يختار
فيلم «عَ مفرق طريق» للمخرجة لارا سابا، ليشارك ضمن فئة «روائع عربية». فهو
يمثل رائعة سينمائية لبنانية تفي بجميع الشروط والعناصر الفنية الناجحة
المطلوبة في شريط من هذا النوع.
وكان «الأحمر السينمائي» قد أدرج «ع مفرق طريق» في نوفمبر
(تشرين الثاني) في دورته الثانية التي تُنظّم في مدينة جدة السعودية من 1
ديسمبر (كانون الأول) المقبل وحتى العاشر منه. ويعرض الفيلم يومي 3 و4
ديسمبر، ضمن فعاليات المهرجان، فيما تستقبله الصالات اللبنانية ابتداءً من
15 منه.
ويتناول الفيلم الذي أنتجته «واكاندا فيلمز» و«آي أر تي»،
وتتولى توزيعه شركة «سيدرز برودكشن»، قصة ممثل لبناني مشهور هادي نجم (شادي
حداد) يتنافس مع ممثل إيطالي على تولّي دور البابا عندما كان شاباً في فيلم
عالمي. واستعداداً للقاء الحبر الأعظم الذي سيختار أحدهما لتجسيد شخصيته،
يتوجه إلى منطقة وادي قنوبين الشمالية، للابتعاد عن ضوضاء الحياة، فتقوده
المصادفة إلى قضاء عزلته في دير للراهبات، فيلتقي هناك بفتاة (ربى زعرور)
لتبدأ سلسلة مغامرات طريفة تعيده إلى بساطة الحياة وجوهرها، وتضعه أمام
خيارات تغيّر مجرى حياته.
مشاعر الفرح غمرت مخرجة العمل لارا سابا، إثر الإعلان عن
مشاركة فيلمها في المهرجان. فهي كما تقول عنه إنه لا يعد من الأفلام
السينمائية الخاصة بالمهرجانات، كونه روائياً طويلاً من النوع الكوميدي.
وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «نادراً ما تشارك أفلام كوميدية في المهرجانات
السينمائية؛ إذ إن القيّمين عليها يفضلون العميق منها. هذا لا يعني أن (ع
مفرق طريق) لا يحمل عمقاً، ولكن الحس الكوميدي الخفيف يغلب على أحداثه».
وترى سابا التي سبق أن أخرجت فيلم «قصة ثواني» أن الفيلم
يبتعد عن الاستهلاكية، ويميل أكثر نحو الإنسانية. فهو يعزي الأشخاص
الهاربين من الليبيرالية بحثاً عما يحاكي مبادئهم الإنسانية. وتضيف: «إن
بطلة الفيلم، التي تجسد دورها ربى زعرور، تهرب طالبةً السكينة والهدوء.
لتعيد حساباتها بعدما غادرت عملها موظفة في باريس. فهي كغيرها من الناس
اشتاقت إلى الاتصال مع الطبيعة، بعيداً عن الأقنعة التي ترتديها الغالبية
من الناس».
صُوّر الفيلم عام 2020 إثر انفجار بيروت بعدما كان مقرراً
عام 2019. إلا أن انطلاق الاحتجاجات في لبنان حالت دون ذلك، فأخّرت هذه
العملية عاماً كاملاً.
اختارت مخرجة الفيلم منطقتي وادي قنوبين والأرز في شمال
لبنان مواقعَ للتصوير، إضافة إلى مشاهد قليلة نفذتها في بيروت. مع انتشار
الجائحة في تلك الفترة أصيب بعض الممثلين بفيروس «كورونا»، إلا أن الفريق
العامل في الفيلم كان متناغماً، ولاقى في المناطق التي سكنها لنحو شهر كامل
متنفساً له. وعلى الرغم من حمل الفيلم رموزاً دينية، وتدور أحداثه في دير
للراهبات فإن سابا وجدت بذلك عنصراً فنياً آخر يضاف إلى جماليته.
وتعلق في سياق حديثها: «نعيش العولمة اليوم، ونلحظ هذا
الانفتاح الكبير بين الشرق والغرب. في النهاية جميع الأديان تصب في نفس
المنحى الإيجابي لنصبح جميعاً يشبه بعضنا بعضاً. وشهدنا أخيراً استقبال بعض
دول الخليج كدبي والبحرين للحبر الأعظم بابا روما. وكل ذلك يشير إلى أهمية
هذا التواصل بين الشعوب. فالمطلوب انفتاح الثقافات على بعضها كي نتطور
ونتفاهم ونتحاور. كما أن الفقر والعوز والتخلف تولد التعصب، فيما نرى اليوم
مشهدية مغايرة تماماً تسود البلدان الغربية كما الشرقية. وإن أقفلنا
الأبواب بوجه بعضنا فهذا سيؤثر علينا سلباً من دون شك، ويؤدي بنا إلى
القوقعة».
