ملفات خاصة

 
 
 

«فينيسيا السينمائي 82»

سيُسجل كواحد من أسوأ جوائز مهرجانات الأفلام على الإطلاق

«سينماتوغراف» ـ أسـامة عسـل

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

مع حلول مساء يوم السبت 6 سبتمبر 2025، اعتُبر فيلم "صوت هند رجب" للمخرجة كوثر بن هنية، الذي تدور أحداثه في غزة، هو المرشح الأوفر حظًا للفوز بجائزة الأسد الذهبي، لكنه فاز في النهاية بجائزة لجنة التحكيم الكبرى "الأسد الفضي"، (وترددت شائعات عن انقسام حاد في لجنة التحكيم التي ترأسها ألكسندر باين، وضمت في عضويتها فرناندا توريس، ومحمد رسولوف، وتشاو تاو، وستيفان بريزي، ومورا ديلبيرو، وكريستيان مونجيو).

وذهبت جائزة الأسد الذهبي هذا العام إلى فيلم Father Mother Sister Brother، وهو أحدث فيلم للمخرج الأمريكي جيم جارموش، والذي عاد بعد انقطاع دام ست سنوات دون تحقيق الكثير.

لم يُعجب بهذا الفيلم أحد تقريبًا، باستثناء حفنة من النقاد. لا أحد كان يعتقد أنه يستحق أي جوائز.

وبطريقة ما، فاز متقدماً على أكثر الأفلام المستحقة للجوائز لهذا العام: No Other Choice وSilent Friend وA House of Dynamite وThe Testament of Ann Lee.

ماذا كانت لجنة التحكيم تفعل؟، ولماذا هذا الفيلم؟، لقد فاز هذا العمل عديم الفائدة والممل وغير المثير بجائزة لا يستحقها.

في العام الماضي في فينيسيا، فاز فيلم The Room Next Door للمخرج بيدرو ألمودوفار بجائزة الأسد الذهبي على فيلم The Brutalist - وهو اختيار غريب آخر، ولم يرشّح فيلم ألمودوفار للأوسكار، وهو أول فيلم ناطق باللغة الإنجليزية، والذي حقق نجاحًا باهرًا في مهرجان فينيسيا بحفاوة بالغة لمدة 18 دقيقة.

ومُنحت جائزة أفضل مخرج لبيني سافدي (وهو اختيار غير متوقع آخر) إلى جانب عدد من الاختيارات الغريبة جدًا الأخرى من لجنة التحكيم.

ومنحت لجنة التحكيم الممثل الإيطالي توني سيرفيلو جائزة أفضل ممثل، عن دوره كرئيس إيطالي مسن يُنهي ولايته في فيلم "لا غراتسيا".

وحصلت الممثلة الصينية شين تشيلي على جائزة أفضل ممثلة عن فيلم "تشرق الشمس علينا جميعًا"، الذي يتناول التضحية والشعور بالذنب والمشاعر المُعلقة بين حبيبين مُتباعدين.

وفاز فيلم "تحت السحاب" للمخرج الإيطالي الأمريكي جيانفرانكو روسي بجائزة لجنة التحكيم الخاصة.

ومُنحت فاليري دونزيلي وجيل مارشان جائزة أفضل سيناريو عن فيلمهما الدرامي "في العمل"، وهو فيلم فرنسي يتناول قصة مصور ناجح يتخلى عن كل شيء للتركيز على الكتابة، وينتهي به الأمر فقيرًا.

وفازت لونا ويدلر، كأفضل ممثلة شابة عن الفيلم الألماني الفرنسي المجري "الصديق الصامت"، وهو قصة شعرية من ثلاثة أجزاء تدور حول شجرة في مدينة جامعية ألمانية تعود إلى العصور الوسطى.

ضمّت قائمة المنافسة في المسابقة الرئيسية لهذا العام العديد من النجوم البارزين المحتملين لجوائز الأوسكار.

أطلقت كاثرين بيغلو تحذيرًا بشأن الأسلحة النووية وآليات صنع القرار بفيلمها التشويقي العاجل والواقعي للغاية "بيت الديناميت".

وكشف غييرمو ديل تورو عن فيلمه "فرانكشتاين"، وهو ترجمة قوطية فاخرة لرواية ماري شيلي الكلاسيكية، حيث جسّد أوسكار إسحاق شخصية فيكتور فرانكشتاين كرجل مجنون رومانسي، وجاكوب إيلودري، الساذج والفظ، بدور الوحش.

وأمتع بارك تشان ووك الجمهور بفيلمه الكوميدي الأسود "لا خيار آخر"، وهو هجاءٌ عن يأس العمال ذوي الياقات البيضاء المتنافسين على الوظائف.

واتخذ دواين جونسون منحىً جادًا بدور مقاتل يُصارع إدمان مسكنات الألم والفائز في الدراما الرياضية "آلة التحطيم"، بينما قدّمت إيما ستون وجيسي بليمونز أداءً غريبًا وشرسًا بدوري المختطف والخاطف في فيلم "بوغونيا" الاستفزازي للمخرج يورغوس لانثيموس.

وجسد جود لو دور فلاديمير بوتين في فيلم "ساحر الكرملين"، وأضفت أماندا سيفريد وجهًا إنسانيًا نسويًا على الطائفة الدينية المُهزّزة في فيلم "وصية آن لي".

كما استعرضت جوليا روبرتس مهاراتها التمثيلية بدور أستاذة فلسفة في جامعة ييل في خضمّ اتهام بسوء السلوك ضد زميل لها في فيلم "بعد المطاردة"، ولكن لا هي ولا زملاءها في فريق التمثيل، أندرو غارفيلد، وآيو إيديبيري، والمخرج لوكا غوادانيينو، تأهلوا لأي جوائز في مهرجان فينيسيا.

منذ عام 2014، استضاف مهرجان فينيسيا السينمائي أربعة أفلام فائزة بجائزة أفضل فيلم وفازت بالأوسكار، بما في ذلك "The Shape of Water" و"Birdman" و"Spotlight" و"Nomadland".

وفي العام الماضي، ضمّ المهرجان العديد من الأفلام الفائزة بجوائز الأوسكار، بما في ذلك فيلم "The Brutalist" للمخرج برادي كوربيت، والذي فاز بثلاث جوائز، والفائز بجائزة أفضل فيلم روائي دولي للمخرج والتر ساليس "I'm Still Here"، وفيلم الرسوم المتحركة القصير "In the Shadow of the Cypress".

ومن ثم يمكن القول، للأسف، سيُسجل في تاريخ السينما أن الدورة 82 لمهرجان فينيسيا السينمائي، كانت واحدة من أسوأ جوائز مهرجانات الأفلام على الإطلاق.

