مخرج "جنائن معلقة" لـ"الشرق":
رحلتي مع الفيلم أشبه بـ"المهمة الانتحارية"
جدة-
محمد عبد الجليل
كشف المخرج العراقي أحمد ياسين الدراجي، كواليس فيلمه
الروائي الطويل "جنائن معلقة"، الذي عُرض لأول مرة بالشرق الأوسط، في
الدورة الثانية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي، والمُنعقد حالياً حتى يوم
10 ديسمبر الجاري، وذلك بعد جولة سينمائية حول العالم.
وقال الدراجي، إنّ مُشاهدته لفيلم "القناص الأميركي" عام
2015، كان دافعاً قوياً له لتنفيذ مشروع "جنائن معلقة"، متابعاً "شعرت
بإهانة واستفزازٍ شديد، من طريقة تعامل الأميركي مع الحروب خاصة من ناحية
الشهوات الجنسية، وكذلك تقديم الجندي الأميركي وأنه محور الكون ويقتل
العراقيين في شوارعهم، بالطبع لم أستطع تقبل الفكرة وكانت مزعجة لي جداً".
وتابع "قررت أنّ أقدم قصة من واقع الشارع العراقي، وبصوت
العراقيين فقط، فلن أتقبل فكرة أنّ يأتي مواطن أجنبي من خارج حدود البلاد
ويروي قصصنا".
وتدور أحداث فيلم "جنائن معلقة" حول الشقيقان "طه" و"أسعد"
اللذان يعملان في جمع المعادن والبلاستيك من مكبّ نفايات في بغداد، يلفت
انتباههما مكبّ نفايات الجيش الأميركي الذي يعثر فيه "أسعد" على دمية جنسية
مهملة، ويقرر امتلاكها وإحضارها إلى المنزل، وحينما تختبر الدمية علاقة
الأخوين، يواجها بقلق ما يهدّد صلتهما الأخوية، ضمن تحدي الحب وصلة الدم،
الذي تنتصر فيه روح الدعابة والبراءة.
حكايات واقعية
وروى المخرج أحمد ياسين الدراجي، في لقاءٍ مع "الشرق"،
كواليس فكرة فيلم "جنائن معلقة"، موضحاً أنّه استعادها من واقعة حقيقية
لصديقه بالجامعة، نهاية عام 2006، قائلاً: "كنت أنتظر صديقي عند الجامعة،
وكانت هذه الفترة تشهد العديد من الصراعات والحروب الأهلية وغيرها، وفجأة
وجدته ممسكاً بشنطة سوداء كبيرة، وبداخلها دمية جنسية، ليُخبرني بأنه عثر
عليها داخل مكب نفايات الجيش الأميركي"، ليُقرر بعد كلّ هذه السنوات تقديم
هذه الفكرة في مشروعٍ سينمائي.ل
وأكد أنه لم يتخوف من تقديم هذه الفكرة في فيلمٍ سينمائي،
إذ يرى أنّ "الأجيال الجديدة بالعراق لديها رغبة في الانفتاح على العالم
كله وتبادل الثقافات، إذ هناك فرصة لتقبل مختلف الأشياء عكس الأجيال
القديمة، مثل والدي ووالدتي اللذان لم يتقبلا الفكرة حتى الآن ولديهما
حساسية كبيرة تجاهها، رغم أنها حكايات واقعية والشخصيات موجودة بالشارع
العراقي".
وتابع "أنّ شخص أرفض الصمت تجاه مختلف الأحداث، وأحرص على
الإدلاء برأيي، وأنا قلت وجهة نظري في هذا الفيلم، وأترك الأمور ليراها
الجمهور وفقاً لرؤياهم، لكن لديّ آمال كبيرة في الجمهور العراقي بأنّ ينال
العمل إعجابه"، لافتاً إلى أنّه تلقى ردود فعل إيجابية واسعة من الجمهور
العربي، خاصة الجمهور اللبناني، حيث "شعر البعض أنه يُلامس قضايا بلادهم
أيضاً، وهذا كان مفاجأة كبيرة بالنسبة لي، بأنّ الأمر لا يخص العراق فحسب".
صعوبات وتحديات
وقال إنّ فيلم "جناين معلقة" صُور كاملاً في العراق، وبطاقم
عمل محلي دون الاستعانة بأي كوادر أجنبية تماماً، "هذا شيء يدعو للفخر
والاعتزاز، كونه يمنح المشروع واقعية كبيرة، وذلك كان رغبتي منذ البداية،
بعدم الاستعانة بأي عنصر خارج العراق".
ولفت إلى أنّ أبرز الصعوبات التي واجهته، تكمن في دخول
الدمية الجنسية للعراق، واصفاً إياها بقوله: "مهمة صعبة للغاية وأشبه
بالمهمات الانتحارية، ونجحت في دخولها البلاد بشكلٍ مؤقت، بموافقة رسمية من
مكتب رئيس الوزراء".