تجد سابا أن فيلم «عَ مفرق طريق»، وهو عملها الثاني في عالم
السينما، صممته ونفذته ليكون فسحة تلاقٍ بين اللبنانيين وبلادهم. وتتابع:
«قد يحث مشاهده على العودة إلى الجذور وبالتحديد إلى قريته أو إلى أي مكان
من جبال لبنان الخلابة. إنه بمثابة مصالحة صغيرة حاولت أن أجريها بين
اللبنانيين ولبنانهم؛ كي أذكرهم بهويته الحقيقية الحلوة التي نسوها في ظل
الأزمات المتراكمة».
كاميرا سابا تأخذ المشاهد إلى طبيعة لبنان الرائعة، وتحط
على أرضه العابقة بعطر التراب. وبين جباله وهضابه وغاباته الغنّاء، يسرح
النظر بحيث يشعر متابعه بعدم الرغبة في العودة إلى ضوضاء المدينة. ونتعرف
أيضاً إلى بساطة الحياة القروية وناسها ومدى حبهم لاستضافة الآخر بحفاوة،
فيطبقون المثل الشائع: «جود بالموجود»؛ للدلالة على المحبة التي يكنّونها
للغرباء على اختلاف مشاربهم.
وحسب المخرجة سابا، فإن قوة لبنان وقدرته على الانتصار،
يكمنان في طينة شعبه المحب والمتحد على الرغم من مشاهد مناقضة تحاول
السياسة إبرازها. وهي رغبت في ترجمة ما قاله أحدهم عن اللبنانيين: «إننا
نعرف كيف يموتون، ولكننا نجهل كيف يعيشون». وتقول: «كنت متحمسة لإبراز هذه
الناحية الإيجابية عند اللبناني، التي لا نصادفها كثيراً عند غيره من
الشعوب».
تشارك في الفيلم مجموعة من نجوم الشاشة، الذين عكسوا في
أدائهم هذا الانسجام الذي ساد أجواء التصوير بينهم. حتى إن بعضهم وافق ومن
دون تردد على المشاركة، ولو ضمن مساحة تمثيل صغيرة جداً، على الرغم من
نجوميتهم. وكما نقولا دانييل، ورفعت طربيه، وشربل زيادة، كذلك نستمتع بأداء
جوليا قصار، وبيتي توتل، وميرنا مكرزل، وسينتيا كرم.
«كان
المخرج الفرنسي فرنسوا تروفو يقول إن المزاج السائد بين الممثلين في فيلم
سينمائي، والنابع من مفهوم العائلة هو الأساس. فالسينما هي عمل مبني على
مشاركة عائلية». بهذه الكلمات تشرح مخرجة «ع مفرق طريق» الأجواء الإيجابية
التي دارت فيها كاميرا التصوير. وتتابع: «كانت الأجواء مفعمة بالحب والعطاء
إلى أقصى حد، وهو ما ميز فريق العمل حتى من وراء الكاميرا خارج التصوير».
وتوجه سابا الشكر الكبير للفريق بأكمله من تقنيين وممثلين،
وتوضح: «هذا الدير، حيث تدور أحداث الفيلم، هو متحف دير مار ليشع. وقد اضطر
المهندس الداخلي لديكورات الفيلم وليد صليبا، أن يغير جميع معالمه ليتناسب
مع القصة. كل مكان صورنا فيه أعدنا بناءه من جديد وعمرناه بأسلوبنا
وطريقتنا. كما التأليف الموسيقي لإيلي معلوف وزياد الأحمدية، أظهر كل هذا
التناغم الذي أتحدث عنه».
وهل لارا سابا متفائلة في حصد جائزة مهرجان «البحر الأحمر
السينمائي»؟ ترد: «لم أخطط يوماً للمستقبل. أعيش كل يوم بيومه وأسير خطوة
خطوة. وعندما أقوم بأحب الأعمال إلى قلبي، ألا وهو التصوير لا أفكر إلا
باللحظة التي أعيشها. لم أفكر بتاتاً بما ينتظرني في المهرجان الذي أتوجه
للمشاركة فيه شخصياً قبل ليلة من عروض الفيلم في 3 و4 ديسمبر (كانون الأول)
الحالي. لم أفكر لا بالسجادة الحمراء ولا بالفوز بالجائزة. فالجائزة الكبرى
التي تهمني وتثير اهتمامي هي أن يحب الناس الفيلم ويتفاعلوا معه. وفي
المقابل، إذا ما حصد الفيلم الجائزة، فسأكون أكثر من سعيدة، ولكنني لا أعد
نفسي بشيء». |