 

####

 

4 جوائز بارزة للعرب في الدورة الـ 82 لـ «فينيسيا السينمائي»

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

فازت المخرجة التونسية كوثر بن هنية بالأسد الفضي (جائزة لجنة التحكيم الكبري) في المسابقة الرئيسية للدورة 82 لمهرجان فينيسيا السينمائي عن فيلمها «صوت هند رجب».

وحصلت المخرجة المغربية مريم التوزاني على جائزة الجمهور في قسم «فينيسيا سبوت لايت» عن فيلمها «شارع مالقة».

وفاز فيلم «هجرة"» للمخرجة السعودية شهد أمين، بجائزة «نتباك» لأفضل فيلم آسيوي، والذي عُرض ضمن قسم «فينيسيا سبوت لايت».

وحصد الفيلم اللبناني «نجوم الأمل والألم» للمخرج سيريل عريس جائزة اختيار الجمهور – في قسم «أيام فينيسيا».

 

موقع "سينماتوغراف" في

07.09.2025

 
 
 
 
 

البندقية 82: التصفيق للعرب و"الأسد" لأميركا

هوفيك حبشيان - المصدرالبندقية - "النهار"

خُتِم مهرجان البندقية السينمائي بتتويج الأميركي جيم جارموش بـ"الأسد الذهب".

في دورة خلت من الأعمال الكبرى، ولم تشهد بروز أفلام من العيار الثقيل تُصنَّف ضمن فئة "الخمسة نجوم" (على الأقل داخل المسابقة الرسمية)، خُتِم مهرجان البندقية السينمائي مساء السبت الماضي بتتويج المخرج الأميركي الشهير جيم جارموش، 72 عاماً، بجائزة "الأسد الذهب" عن "أب أمّ أخ أخت"، الذي يُعيده إلى الشاشة بعد غياب.

جارموش، الذي تسرّب خبر فوزه قبل نحو ساعتين من إعلان الجوائز، أحد أعمدة السينما المستقلّة في الولايات المتحدة؛ تلك التي نشأت وتبلورت على هامش هوليوود، وشكّلت مع الزمن تياراً مضاداً بمواضيعها وخصوصيتها الجمالية. وبرغم سجلّه الحافل، فإن هذه هي المرة الأولى التي يشارك جارموش في مسابقة الـ"موسترا"، بعد أن ظلّ اسمه مرتبطاً بكانّ، حيث عرض معظم أفلامه، بدءاً من فوزه بـ"الكاميرا الذهب" عن فيلمه الشهير "أغرب من الجنة" قبل أربعة عقود، وصولاً إلى افتتاحه الدورة السابقة للجائحة بـ"الميت لا يموت"، الذي عُدّ من أضعف أعماله. لكن هذه المرة، لم تجد لجنة انتقاء كانّ في جديده ما يؤهّله للدخول في سباق "السعفة"، فاختار جارموش أن يشقّ طريقه نحو "الليدو"، حيث نافس 20 فيلماً. وبسحر ساحر، مُنِح فيلمه المرفوض "كانياً" الجائزة الأرفع، في مفارقة من شأنها ان تثير التساؤلات. لجنة التحكيم التي ترأسها مواطنه المخرج ألكسندر باين، رأت فيه خلفاً للإسباني بدرو ألمودوفار الذي أُعطي التمثال نفسه العام الماضي.

في جديده الذي يدور في ثلاث مدن ويلاحق ثلاث عائلات، يستعين جارموش بنخبة من نجوم الصف الأول، من بينهم كايت بلانشيت وآدم درايفر وشارلوت رامبلينغ، لكنهم يظهرون في إطلالات محدودة، حيث تمرّ كلّ شخصية على الشاشة ثم تختفي، ليفسح الفيلم المجال للفصل التالي. ثمة أناقة لافتة في حضور الشخصيات، جمال مظهري واضح في الأزياء والتفاصيل، وربما ليس ذلك بمستغرب، فالفيلم من إنتاج دار الأزياء الشهيرة "سان لوران“.

القصّة حول لمّ الشمل العائلي، لكن لا شيء صاخباً يحدث، لا انفعالات درامية تتقدّم بالسرد إلى الأمام. كلّ شيء يتموضع في هوامش الكلام. الفيلم مكتوب بهذا الأسلوب، وعلى المُشاهد أن يلتقط ما يختبئ بين الأبواب والكراسي والطاولات. فغالبية المَشاهد تجري في أماكن داخلية، يتم الوصول إليها بعد رحلة عبر السيارة، وكأن العبور الجغرافي شرط للغوص في العمق العاطفي لهذه الأماكن الدافئة الرمزية. تربط الفصول الثلاثة خيوط دقيقة: أحاديث عن الماء، أو السؤال المتكرّر: هل يجوز شرب النَخب بالماء أو الشاي أو القهوة؟ هناك اقتصاد عاطفي شديد، وسرد هادئ يكاد يكون هامداً. لا طبقات، كلّ شيء ظاهر. ما من غبار على فكرة جارموش عن السينما، واتقانه صناعتها، ولكن قد يرغب الواحد منّا في معرفة الآتي: ما الذي يريده جارموش منّا؟

في كواليس التتويج، تردّد أن لجنة التحكيم لم تكن على موجة واحدة، وهو أمر لا يثير الاستغراب، إذ من الصعب توحيد الأذواق والمرجعيات الفنية، حين تضم اللجنة أسماء من مشارب سينمائية وثقافية مختلفة، مثل الإيراني محمّد رسول أف والروماني كريستيان مونجيو والفرنسي ستيفان بريزيه وسواهم، تحت إشراف أميركي يمثّله ألكسندر باين. لكلّ من هؤلاء حساسيته وذائقته وتوجّهاته الخاصة. ومع ذلك، تنصّلت اللجنة من أيّ قرار يمكن تأويله كدعم سياسي أو اصطفاف عاطفي، فأسندت الجائزة إلى جارموش، وهو ما انسجم أيضاً مع كلمته عند تسلّمه "الأسد"، حين قال: "لا يجب على الفنّ أن يتناول السياسة بشكل مباشر ليكون سياسياً“.
في ظلّ فوضى التوقّعات والتكهّنات، برز فيلم "صوت هند رجب" للتونسية كوثر بن هنية كأحد الأعمال القليلة التي وحّدت حولها الإعجاب. الفيلم، الذي نال في نهاية المطاف جائزة لجنة التحكيم الكبرى ("الأسد الفضّة")، يُفترض أن يفتح نقاشاً حول كيفية توظيف المعاناة الفلسطينية في سياق سينمائي لا يسقط في فخّ الاستهلاك العاطفي السريع. يروي الفيلم مأساة الطفلة هند، ابنة الست سنوات، التي قُتِلت برصاص الجيش الإسرائيلي، بعد أن عجز الهلال الأحمر عن إنقاذها. أثار العمل تعاطفاً واسعاً تجاوز حدود "الليدو"، خاصةً بعد أيام فقط من التظاهرة الحاشدة الداعمة لغزة التي اختتمت عطلة نهاية الأسبوع الأول من المهرجان، وشكّلت الخلفية السياسية الأبرز لـ"موسترا 82
“.

