رئيس مهرجان الإسماعيلية لـ"العرب":
المهرجانات لا تتحمل فشل نشر الثقافة السينمائية في مصر
أحمد جمال
المنصات منفذ لتطوير الأفلام التسجيلية والتمويل أكبر مشكلة
تواجهها المهرجانات.
تعيش السينما في مصر حالة من الركود، حيث تراجعت قيمة
الأعمال المنتجة بالإضافة إلى إقبال الناس على مشاهدة الأفلام وتراجع عدد
القاعات، ما أثر سلبا على مستوى المهرجانات التي تشكو بدورها من قلة
التمويل الرسمي ولا تبدو بمعزل عن الأزمة الاقتصادية التي يعانيها البلد.
هذا ما يؤكده رئيس مهرجان الإسماعيلية للأفلام الذي يرى في المنصات منفذا
لتطوير الأفلام التسجيلية.
القاهرة
- أكد
رئيس مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة عصام زكريا أن تحميل
المهرجانات الفنية في مصر مسؤولية فشل نشر الثقافة السينمائية أمر غير
منطقي، وأن الفعاليات الفنية هي جزء من مجموعة عوامل أخرى تساعد على انتشار
الثقافة في مقدمتها التربية في المنزل والمؤسسات التعليمية إلى جانب
المؤسسات الحكومية المختلفة التي لها دور بارز في دعم الفن والثقافة.
وقال في حواره مع "العرب" إن "اهتمام المواطنين بالسينما لا
بد أن يأتي في سياق انجذابهم إلى الثقافة والمعرفة بوجه عام، كما يصعب
تحقيق أهداف المهرجانات في بيئة لا يتوافر فيها الحد الأدنى من مقومات
التشجيع على السينما، وتتمثل في دور العرض التي لا وجود لها في الكثير من
المحافظات المصرية، وأن محافظة مثل الإسماعيلية (شرق القاهرة) يقام بها
مهرجان الأفلام التسجيلية لا يوجد فيها سوى قاعة عرض وحيدة يمكن استغلالها
لعرض أفلام المهرجان".
ستنطلق أعمال الدورة الرابعة والعشرين من مهرجان
الإسماعيلية للأفلام القصيرة والتسجيلية خلال الفترة من 14 إلى 21 مارس
الجاري، وسط مشكلات عديدة تحيط به، بدءا من تراجع قيمة الدعم الذي يحصل
عليه وانخفاض قيمة الجنيه وصعوبة استقطاب ضيوفه من الخارج مع ارتفاع تذاكر
الطيران، ونهاية بسياسات التقشف التي تتبعها الحكومة المصرية وطالت دعم
المهرجانات الفنية.
أوضح زكريا أن المهرجانات والفعاليات الفنية "جزء من منظومة
نشر الثقافة السينمائية، لكنها لا تكفي لتحقيق أثرها الإيجابي، خاصة وأن
أعدادها ضئيلة للغاية، ولا تتجاوز عشرة مهرجانات على مدار العام، في حين أن
دولة مثل المغرب لديها حوالي 95 مهرجانا تحظى بدعم الجهات الرسمية، كذلك
الوضع بالنسبة إلى فرنسا التي لديها بضع مئات من المهرجانات على مدار العام".
وأشار عصام زكريا، وهو أيضا ناقد فني، إلى صعوبة الحديث عن
تطوير صناعة السينما في ظل عدم وجود دور عرض سينمائية كافية، وبالتالي فإن
قطاعات واسعة من المواطنين لم تعتد الذهاب إلى السينما، وأن أبناء المهنة
لهم دور مهم في إشعار الجهات الحكومية بأن هناك رغبة حقيقية في التطوير،
ومن هنا يمكن الحصول على حوافز واستثناءات تساعد على الارتقاء بالصناعة.