وتابع أنه لم يواجه أي صعوباتٍ تُذكر على أرض الواقع، "فريق
العمل كان مرناً للغاية، وكذلك سكان المناطق التي تم تصوير الفيلم فيها،
استقبلونا بشكلٍ جيد"، لافتاً إلى أنه لم يستخدم إضاءة صناعية في الفيلم،
بينما اعتمد على الإضاءة الطبيعية، طوال رحلة تنفيذ المشروع التي استغرقت
نحو 5 شهور ما بين التحضير والتصوير.
واستطرد أنّ تصوير الفيلم، جاء بالتزامن مع تفشي فيروس
كورونا في البلاد، "كنت متخوفاً جداً من فكرة تعطل التصوير، وكنت أحتضن
المُمثلين والأطفال وأتعامل بعناية شديدة، فعلاقتي بهم ليست قائمة في إطار
وظيفي، بينما أشبه بالأبوة".
رحلة العثور على طفل
واستعرض تجربته في رحلة البحث عن طفل ليؤدي دور البطولة في
"جنائن معلقة"، قائلاً: "كانت مهمة صعبة ومرهقة جداً، وظللت لمدة 3 شهور
تقريباً وبشكلٍ يومي، أبحث عن طفل في شوارع بغداد يكون مناسباً للدور"،
لافتاً إلى رفض بعض الأهالي مُشاركة أطفالهم في الفيلم، بحجة أنه يُخالف
الأعراف الاجتماعية وليست العقائدية، "كان أمراً مثيراً بالنسبة لي،
واكتشفت أنّ العرف هناك أكبر من أي شيء ويفرض شروطاً وحدوداً صارمة على
الناس".
وقال إنه وقع الاختيار على الطفل "حسين محمد"، بناءً على
اقتراح من صديق له، موضحاً أنّ "هذا الطفل كان يعيش في تركيا، ولم يسبق له
التمثيل من قبل، باستثاء المُشاركة في إعلانين فقط، وكنت متخوفاً من
اختياره كونه مترف وصاحب بشرة بيضاء، وقد لا يتناسب مع الشخصية".
وتابع "أصبت بحالة قلق شديدة قبيل انطلاق التصوير، وعقدت
معه جلسات تحضيرية مكثفة لمدة 3 أسابيع تقريباً، وكنت اصطحبه إلى مكب
النفايات في بغداد لمُعايشة الأجواء، إلا أنه كان يتحسس خطواته وسط القمامة
والمعادن، وقلت له وقتها: يجب عليك أن تظهر وكأنك واحداً من هذا العالم".
وأضاف أنه شعر بطمأنية تجاه الطفل وأنه سيؤدي الشخصية بشكلٍ
جيد، بعدما تلقى دعوة من قبل أحد الأهالي في منطقة مكب النفايات لتناول
الغذاء: "بعد تناولنا الطعام، لاحظت مدى تفاعل الطفل مع أبناء هذه الأسرة
واندماجه معهم في وقتٍ قصير".
كواليس الإنتاج
وقال مخرج "جنائن معلقة"، إنه بذل جهوداً خلال رحلته في
العثور على جهة إنتاجية تتحمس للمشروع، قائلاً: "وصلت إلى المنتجة هدى
الكاظمي التي تحمست للفيلم، ورهنت منزلها مقابل الاقتراض من البنك حتى
نتمكن من صناعة الفيلم، الأمر الذي كان يُحملني بمسؤولية ضخمة لإنجاز
المشروع بأفضل صورة"، متابعاً أنّ "هناك شركات إنتاجية أخرى شاركت في
الإنتاج، مثل محمد حفظي ومي عودة، فضلاً عن مهرجان البحر الأحمر الذي قدّم
دعماً للمشروع، كما أنني أشعر بالفخر كون الفيلم نُفذ بدعمٍ عربي ولم يحصل
على أي تمويل خارج المنطقة".
وأشار إلى مرحلة الكتابة التي بدأها نهاية عام 2016،
استغرقت منه وقتاً طويلاً، كونه ظل يبحث عن وسائل دعم للعمل، كما أنّ القصة
شاركت في أكثر من مؤسسة ومهرجان سينمائي، وجرى تطويرها.
وكشف عن خروج الفيلم من الدورة الماضية لمهرجان كان، في
اللحظات الأخيرة، لعدم الانتهاء من مراحل الصوت والمكساج، مُعرباً عن آماله
بأنّ يحظى الفيلم بخطة توزيع جيدة خلال الفترة المُقبلة ويصل لكل
الجماهيرية العربية، لاسيما الجمهور العراقي.
واختتم الحوار، بالكشف عن مشروعه السينمائي الجديد، حيث
يواصل حالياً كتابة فيلمٍ يحمل اسماً مبدئياً "بائع الحرير"، تدور أحداثه
عن عارض أزياء نسائية في بغداد، فيما يتمحور التساؤل الوحيد في الفيلم حول
كيف تثبت أنك رجل؟، موضحًا أنه لن ينتهِ من كتابة النسخة الأولى للعمل قبل
6 شهور. |