بعيداً من المآسي الملتهبة في الشرق الأوسط، بدا لافتاً فوز فيلم "آلة السحق" للأميركي بيني سفدي بجائزة أفضل إخراج، متفوّقاً على العديد من الأعمال التي نافسته بقوة. الفيلم، الذي يجسّد فيه دواين جونسون ("ذا روك") المصارع مارك كير، يغوص في الهشاشة الإنسانية المختبئة خلف كتلة العضلات، مستدعياً روح أفلام السبعينات ذات الموازنات المحدودة، التي كانت تُنجَز بصدق حقيقي بلا ادّعاء. ورغم الأداء المتماسك الذي قدّمه جونسون، فإن جائزة التمثيل ذهبت في النهاية إلى الإيطالي توني سرفيللو، عن أدائه دور رئيس متخيل في فيلم "النعمة" لباولو سورنتينو الذي كان افتتح الدورة، في حين كانت جائزة أفضل ممثّلة من نصيب الصينية شين جيلاي عن "الشمس ستشرق علينا جميعاً" لتساي شانغجون.

وعاد المخرج الوثائقي الإيطالي جانفرانكو روزي إلى منصّة التتويج من خلال جائزة لجنة التحكيم الخاصة، عن "تحت الغيوم"، مؤكّدًا مكانته كأحد أبرز صانعي الوثائقيات في عصرنا، بفضل قدرته الاستثنائية على التقاط تفاصيل الحياة اليومية بحسّ بصري عميق ومسؤولية إنسانية نادرة. أخيراً، أحرزت الفرنسية فاليري دونزيللي جائزة أفضل سيناريو عن فيلمها "خلال العمل"، الذي يحكي، بنصّ رقيق، قصّة كاتب يقرّر الانسحاب من مواقع التصوير ليتفرغ للكتابة.

 

النهار اللبنانية في

07.09.2025

 
 
 
 
 

"صوت" الطفلة الفلسطينية يقطف الاسد الفضي في البندقية

فيلم "أب أم أخ أخت" للمخرج الأميركي جيم جارموش اخترق المتوقع وفاز بجائزة "الأسد الذهبي"

هوفيك حبشيان 

ملخص

خلافاً لما كان متوقعاً، نال "أب أم أخ أخت"، فيلم المخرج الأميركي جيم جارموش، جائزة "الأسد الذهبي" وقطف فيلم "صوت هند رجب" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية جائزة "الأسد الفضي"  (جائزة لجنة التحكيم الكبرى) لمهرجان البندقية السينمائي الـ82، الذي اختتم أمس في جزيرة الليدو بعد 11 يوماً من سباق سينمائي كانت العيون موجهة فيها إلى الشاشات من الصبح إلى المساء.

في أول مشاركة له في مسابقة الموسترا، بعدما كان معروفاً أنه من السينمائيين المعتادين على مهرجان "كان"، فاز جيم جارموش ابن الـ72 سنة بالجائزة الكبرى التي تمنحها لجنة تحكيم يترأسها زميله ومواطنه الأميركي ألكسندر باين.

جيم جارموش سينمائي أميركي مستقل تمرد منذ بداياته في الثمانينيات على السينما السائدة في هوليوود، معبراً في أفلامه عن رؤية مناهضة للصناعة السينمائية التقليدية، وهي رؤية تتميز بأسلوبه الفريد الذي يمزج الأناقة بالحساسية، مستوحياً السينما الأوروبية واليابانية، مما جعله رمزاً من رموز السينمائي المؤلف المستقل. كثيراً ما صور أميركا في عمقها، ملتقطاً لحظات الوحدة والضياع والانتظار، مع التركيز على فشل التواصل بين البشر ورغبتهم في الفهم على رغم اختلافاتهم. من أشهر أعماله "أغرب من الجن" و"رجل ميت" و"غوست دوغ" و"باترسون" ومعظمها عرض في مهرجان "كان"، ويعد من السينمائيين القلائل الذين حافظوا على روح التجريب ولم تغرهم السينما التجارية.

في جديده الذي يعيده إلى السينما بعد انقطاع ستة أعوام، يروي شذرة من حياة ثلاث عائلات في ثلاثة أماكن: قرية أميركية ودبلن وباريس. لا داعي إلى الدخول في التفاصيل، فلا شيء من الذي يحدث على الشاشة يستحق أن يترجم بكلام مكتوب، خلافاً لتجربة المشاهدة التي تتشكل من لحظات الهدوء والدقة، ونغمات الحزن والحنين التي تتكون مشهداً تلو مشهد. ولكن، للأسف، الفيلم جاف جداً، ولا يولد أية عواطف، إضافة إلى أنه يستحيل دخول عمق خطاب جارموش ولا نفهم ماذا يريد أن يقول لنا. الفيلم يفتقر إلى المستويات والطبقات ويبقي كل شيء عالقاً على السطح.

صوت هند

فيلم "صوت هند رجب" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية نال جائزة لجنة التحكيم الكبرى. كان هذا الفيلم حديث رواد المهرجان منذ عرض صباح الأربعاء واستقبل بالهتاف والتصفيق وتوقع له بعض النقاد "الأسد". بن هنية ثالث عربية تنال هذه الجائزة بعد رندة الشهال ومواطنها عبداللطيف كشيش. يحكي الفيلم عن قصة الطفلة هند ذات السنوات الست، التي قتلت أثناء الحرب الإسرائيلية. يتمحور الفيلم حول جهود الهلال الأحمر في رام الله لإنقاذ هند، لكن تأخر وصول سيارة الإسعاف بسبب التصاريح يقودها إلى حتفها تحت وابل من الرصاص. الفيلم، الذي صور في تونس بسرعة استجابة للأحداث، يدمج بين التوثيق والدراما، لكنه خضع للتصنيع الدرامي الذي يطغى على مأساة هند، مع تسطيح الصراعات الداخلية في مركز الهلال الأحمر، مما يثير تساؤلات حول كيفية تقديم قصص فلسطينية مأسوية معاصرة، من دون أن تتحول إلى سلعة استهلاكية في الغرب، في ظل استمرار المجزرة. وقد شهدت جزيرة الليدو حيث يقام المهرجان، تظاهرة ضخمة داعمة لغزة شارك فيها بضعة آلاف، كذلك فإن الإدارة، خلافاً لمهرجان برلين، لم تقف في وجه أية تظاهرة تندد بالحرب على غزة.