قلة دور العرض
عصام زكريا: اهتمام
المواطنين بالسينما لا بد أن يأتي في سياق انجذابهم إلى الثقافة والمعرفة
ولدى رئيس مهرجان الإسماعيلية قناعة بأن صناعة الأفلام
التسجيلية والقصيرة في مصر تطورت، لكنها مازالت تواجه تحديات تتمثل في عدم
وجود منافذ لتوزيعها وقلة قاعات العرض، علاوة على اهتمام بعض المنصات
الرقمية مثل "نتفليكس" و"شاهد" بعرضها بما يفتح منافذ مهمة لتطوير صناعتها
على نحو أكبر.
وأضاف زكريا في حديثه لـ"العرب" أن "المنصات سوف تساهم بشكل
كبير في تمويل الأفلام التسجيلية مع تخصيص مساحات لعرضها، ما يساعد على
تجاوز عقبة التمويل التي هي إحدى المشكلات التي تواجه صناع هذه الأفلام،
لكن ذلك بحاجة إلى تسهيل مهمة الحصول على تصاريح التصوير والموافقات
الأمنية اللازمة، إلى جانب زيادة توجيه الاستثمارات نحو إنشاء قنوات متخصصة
لبثها في المنطقة العربية".
يعرض مهرجان الإسماعيلية أكثر من 80 فيلمًا من 30 دولة،
بعضها يشارك لأول مرة، مثل النرويج وكازاخستان وماليزيا ونيجيريا والسودان،
ويضم أربع مسابقات رسمية، هي: الأفلام التسجيلية القصيرة والطويلة،
الروائية القصيرة، أفلام التحريك، فضلا عن مسابقة أفلام الطلبة التي جرى
استحداثها وتشارك فيها بعض الأفلام التي تشرف عليها جامعات ومدارس مصرية
حكومية وخاصة من محافظات مختلفة.
واستحدث المهرجان هذا العام برنامجا خاصا خارج المسابقة
للأفلام العابرة للنوع أو الهجينة، مصحوبة بورش ومحاضرات لصناع الأفلام
والنقاد ومحبي السينما للتعرف عليها وماهية الهدف منها والتمييز بينها وبين
الفيلم التسجيلي.
وأكد رئيس المهرجان لـ"العرب" أن "التجهيز لانطلاق مهرجان
للأفلام التسجيلية القصيرة قد يكون أكثر صعوبة من نظيرتها الأفلام الروائية
الطويلة، حيث يستغرق البحث والتنقيب عن الأفلام التي تستحق العرض فترات
أطول، لأن أفلام التحريك والرواية القصيرة لا تحظى بالشهرة التي تتسم بها
الأفلام الطويلة، بجانب أن عددها كبير للغاية ويحتاج إلى دراسة وافية وبحث
عن مهارات أكثر قدرة على انتقاء الأفلام الجيدة".
ورأى رئيس مهرجان الإسماعيلية أن الصعوبة التي يواجهها
تقديم الأفلام الروائية الطويلة تتمثل في التمويل اللازم للحصول على حقوق
عرض الأعمال الناجحة عالميًا، كما أن المنافسة بين المهرجانات باتت أكثر
صعوبة، لكن يمكن بسهولة الوصول إلى الأفلام الجيدة من خلال التعرف على ما
يتم عرضه في المهرجانات الكبرى حول العالم.
وتواجه المهرجانات الفنية في مصر انتقادات مستمرة بسبب عدم
استطاعتها مجاراة مهرجانات أخرى، وتراجع قدرتها على جذب الأفلام المهمة،
وندرة المصادر المالية اللازمة لاستقطاب نجوم الفن حول العالم، ما يجعلها
تركز بشكل أكبر على تفردها في الماضي ومحاولة توظيف الخبرات الفنية في
إقامتها نحو تحقيق معادلة صعبة تتعلق بإقامة فعاليات ذات جودة عبر ميزانية
مالية زهيدة.
