مهرجان كان يلتفت إلى الشرق لتبنّي إنتاج الأفلام الأصيلة
كليم أفتاب
الأفلام العربية والآسيوية تثبت حضورها الكبير في المهرجان.
تهتم الدورة السادسة والسبعون لمهرجان كان السينمائي الدولي
بمناطق جديدة، حيث ركز المهرجان اهتمامه على الشرق والأفلام القادمة منه
ذات الخصوصية والجمالية المختلفة، وخاصة تلك التي أخرجتها نساء، محاولا
تأكيد قدرة السينما على مواجهة التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية العالمية
إلى جانب التزامها بالتعبير عن العديد من القضايا الجاذبة للمجتمعات.
تتضمن قائمة مهرجان كان السينمائي لهذا العام أكبر عدد من
الأفلام العربية والأفريقية والآسيوية في تاريخ المهرجان، وليس ذلك فقط في
صورة رمزية، بل إن المدير الفني للمهرجان تييري فريمو وزملاءه المبرمجين قد
وجّهوا أنظارهم بوضوح إلى مناطق جديدة وهم يحاربون فكرة أن السينما تواجه
أزمة.
وفي المؤتمر الصحافي للإعلان عن الاختيار الرسمي للأفلام،
قال فريمو للجمهور “السينما العالمية تعيد اكتشاف نفسها (…) هناك العديد من
الأفلام من البلدان التي لم تعتد المشاركة في مهرجان كان السينمائي مثل
منغوليا، وهناك حضور قوي من شمال أفريقيا وشرقها وغربها، والعديد من منتجي
الأفلام الشباب هم من النساء”.
من الأهمية بمكان أن يكون لدى من يريد رواية القصص صوت فعلي
وألا يروي القصص الأوروبية أو الأميركية بالوكالة
ولإثبات كلامه، فإن المخرجين الوحيدين اللذين ظهرا في
تشكيلة المسابقة لأول مرة هما امرأتان من القارة الأفريقية، ويبدو الأمر
وكأنه لحظة مؤثرة في عالم السينما الدولية.
والمخرجة التونسية كوثر بن هنية هي الأكثر شهرة بين
السينمائيتين، حيث عرضت فيلمها المثير “الجميلة والكلاب” في مهرجان كان عام
2017، وآخر أعمالها فيلم الإثارة الفني “الرجل الذي باع ظهره”، والذي تم
عرضه في المنافسة في مهرجان البندقية السينمائي في عام 2020.
وسيكون فيلمها الجديد “بنات ألفة” الفيلم العربي الوحيد في
المنافسة، والذي يوثق قصة الحياة الواقعية لألفة، وهي أم تتعامل مع حادث
اختفاء ابنتيها الكبيرتين، وفي غيابهما، تمزج المخرجة بين الأفلام
الوثائقية والروائية لخلق تجربة سينمائية فريدة من نوعها لسرد قصة هؤلاء
النساء، وتم اختيار الأسطورة المصرية - التونسية هند صبري للعب الدور
الرئيسي.
وكان الإعلان المفاجئ الكبير هو إدراج المخرجة السنغالية
راماتا تولاي سي في المسابقة، وكان فيلمها “بانيل وأداما” هو الأول والوحيد
الذي تم عرضه في المسابقة، ويروي قصة من نوع الدراما العاطفية لروميو
وجولييت ولكن لديه اختلاف في أن “أداما” رفضت قبول معايير المجتمع الأبوي،
مما أثر بعمق في المجتمع عندما تقلد “بانيل” منصب زعيم القرية.
لكن لم يعكس هذان الفيلمان فقط التحول البطيء والثابت نحو
الشرق في السينما، حيث عاد إلى المنافسة فائزان سابقان بالسعفة الذهبية،
وهما الفيلم التركي “نوري بيلج سيلان” والياباني “هيروكازو كوري - إيدا”.
أضف إلى تلك التشكيلة المخرج الصيني وانغ بينغ وفيلمه
الوثائقي الجديد “جنس” (وهو أحد فيلمين تم عرضهما في المهرجان)، والمخرج
الفيتنامي - الفرنسي تران آنه هونغ، والذي كان أحدث أفلامه اقتباس من رواية
تاريخية فرنسية؛ وفيلم “فير براند” للمخرجة البرازيلية - الجزائرية كارين
عينوز من بطولة جود لو وأليسيا فيكاندر، فمن الواضح أن هذا أكثر من مجرد
جهد رمزي لتمثيل أنواع أخرى من السينما العالمية.