"آلة السحق" للأميركي بيني سفدي نال جائزة الإخراج المستحقة. تجربة سينمائية خارجة عن المألوف، يبتعد فيها الممثل دواين جونسون ("ذا روك") عن أدواره النمطية ليجسد المصارع مارك كير، في عمل يعيد النظر في صورة "الرجل القوي"، مستخدماً قصة كير كانعكاس لصراع جونسون الشخصي مع إرثه الفني والجسدي، في مواجهة صريحة مع الذات. الفيلم يكشف هشاشة البطل الذي تقيده صورته القوية، وذلك بأسلوب بصري بسيط وأجواء تستدعي سينما السبعينيات.

شمس صينية

جائزة الممثلة ذهبت إلى الصينية شين جيلاي عن دورها في "الشمس ستشرق علينا جميعاً" لتساي شانغ جون، عن رجل يضحي من أجل حبيبته ويحمل على عاتقه الجريمة التي ارتكبتها ومع ذلك تقدم على خيانته. جائزة التمثيل في فئة الرجال، "كأس فولبي"، نالها الممثل الإيطالي الكبير توني سرفيللو، 66 سنة، عن "النعمة" لباولو سورنتينو، إذ يضطلع بدور رئيس خيالي يواجه ذكرى وفاة زوجته التي لم يشف منها، تزامناً مع الضغط الذي يمارس عليه للتوقيع على قانون يجيز الموت الرحيم. الجائزة كانت مفاجأة إذ توقعها كثر لدواين جونسون عن دوره في "آلة السحق". أما أفضل موهبة صاعدة في مجال التمثيل، فكانت من نصيب المجرية لونا فدلر عن دورها في "الصديق الصمت" للسينمائية المجرية إيلديكو إنييدي.

الفرنسية فاليري دونزيللي أعطيت جائزة السيناريو الذي كتبته مع المؤلف الشهير جيل مارشان عن فيلمها "خلال العمل" وهو يروي قصة مصور فوتوغرافي يتخلى عن كل شيء للتفرغ للكتابة، ولكن سيعاني البؤس والفقر ولكنه مصمم على المضي في تحقيق حلمه. 

بعد 12 عاماً على فوزه بـ"الأسد" عن فيلمه "ساكرو غرا" فاز المخرج الإيطالي المتخصص في الوثائقي جانفرنكو روزي بجائزة لجنة التحكيم الخاصة عن "تحت الغيوم"، الذي يعيد تذكيرنا بأنه أحد أهم السينمائيين الذين يلتقطون الواقع في السينما المعاصرة. "على مدى ثلاثة أعوام"، يقول روزي، "عشت وصورت عند تخوم جبل فيزوف، باحثاً عن آثار التاريخ، وعن حفريات الزمن وبقايا الحياة اليومية. وثقت القصص بأصوات من رواها، وراقبت الغيوم والدخان المتصاعد من الحقول الفليجرية".

لم تحدث الأفلام المعروضة هذا العام أي إجماع، وكان واضحاً أن لا تحفة سينمائية تفرض نفسها للأسد منذ اللحظة الأولى. لكن هل كان هناك توافق كلي بين أعضاء لجنة التحكيم على فيلم جارموش، هذا ما لن تعرفه أبداً، إذ إن أفرادها ملزمون بالصمت، لكن كان هناك في الأقل فيلم واحد، هو "يتيم" للمجري لاسلو نمش، يستحق أن يدرج على لائحة الجوائز، في مقابل استغراب شديد لتجاهل الكوري الجنوبي بارك تشان وفيلمه "لا خيار آخر". وسط هذا كله يبد أنه لم يكن للجنة خيار آخر غير جارموش. 

 

الـ The Independent  في

07.09.2025

 
 
 
 
 

اختتامُ دورةٍ حافلةٍ بالمفاجآت و«صوت هند رجب» يتوَّج بالأسد الفضيّ

أسماء حراشيف

بعد مضي أسبوعين حافِلَين ببريقِ الأجواءِ الاحتفالية، على ضفافِ مدينة الليدو المنبسطة على مياه البحر الأبيض المتوسط، حيث تلألأت السجادة الحمراء بنجوم الفن السابع، وحضرَ فنانون لامعون من هوليوود والعالم العربي، إلى جانب آخرين من مختلف أنحاء العالم، ها هي أضواء الليدو المتلألئة تُوقِّع الفصل الأخير من هذا المحفل، لتُعلِن بخفوتِها ختامَ دورةٍ فريدةٍ وفارقةٍ في تاريخ هذا المهرجان العريق.

في قلب هذه الأجواء الاحتفالية المهيبة، تعالت الهتافات الداعمة لغزة، واحتدمَت المواقف والآراء السياسية بين أفلام المسابقة الرئيسية. وكان فيلمُ «صوت هند رجب» الأكثر وقعًا والأعلى صوتًا من بين جميع أفلام المسابقة. ومنذ الاحتجاجات الأولى، التي سبقت المهرجان وكانت من تنظيم مجموعة من المخرجين الإيطاليين دعمًا للقضية الفلسطينية، ظلَّت صور التضامن مع غزَّة حاضرةً خلال فعاليات المهرجان، ولم تغفل عدسات الصحافة عن التقاط صور وملامح هذا الاحتجاج الذي عبَّر عنه عدد من الفنانين والمخرجين العالميين كلٌّ بطريقته الخاصة.

فلسطين و«صوت هند رجب» في الواجهة

بعد سلسلة من التتويجات العالمية الكبيرة التي حصدتها بأفلامها الوثائقية الآسرة، والتي جاء في مقدمتها فوز فيلمها «بنات أولفة» بجائزة سيزار إلى جانب جائزة العين الذهبية من مهرجان كان السينمائي، ها هي كوثر بن هنية تعود من جديد لتطل من منصة أعرق مهرجان سينمائي، بفيلم يحمل قضية تتجاوز الفيلم نفسه، ليمتد صداها إلى كل أنحاء العالم، ويصبح فيلم «صوت هند رجب» أحد أبرز الأفلام المرتقبة لهذا العام، وهو فيلم قال عنه رئيس المهرجان أنه سيكون فيلمًا شديدَ الوقع على المشاهدين.

ورغم أن حضورَ الأصوات الداعمة للقضية الفلسطينية كان سابقًا للمهرجان، من خلال احتجاج عدد من الإيطاليين العاملين في قطاع السينما، مطالبين إدارة المهرجان بإدانة الإبادة الجماعية في غزة، إلا أن عرض فيلم «صوت هند رجب» كان الحدث الاحتجاجي الأكبر المرتبط بالقضية الفلسطينية في تاريخ المهرجان، بل وفي تاريخ السينما كله. فقد احتشدت قاعات العرض بالمتفرجين، وبدت صور التأثر والانفعال على الجميع، بشهادة كل من كان حاضرًا، وامتد التصفيق إلى حد قياسي من الدقائق تجاوز الـ22 دقيقة، ليكون بذلك أكثر الأفلام نيلًا للتصفيق في تاريخ المهرجان.