دعم رسمي محدود
مشكلات التمويل أبرز ما يواجه المهرجانات المصرية
لفت زكريا إلى أن مشكلات التمويل أبرز ما يواجه المهرجانات
المصرية، وأنه حصل على دعم مادي من وزارة الثقافة هذا العام لإقامة مهرجان
الإسماعيلية بلغ فقط 4 ملايين جنيه (نحو 120 ألف دولار)، مشيرا إلى أن
المهرجان يعتمد في تمويله بشكل كامل على ما تقدمه وزارة الثقافة والموارد
البسيطة من جهات حكومية، مثل هيئة تنشيط السياحة التي تتبع وزارة السياحة،
وهيئة قناة السويس بحكم موقعها الجغرافي، حيث يقام المهرجان في محافظة
الإسماعيلية المعروفة بأنها إحدى مدن قناة السويس.
المهرجانات الفنية في مصر تواجه انتقادات بسبب تراجع قدرتها
على جذب الأفلام المهمة
وأضاف لـ"العرب" أن “المهرجانات المصرية تعتمد على الدعم
الذي تقدمه وزارة الثقافة، لكن بالنسبة إلى مهرجان الإسماعيلية الذي بدأ
أولى دوراته منذ ثلاثين عاما يحصل على دعم كامل من وزارة الثقافة، وهو
الوحيد الذي تموله الحكومة بشكل كامل، ويتبع إداريًا المركز القومي للسينما
التابع لوزارة الثقافة، بخلاف المهرجانات الأخرى بما فيها مهرجان القاهرة
السينمائي الدولي الذي يعتمد على مصادر مختلفة للتمويل بعيداً عن الحكومة".
وذكر أن "المأزق الذي يواجهه هذا العام يتعلق بأن ميزانية
المهرجان تم تخصيصها قبل عام ونصف العام من إقامته، مع اعتمادها بشكل رسمي
من وزارة المالية، والمبلغ المحدد للدورة الحالية انخفضت قيمته بشكل كبير
مع تراجع قيمة الجنيه المصري وأصبحنا أمام أزمة كيفية مواجهة الفجوة
التمويلية. والفترة الماضية كانت شاهدة على تجاوز العقبات لإقامة المهرجان
وفق الرؤية التي نضعها دون أن تتأثر فعالياته وقيمته الفنية".
وكان المهرجان عرضة لأن تعقد فعالياته في غياب صناع الأفلام
من مختلف الدول المشاركة، ما يترتب عليه غياب المحكمين الأجانب في
المسابقات نتيجة الاختلاف المستمر في أسعار تذاكر الطيران، إذ من المقرر أن
يستقبل المهرجان 50 ضيفًا أجنبيًا و350 مشاركا من داخل البلاد. غير أن
زكريا أشار في حواره مع "العرب" إلى أنه تم تجاوز هذه العقبات من خلال
زيادة موارد التمويل والتدخل العاجل من قبل وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني.
وتواجه صناعة الأفلام التسجيلية في مصر مشكلات عزوف شركات
الإنتاج عن دعمها لقلة عوائدها المالية، والأمر ذاته ينطبق على مهرجان
الإسماعيلية. ولفت رئيس المهرجان إلى أن شركات الإنتاج لا تهتم برعاية
السينما التسجيلية والقصيرة، مع أن ذلك قد يساعدها على اكتشاف أفكار جديدة
ومخرجين واعدين، وأن غياب عوامل الانتشار التي يحققها وجود كبار الفنانين
في مهرجانات الأفلام الطويلة يساهم في ابتعاد الرعاة والمعلنين.
وتعرض المهرجان لأزمة قبل أيام من انطلاقه مع اكتشاف اقتباس
الشعار الرسمي له من تصميم لأحد الفنانين الأتراك، دون إشارة إليه، ما أدى
إلى سحب البوستر الرسمي بعد ساعات قليلة من إطلاقه. وشدد عصام زكريا على
أنه جرى التعامل سريعًا وبحزم مع أزمة البوستر وتم سحبه وإعداد آخر غيره
سيتم الإعلان عنه قبيل انطلاق المهرجان.
صحافي مصري |