لم تعد الأفلام الآسيوية قاصرة على اليابانية والهندية
والصينية والكورية
وربما لا ينبغي أن يثير ذلك أي نوع من الاستغراب، حيث برزت
للسطح أفلام من آسيا والعالم العربي في العقد الماضي وبقوة، وكانت ذروة ذلك
البروز فيلم “الطفيلي” لبونغ جون هو، والذي لم يفز فقط بالسعفة الذهبية في
عام 2020، بل فاز بعد ذلك بجائزة الأوسكار، وهو أول فيلم بلغة أجنبية يحصد
ذلك الإنجاز، وكان الفوز بجائزة الأوسكار عن فيلم “الطفيلي” فضلا عن فوزه
في مهرجان كان مهما جدا، حيث مثل مؤشرا على أن الأفلام لم تعد بحاجة إلى أن
تكون باللغة الإنجليزية لتكون ذات أهمية ثقافية في المجتمعات الناطقة
باللغة الإنجليزية.
ومن المفارقات أن الفضل في ذلك النجاح الخاص بالعالم
السينمائي يعود إلى عدوه الواضح، وهي خدمات البث، حيث غيرت نتفليكس وأمازون
وآخرون اللعبة من خلال توفير المزيج من البرامج العالمية والمحلية، حيث
أدركوا أنه لجذب السكان الأثرياء في الشرق الأوسط وآسيا إلى منصتهم، فمن
المفيد بث المحتوى ذي الصلة بتك المجتمعات.
ومع الوصول إلى تلك المنتجات، أظهر الجمهور العالمي
استعداده للمجازفة بأفلام مثل ملحمة “آر آر آر” الناطقة باللغة التيلغو،
مما أوصلها إلى حفل توزيع جوائز الأوسكار، وهذا أمر مهم حقا لمهرجان كان
الذي كان يتطلع شرقا للحصول على صفقات رعاية مع شركات مثل تيك توك في
السنوات الأخيرة، وقد انتبه المبرمجون لذلك.
وهناك أيضا مسألة الجودة، حيث يحتاج المرء فقط إلى النظر
إلى الأقسام التي لا تعد ولا تحصى من مهرجان كان ليرى أن السينما العربية
لم تكن أبدا في وضع أفضل مما هي عليه الآن. ففي قسم “أن سرتن ريقار”
(Un Certain Regard)
يشارك فيلم “وداعا جوليا” وهو أول فيلم سوداني يتم اختياره في مهرجان كان،
كما يضم ذلك القسم فيلمين مغربيين هما الفيلم الوثائقي “أم الأكاذيب”
للمخرجة أسماء المدير، وفيلم “الصيد” للمخرج كمال الأزرق.
المخرجة التونسية كوثر بن هنية هي الأكثر شهرة بين
السينمائيتين الأفريقيتين المشاركتين في المهرجان
كما يشارك المغرب في فئة المخرجين من خلال فيلم “صحاري”
لفوزي بن سعيدي، كما يحضر الأردن من خلال الفيلم “إن شاء الله ولد” للمخرج
أمجد الرشيد.
ولم تعد الأفلام الآسيوية قاصرة على اليابانية والهندية
والصينية والكورية، على الرغم من أن هناك الكثير منها، لكن أحد أكثر
الأفلام المنتظرة في مهرجان كان هو فيلم حول موضوع بلوغ سن الرشد تحت عنوان
“لو كان بإمكاني ممارسة السبات الشتوي”، وهو أول فيلم من منغوليا يتم عرضه
في مهرجان كان.
ومع ذلك، فإن هذا التحول هو أكثر من مجرد السعي وراء
الرعاية والمال، بل هو مؤشر على تغيير ثقافي هائل حدث في أوروبا وأميركا
الشمالية أثناء وباء كوفيد – 19 بفضل حركات مثل “حياة السود مهمة” وهاشتاغ
“أنا أيضا”، ففي حين أنه سيكون من المبالغة القول إن أيا من هذين الحركتين
قد فعلتا أي شيء أكثر من زيادة تمثيل النساء وأصحاب البشرة السوداء في عالم
السينما، إلا أن النقاش حولهما ساهم في خلق حوار أكثر شمولا حول من يمكنه
سرد القصص.
ومن الأهمية بمكان أن يكون لدى من يريد رواية القصص صوت
فعلي وألا يروي القصص الأوروبية أو الأميركية بالوكالة، وكما تظهر خدمات
البث، سيبحث الجمهور عن الأفلام التي تتحدث إليهم مباشرة بصوت يمكن التعرف
عليه. وقد تعلم مهرجان كان الدرس، فلكي تكون ذات صلة اليوم بسوق الترفيه
العالمي، يجب البحث عن الأفلام من خارج الحدود التقليدية وتبنيها، وعليه
استفادت أفريقيا وآسيا والعالم العربي من ذلك التحول.
ناقد سينمائي بريطاني |