ولا عجب أن يكون للفيلم هذا الأثر الكبير على المشاهدين، فقد واجه صناع الفيلم بحد ذاتهم موجات من التأثر ونوبات من البكاء خلال مراحل إنجازِهم للفيلم. ولأن الفيلم يروي من خلال هند رجب قصة عشرات الآلاف من الأطفال الذين عاشوا واقعًا مأساويًا أشد بشاعة، وقضوا نحبهم خلال هذه الإبادة الممنهجة في حق شعب أعزل.

وعن الفيلم تصرِّح المخرجة في لقاءات صحفية قائلة: «صوت هند هو صوت غزة، هذا الصوت الذي ظل يلازمني، منذ استماعي إليه لأول مرة، حين كنت أستعد لإنجاز فيلم آخر، فشعرت أنه عليَّ التوقف عن كل شيء لأروي قصة هند»، مشيرة إلى أن صنع الفيلم كان ضرورة ملحة لأنه يرسخ الحقائق القابلة للنسيان في ذاكرة الأجيال. ولأن هذه مسؤولية كبيرة يحملها كل فنان، مسؤولية أن يقف ضد النسيان، وأن يخلق ذاكرة جمعية، ترى الإنسانية ذاتها من خلالها وتتأمل عواقب أفعالها، كي تضع حدا لهذه المأساة وتحُول دون تكرارها.

من خلال فيلمها، قدَّمت كوثر بن هنية إلى العالم صوتَ إستغاثةٍ، ليس لهند فحسب، بل لأطفال غزة كلهم، موجه للعالم أجمع. لكنه صوتٌ لا يُجاب إلا بعد فوات الأوان، ليصبح وزرًا كبيرًا تتحمل ثقله البشرية جمعاء، أو كما قالت: «صوت هند هو صوت غزة تستغيث.. ولا أحد يُجيب!». لقد حظي الفيلم بدعم فنانين من هوليوود، ممن نشأوا على صوت هذه السردية الإسرائيلية، التي ظلت لزمن طويل أمرًا مسلما به، في أروقة هذه الاستوديوهات الكبيرة المتسيّدة للصناعة السينمائية الأمريكية. فها نحن نشهد، من خلال هذا الدعم الذي أبداه نجوم هوليوود، انقلابًا للسّحر على الساحر، وسقوطًا للقناع الذي طالما برَّر أبشع الجرائم الإنسانية.

وإلى جانب هذا الفيلم المؤثر، تنوعت عروضُ الأفلام التي نقلت معاناة الشعب الفلسطيني، من بينها الفيلم الوثائقي السويسري «من لا يزال حيًّا» للمخرج نيكولا واديموف، في قسم "أيام المؤلفين" (Giornate degli Autori)، الذي يحكي قصة تسعة ناجين من غزة ذوي خلفيات فنية متعددة، يستعيدون ما عاشوه من مأساة داخل القطاع، في لحظات سرد شفيفة تجمع بين التوثيق الحميمي والرمزية الفنية. إضافة إلى عرض الفيلم الفلسطيني «مهدد بالانقراض» (Coyotes) في قسم آفاق (Orizzonti)، للمخرج سعيد زاغة، ليصبح بذلك أول فيلمٍ فلسطيني قصيرٍ يشارك في منافسات هذا القسم.

وبهذا أظهرت دورة البندقية لهذا العام تعبئةً جماهيريةً غير مسبوقة، إلى جانب الاحتجاجات والعروض السينمائية واللقاءات، التي عكست أهمية السينما ودورها الكبير في أن تكون صوتًا بليغًا مناهضًا لكل أشكال القمع والإبادة، ومنبرًا يدعو لتحقيق السلام ونبذ العنف وإحداث التغيير.

أفلام عربية تحصد الجوائز

شهدت الدورة الـ82 من مهرجان البندقية السينمائي، مشاركةً عربيةً متميِّزة، تجلت في هذا الحضور المتنوع للأفلام التي تناولت عددا من القضايا والقصص العربية الأصيلة، والتي تُوِّج عدد كبير منها بجوائزَ مرموقة، انطلاقًا من فيلم «صوت هند رجب» المرشح للأسد الذهبي، مرورًا بفيلم «هجرة» و«شارع مالقة» المشاركين في قسم "سبوتلايت"، وصولًا إلى الأفلام العربية الحاضرة خارج المسابقات الرسمية، مثل مشاركة كل من فيلم «رقية» للمخرج الجزائري يانيس كوسيم و«ملكة القطن» للسودانية سوزانا ميرغني ضمن أسبوع النقاد، إلى جانب الحضور العربي المتميز في برامج دعم الصناعة السينمائية في مراحل ما قبل الإنتاج.

في عرضه العالمي الأول، تألق فيلم «هجرة» للمخرجة السعودية شهد أمين بين نخبة من الأعمال الآسيوية اللافتة، ونجح في الظفر بجائزة نيتباك (NETPAC) لأفضل فيلمٍ آسيويٍّ، في تتويج هو الأول من نوعه لفيلمٍ سعوديٍّ في مهرجان البندقية السينمائي العريق. فبعد مضي ست سنوات على نيلها جائزة "فيرونا" عن فيلمها «سيدة البحر»، تعود شهد إلى نفس المهرجان بخطى ثابتة وبطرح مختلف عما عودتنا عليه من أسلوب فانتازي رمزي محتشد بالاستعارات، لتنقلنا هذه المرة إلى أسلوب آخر أكثر ارتباطًا بالبيئة المحلية، مستمدًا شعريته وسحره منها ومن شعيرة الحج العظيمة، لتأسر به المشاهدين والنقاد على حد سواء، وتظفر بجائزة أخرى، ترقى بفيلمها إلى منزلة أفضل فيلم آسيوي، من بين الأفلام المشاركة.

جمعت شهد في فيلمها بين القصة الزاخرة بالكثافة السردية والمعنى، التي تلتقي فيها الأزمنة وتتصادم فيها ثلاثة أجيال من النساء، وبين المناظر الطبيعية الآسرة، ليصبح فيلمها بمثابة توثيق خلاب للثقافة المحلية والطبيعة الساحرة في المملكة، مستكشفة بعدستها الآسرة طرق الحج القديمة ما بين الشمال والجنوب، متنقلة من تبوك إلى الطائف إلى جدة وغيرها من المناطق السعودية.

أما «صوت هند رجب» فقد فاز بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم في المهرجان (جائزة الأسد الفضي)، ويعتبر هذا التتويجُ انتصارًا كبيرًا تحقِّقه كوثر بن هنية، سواء على صعيد مسيرتها الفنية أو على صعيد هذه القضية العادلة، إذ سيكون هذا الانتصار أكبر تقويض لسردية لطالما سعى المستعمر إلى ترسيخها، وإعلاءا لصوت غزة والمستضعفين فيها. ولن يقتصر صوت هند بعد هذه الجائزة على مهرجان البندقية فحسب، بل سيصدَح في كل مهرجان وكل محفل قادم. بدورها، نالت المغربية مريم التُوزاني جائزةَ الجمهور في قسم "سبوتلايت"، عن فيلمها «شارع مالقا»، الذي يروي قصة ماريا الإسبانية، وهي امرأة سبعينية تعيش في طنجة حياة هادئة، إلى أن تقرر ابنتها القادمة من مدريد بيع البيت. وبينما تسعى ماريا للحفاظ على منزلها، تتكشّف لها معان للحب والحياة كانت غائبة عنها. وقد أفصحت مريم أثناء استلامها للجائزة عن حزنها لما يحدث في غزة، وأشادت بهذه الدورة التي أبرزت تضامنًا إنسانيًا عميقًا، معبرةً عن فخرها بالمشاركة فيها.

وقد حظي عدد من الأفلام العربية بجوائز متفرقة من برنامج ما بعد الإنتاج "Final Cut awards"، حيث نالت المخرجة اليمنية سارة إسحاق خمس جوائز من البرنامج عن فليمها «المحطة» بما في ذلك جائزة أفضل فيلم في مرحلة ما بعد الإنتاج، وهو فيلم يحكي قصة لَيَال، المرأة اليمنية التي تدير محطة وقود مخصصة للنساء، متحدية بذلك القيود الاجتماعية والأعراف، في مدينة أنهكتها الحرب، ومقدمة بذلك صورة آسرة للمرأة اليمنية القوية. وبالمثل، حظيت المخرجة اليمنية مريم الذبحاني بعدد من الجوائز، من ذات البرنامج، عن فيلمها «يلا نلعب عسكرة»، الذي يسلط الضوء على المسؤوليات الكبيرة التي تُلقَى على عاتق الأطفال حين يغيب مقدِّم الرعاية من حياتهم، فيصبحون هم المعيل للأسرة، في أزمنة الاضطراب وانعدام الأمن. كما فازت المخرجة المغربية هند بن ساري بجائزة صندوق البحر الأحمر في "فاينال كت" عن فيلمها «خارج المدرسة».

أما جائزة الجمهور من قسم "أيام البندقية"، والتي تُحدَّد استنادًا إلى تصويت المشاهدين في قاعة "سالا بيرلا"، عقب عروض أفلام المسابقة الرسمية، فقد آلت على نحو استثنائي إلى فيلمين معًا، إذ ظفر بها كل من «نجوم الأمل والألم» للمخرج اللبناني سيريل عريس، وفيلم «ذكرى» للمخرجة الأوكرانية فلادلينا ساندو. وقد تناول فيلم سيريل عريس قصة رومانسية-كوميدية، يتكشَّف من خلالها واقعُ البلد والصراعات المتعددة التي تواجهها لبنان.

مهرجان بطابع سياسي

وإلى جانب أصوات الاحتجاج المتعالية الداعمة لغزة، وما أحدثه فيلم «صوت هند رجب» من وقعٍ مدوي، فإن أفلامًا أخرى أضافت زخمًا لهذا الجدل السياسي القائم في أروقة المهرجان. فنجد على الواجهة مثلا فيلم «ساحر الكرملين» (The Wizard of the Kremlin)، الذي أعاد إلى النقاش الأوضاع السياسية الراهنة، إذ يروي قصة صعود الرئيس الروسي إلى السلطة. وهو فيلم يقول عنه مخرجه: «هو تأمل في السياسة الحديثة وفي ستائر الدخان التي تختبئ خلفها اليوم». وقد حظي الفيلم بعشر دقائق من التصفيق احتفاءً بهذه المعالجة الآسرة والقصة متعددة الأبعاد.

وقد شهدت المؤتمرات الصحفية جدلًا متجددًا حول مشاركة ممثلين داعمين لإسرائيل في أفلام لمخرجين كبار، وهو ما أعاد إلى الواجهة هذه العلاقة الجدلية بين الفنان وأدائه الفني من جهة، وخلفيته ومواقفِه السياسية من جهة أخرى.

كما نجد أيضًا فيلم لانثيموس «بوغونيا» (Bugonia) الذي أعاد إلى السطح النقاش القديم الذي يعكس قلق عصرنا المثقل بنظريات المؤامرة، وانعدام الثقة، وسطوة الخوارزميات. ومن خلال عوالمه العبثية المصقولة بذكاء، يسعى لانثيموس إلى أن يضعنا مجددًا في مواجهة أكبر مخاوفنا وهواجسنِا.

أفلامٌ تحصدُ الجوائزَ الكبرى

بعد دورة حافلة، لمعت خلالها الشاشات بالعروضٍ السينمائيَّة المميزة، التي بنت جسورًا وجدانية بين الجمهور وبين هذه الأعمال الفنية وقصصها الإنسانية، واحتدمت خلالها النقاشات السياسية، جاءت نتائج هذه المنافسة مختلفة عن كل التوقعات. فقد ظفر جيم جارموش بجائزة الأسد الذهبي عن فيلمه «الأب الأم الأخت الأخ» (Father Mother Sister Brother)، وهو فيلم روائي كوميدي مكون من ثلاثة فصول، تتقاطع قصصها في نسقٍ واحدٍ يتمحور حول العلاقة التي تجمع بين الأبناء والآباء. ويقول عنه جيم جارموش: «إنه فيلم مضاد للحركة، بُني أسلوبه الدقيق والهادئ بعناية للسماحِ بتراكم التفاصيل».

وكانت جائزة الأسد الفضي لأفضل مخرج من نصيب بيني صفدي عن فيلم «آلة التحطيم» (The Smashing Machine) الذي منح فيه لدواين جونسون أفضل أدواره على الإطلاق، وهو فيلم يتناول قصة أخصائي في الفنون القتالية المختلطة وصراعه مع الإدمان. أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة فكانت من نصيب الفيلم الإيطالي «تحت الغيوم» (Below the Clouds) للمخرج جيانفرانكو روسي، وحازت الفرنسية فاليري دونزيلي إلى جانب غيليس مارشان على جائزة أفضل سيناريو عن فيلمِها «في العمل» (At work). وكانت جائزة البندقية لأفضل فيلم أول (جائزة أسد المستقبل) من نصيب فيلم «صيف قصير» (Short Summer) للمخرجة ناستيا كوركيا.

أما في قسم آفاق (Orizzonti)، فقد فاز فيلم «في الطريق» (On the road) للمخرج ديفيد بابلوس بجائزة أفضل فيلم في هذا القسم. كما فاز أنوبارنا روي عن فيلم «أغانِي الأشجار المنسية» (Songs of Forgotten Trees) بجائزة أفضل مخرج. ولم تتوقف التتويجات عند هذا الحد، ففي قسم الأفلام الكلاسيكية، فاز فيلم «ماتا هاري» (Mata Hari) للمخرجين جو بيتشينكوفسكي وجيمس سميث بجائزة أفضل فيلم وثائقي عن السينما، كما ظفر الفيلم الإيراني «باشو، الغريب الصغير» (Bashu, the Little Stranger - 1986) للمخرج بهرام بيزايي بجائزة أفضل فيلم مُرمَّم في قسم الكلاسيكيات.

كما منح الاتحاد الدولي لنقاد السينما جائزة أفضل فيلم في مهرجان البندقية 82 لفيلم «الصديق الصامت» (Silent Friend) لإيلديكو إينيدي. أما الجائزة الكبرى لأسبوع النقاد فقد ظفر بها فيلم «الدائرة المستقيمة» (Straight Circle) لأوسكار هدسون.

وقد فاز الفيلم الوثائقي «إعادة تصوير» (2025 - Remake) لروس ماكلوي بجائزة الغولدن غلوب للتأثير في فئة الفيلم الوثائقي، وهي جائزة تقدمها مؤسسة Artemis Rising لتكريم الأعمال التي «تسلط الضوء على قضية اجتماعية رئيسية، تجمع في طريقة طرحها بين البراعة الصحفية والأسلوب الإبداعي». خلال الفيلم، تتبع الكاميرا العلاقة العاطفية بين المخرج ماكاوي وابنه أدريان، قبل رحيله، لتتحول فيما بعد إلى رحلة استكشاف متعددة الطبقات للذاكرة ولعملية صناعة الصور، في محاولةٍ لخلقِ جسرٍ نحو التشافي من خلال السرد القصصي الخالص.

وقالت عضوة لجنة التحكيم هلين هوين: «السينما الوثائقية هي إحدى أقوى الأدوات التي نملكُها لتسليط الضوء على الحقائق، وتضخيم الأصوات غير المسموعة، وإحداثِ تغييرٍ هادف. في غولدن غلوب، نؤمن بأن السينما لا تقتصر على البراعة الفنية فحسب، بل تتعلق أيضًا بالتأثير، وهذه الجائزة مكرَّسة لتكريم الأفلام التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية الملحة بشجاعة وإبداع».

مخرجون وفنانون يحظون بالتكريم عن مجمل أعمالهم

شهدت الدورة الثانية والثمانين لمهرجان البندقية السينمائي، تنوعًا ملحوظًا في الأفلام وفي المواضيع، وفي ثقل القضايا المطروحة أيضا. وقد حظي عدد من المخرجين والفنانين بالتكريم والتقدير على مجمل أعمالهم السينمائية.

فقد نال المخرج الألماني فيرنر هرتزوغ جائزة الأسد الذهبي للإنجاز مدى الحياة، وقد عبر هرتزوغ عن سعادته بالجائزة قائلا: «لطالما حاولت أن أكون جنديًا صالحًا للسينما، وهذه الجائزة تبدو بمثابة وسام شرفي لعملي». وقد امتدت مسيرته لتشمل ما يقارب الـ 70 فيلما، حافظ خلالها على أسلوب بارع لرواية القصص غير المعتادة، واعتُبر آخرَ ورثةِ التقليد الرومانسي الألماني الكبير، كما يقول ألبيرتو باربيرا.

إلى جانب هرتزوغ، حظيت الممثلة الأيقونية كيم نوفاك بجائزة الأسد الذهبي عن مجمل أعمالها. وبرغم اعتزالها التمثيل، فقد خلَّدت حضورها في السينما عبر مجموعة من الأداءات الأيقونية التي ستبقى من أبرز ما سجلته ذاكرة السينما. ورغم تنوّع الأدوار التي جسَّدتها، ظلت صورتها الأكثر ارتباطًا بفيلم «دوار» لهيتشكوك. وفي أجواء تسودها الحفاوة والإعجاب، تسلم المخرج جوليان شنايبل جائزة كارتييه «Glory to the Filmmaker» لعام 2025، وقد جاء هذا التكريم تقديرًا له على إسهاماته في السينما المعاصرة وأسلوبه المبتكر الذي يجمع بين الحس البصري والتجريب السينمائي ولمسته التشكيلية. وفي عرضه العالمي الأول، قدم فيلمه الأخير «بين يدي دانتي» (In the Hand of Dante)، وهو فيلم حافل يوظف فيه أسلوبه المتفرد الذي قال عنه مدير المهرجان: «كل فيلم من أفلامه هو عالم مستقل بذاته، ينبض بالحيوية والجمال، وينقب عن المعنى، مستعيرا من الفن التشكيلي لغةً حيةً، تُنقل عبرها الطاقة السردية»، حيث يستعين في فيلمه الأخير بمخطوطة "الكوميديا الإلهية" لدانتي ألغيري التي تنتقل بين يد كاهن وزعيم مافيا في نيويورك، في رحلة رمزية تعكس مسيرة المخرج الفنية، ليقدم من خلالها سردًا ملحميًا محكمًا.

كما تسلم المخرج غاس فان سانت جائزة «كامباري للشغف بالسينما»، تقديرًا لإسهاماته في السينما الأميركية المستقلة، وقد حظي فيلمه «سلك الرجل الميت» (Dead Man's Wire) بعرض عالمي أول خارج المسابقة الرسمية.

ختاما، فإن مهرجانُ البندقية السينمائي قد أسدل، هذا العام، الستارَ على دورةٍ فريدةٍ وفارقةٍ في تاريخه، وسطَ أجواءٍ احتفاليةٍ حملت في طياتها الكثير من المفاجآت، وأحيَت قضايا ونقاشات سياسية كثيرة. دورةٌ أعادت بأفلامها وبروح التضامن التي انبثقت منها تجاه القضايا العادلة، إلى المهرجانات قوّتها وإلى السينما تأثيرها الكبير في وجدان البشرية، مجدِّدةً ومؤكدةً قدرتها على التغيير وتقويض سرديّة المعتدي.

بدعم من مبادرة سينماء، نُشرت هذه المقالة أيضًا في منصة ميم السينمائية.

 

موقع "سينماء" السعودي في

07.09.2025

 
 
 
 
 

«صوت هند رجب» يهز «فينيسيا»

رسالة فينيسيا : منى شديد

ما بين السياسة والسلطة، والصراعات النفسية والعائلية، وإعادة قراءة التاريخ، وعالم السينما؛ اختتم مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي دورته الـ 82 مساء أمس السبت، بعد عشرة أيام من الزخم والمنافسة القوية، بين عدد من أهم صناع السينما في العالم، وحضور عربي مؤثر في أقسام المهرجان المختلفة، بأفلام عدة أبرزها: «صوت هند رجب» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، و«أبى والقذافي» لجيهان كيخيا، و«هجرة» لشهد أمين، و«زنقة مالقا» لمريم توزاني، و«ملكة القطن» لسوزانا ميرغني، و«رقية» ليانيس كوسيم، و»مهدد بالانقراض» لسعيد زاغة، و»سنوات الأمل والألم» لسيريل عريس.

تنوعت موضوعات أفلام المسابقة الرسمية للدورة، وتنافست فيها 21 فيلما على «أسد فينيسيا» الذهبي، وتصدر فيها الاهتمام فيلم «صوت هند رجب»، لاعتماده بشكل أساسي - في مزج ما بين الدراما والوثائقي - على التسجيلات الصوتية الحقيقية للطفلة الغزاوية «هند رجب» التي فقدت حياتها على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتركت صوتها في المكالمات الهاتفية مع العاملين في الهلال الأحمر الفلسطيني، وثيقة شاهدة على انهيار قوانين الإنسانية أمام صوت طفلة عمرها ٦ سنوات تتوسل الحياة في مواجهة دبابات الاحتلال التي أسكتت صوتها للأبد.

الفيلم حظى بتصفيق استمر 22 دقيقة في عرضه العالمي الأول بالمهرجان، وتوقع له عدد كبير من صحفيي الدول الأوروبية أن يكون على رأس قائمة الأفلام الحائزة جوائز هذه الدورة، بينما رشحه البعض للفوز بأسد فينيسيا الذهبي.

فيلم كوثر تنافس مع «بيت من الديناميت»، أحدث أفلام المخرجة الأمريكية كاثرين بيجلو، الحائزة جائزة الأوسكار كأفضل مخرجة عن «هارت لوكر» أو «خزانة الألم» في 2010، التي دخلت هذه المرة إلى أروقة البيت الأبيض مع توتر يشغل كل المؤسسات بعد رصد ضربة نووية وشيكة، وعدم وجود وقت لوقفها أو التصدي لها، وهنا يصبح رئيس الولايات المتحدة في مواجهة مع ضرورة الانتقام بضربة مضادة، وبالقوة ذاتها على كل البلدان، التي تكون وراء هذه الضربة، برغم عدم وجود معلومات مؤكدة عن الجهة المسئولة عنها، وهو ما يعنى التضحية بحياة الملايين من الطرفين، فقط بهدف رد الهيبة، وفرض الهيمنة والقوة.

على جانب آخر، دخل الفرنسي أوليفيه أساياس الحائز جائزة أفضل مخرج من مهرجان كان، في فيلمه الناطق بالإنجليزية «ساحر الكرملين»؛ إلى كواليس السياسة الروسية، واستخدام الدعاية في تبييض صورة المؤسسة الرئاسية بقيادة فلاديمير بوتين.

في حين اختار المكسيكي جييرمو ديل تورو - الحائز «أسد فينيسيا» من قبل عن فيلم «الشكل في الماء»- هذه المرة قصة وحش فرانكشتاين ليغوص في عمق النفس البشرية، ومعضلة الإنسان حين يتجاوز حدوده، ويصنع بيده ما لا يستطيع مواجهته.

ولم يبتعد اليوناني يورجوس لانثيموس كثيرا عن عالمه الغرائبي المعتاد في فيلمه الجديد «بوجونيا» الذي قامت ببطولته أيضا إيما ستون بطلة فيلمه «كائنات مسكينة» الفائز بجائزة «أسد فينيسيا» الذهبي، وأربع جوائز أوسكار عام 2023، إذ ينتقد المنظومة الرأسمالية، من خلال قصة شخصين من المهمشين يختطفان المديرة التنفيذية لواحدة من الشركات الاستثمارية الكبرى لاعتقاد أحدهما أنها كائن فضائي، ويشرع في تعذيبها بطرق مختلفة من بينها الصعق بالكهرباء، وذلك لكشف صلتها بالفضاء، وغرضها من الحضور إلى الأرض!

ويضع المخرج المشاهد طوال الفيلم في تساؤل بين إذا كان ما يعتقده هذا الشخص حقيقة أم أنه مريض نفسيا نتيجة لمروره بصدمات متتالية عدة، ووقوع أمه في غيبوبة نتيجة تجربة علاجية غير محسوبة النتائج قامت بها هذه الشركة .

أما فيلم جيم جارموش «Father Mother Sister Brother» فيبحث في العلاقات الأسرية بإيقاع هادئ كعادة أفلامه السابقة، من خلال ثلاث قصص لثلاث أسر من خلفيات مختلفة، والمشاعر الخفية التي يمكن رصدها في لحظات الصمت بين شخصيات الفيلم.

وبمزيج بارع بين الكوميديا السوداء والسخرية الاجتماعية يناقش المخرج الكوري الجنوبي بارك شان-ووك في فيلمه «لا يُوجد خيار آخر» تأثير الاستخدام الموسع للذكاء الاصطناعي فى مجال الصناعة الذى سيؤدي لفقد العديد من أصحاب الحرف والشهادات المتخصصة لوظائفهم مما يضع عبئا كبيرا على المجتمع ربما تكون نتائجه عنيفة ودموية من خلال شخصية عامل بصناعة الورق يفقد وظيفته في المصنع، وبعد فقده الأمل في العثور على وظيفة؛ يبدأ في رصد منافسيه، ويقتلهم واحدا تلو الآخر، ويُعتبر الفيلم واحدا من أقوى أفلام المسابقة هذا العام.

في حين يعود نوح بومباخ مرة أخرى إلى عالم العاملين بصناعة الفنون من خلال فيلم «جاي كيلي» الذى يجسد فيه جورج كلوني شخصية نجم سينمائي كبير مهدد بانحسار الأضواء عنه، ويجد نفسه في هذه المرحلة من حياته في مواجهة مع ماضيه والأشخاص الذين قام بالتضحية بهم في حياته، فى سبيل الوصول إلى قمة الشهرة.

ومن الأفلام المهمة في المسابقة أيضا «تشرق الشمس علينا جميعاً» للمخرج الصيني تساي شانغجون، وهو دراما عاطفية عن عاشقين يلتقيان بعد سنوات، ويمران بصراع نفسي مرير نتيجة لأخطاء الماضي التي دمرت حياة الطرفين، فهو محمل بمرارة الشعور بالخيانة والفقد، وهي غير قادرة على مواصلة الحياة بهذا الذنب.

وأثار الفيلم الغنائي الموسيقي التاريخي «وصية آن لي» للمخرجة النرويجية مونا فاستفولد الاهتمام أيضا بالعودة إلى تاريخ طائفة الشاكرز التي نشأت في مانشستر بإنجلترا في 1747، ثم انتقلت الى الولايات المتحدة، واستخدمت الرقص والغناء في التقرب إلى الله، ومنعت الزواج والإنجاب، وقادتها لفترة امرأة اسمها آن لي.

 

الأهرام اليومي في

07.09.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004