يقال نقدياً إن نسبة الأفلام الراقية فنياً وتلك التي تطرح
مواضيع جادة
وساخنة حين تصل الي 5% أو أكثر من مجمل الإنتاج السينمائي في بلد ما فإن
هذا يعني
أن صناعة السينما في هذا البلد بخير.. وهذه القاعدة بالطبع تنطبق اساساً
علي تلك
الدول التي تملك صناعة سينما كبيرة لها بنيتها الأساسية وجمهورها أما تلك
الدول
التي تصنع افلاماً مدعومة غالباً من الدولة أو من هيئات ثقافية غير ربحية
فلا ينطبق
عليها هذا
القول برمته حيث يكتسب هذا النوع من الانتاج تلقائياً طابعاً فنياً
ثقافياً حيث لا يعتمد في تمويله علي ايرادات الشباك بشكل أساسي. وفي
المنطقة
العربية يمكن القول إن البلدان التي تمتلك صناعة سينما حقيقية بهذا المفهوم
هي في
الأساس مصر والمغرب ولبنان أما بلدان مثل سوريا والجزائر وتونس فإن نسبة
اعتمادها
علي الدعم المقدم من الدولة أو الجهات الثقافية تتفاوت بين دولة وأخري ففي
حين
تعتمد السينما السورية اعتماداً شبه كامل علي مؤسسة السينما الحكومية فإن
السينما
الجزائرية تتلقي دعماً كبيراً من الدول ومن بعض الجهات الأوروبية لكن هذا
لا يمنع
من طموحها لاجتذاب قطاعات واسعة من الجماهير الجزائرية سواء في الداخل أو
الخارج
وهو أمر ينطبق الي حد ما علي الوضع في تونس. وفي كل الأحوال فإن المتابع
لحال
السينما العربية وإنتاجها في موسمها الأخير 2007 سوف يلاحظ بدون شك ان هذا
الانتاج
قد اشتمل علي عدد لا يستهان به من الأفلام الجادة والتي تطرح عدداً من
الموضوعات
الساخنة والمشكلات الحياتية والسياسية الواقعية من منظور لا يخضع للخطاب
الرسمي
والسائد. كما سيلاحظ ان عدداً آخر من الأفلام الجماهيرية الأقل جدية قد
اقتربت من
هذه الموضوعات أو توسلت بها للوصول للجماهيرية مما يعكس أهمية وجاذبية هذه
الموضوعات للجماهير العريضة للسينما. وإذا كانت صناعة السينما المصرية تمثل
ما لا
يزيد علي 60% من مجمل إنتاج السينما العربية فإن من المنطقي أن نبدأ برصد
هذه
الظاهرة من إنتاجها.. فقد انتجت السينما المصرية في عام 2007م (48) فيلماً
روائياً
طويلاً
وهو رقم يعود بها الي سابق عهدها ومعدل إنتاجها السنوي في سنوات الازدهار..
ومن بين هذه الأفلام يمكن الحديث عن ثلاثة أفلام شديدة الجرأة في موضوعها
وفي
رؤيتها وأسلوب طرحها وهي أفلام هي فوضي ليوسف شاهين وخالد يوسف وهو يناقش
فساد
وتغول اجهزة الأمن في مصر.. وفيلم حين ميسرة لخالد يوسف أيضاً وهو يجسد بؤس
حياة
الطبقات الفقيرة والمسحوقة في المجتمع المصري وأشكال القهر والاضطهاد
والفساد التي
تتعرض لها ثم أخيراً فيلم دنيا للمخرجة اللبنانية جو سلين صعب والذي يناقش
قصة
القهر الجنسي للمرأة مجسداً في عملية الختان وكما هو متوقع فقد أثارت هذه
الأفلام
الثلاثة ردود فعل حادة رافضة من الأجهزة الرسمية والمؤسسات والتيارات
الدينية وصلت
الي حد المطالبة بالمنع والاستجوابات أمام مجلس الشعب والقضايا أمام
المحاكم وفتاوي
التكفير والمعارك الإعلامية وبجانب هذه الأفلام الثلاثة يمكن رصد ثمانية
أفلام أخري
تراوحت ما بين الجدة والجدية في اختيار وطرح الموضوع وبين التوسل
بالموضوعات
الساخنة لكسب الجماهير ومن هذه الأفلام علي سبيل المثال فيلم الجزيرة لشريف
عرفة
الذي يصور قصة واقعية تكشف تحالفات أجهزة الأمن مع بعض الخارجين علي
القانون لتحقيق
أهداف أمنية في مرحلة من المراحل ثم الانقلاب عليهم وفيلم جوبا و عمليات
خاصة الذي
يتوسل بنضال الشعب الفلسطيني وحرب أجهزة المخابرات من أجل خلق أجواء مناسبة
لأفلام
الحركة أو الأكشن.. ثم مجموعة من الأفلام الرومانسية الواقعية التي تناقش
مشكلات
الشباب مثل قص ولزق لهالة خليل و شقة مصر الجديدة لمحمد خالد.. أما إذا
اتجهنا
شرقاً فسوف نجد أن سوريا قد انتجت ستة أفلام روائية طويلة جميعها من إنتاج
مؤسسة
السينما التابعة للدولة ومن بين هذه الأفلام الستة يتميز فيلم خارج التغطية
للمخرج
عبداللطيف عبدالحميد ورغم أن الفيلم يبدو في ظاهره دراما عاطفية إلا أن
تفاصيله
تقترب من بعض المحظورات والخطوط الحمراء حيث تدور قصته حول قصة حب تجمع بين
صديق
وزوجة صديق السجين السياسي والتي تصل الي حد كتابة تقارير لأجهزة المخابرات
ضد
صديقه لإطالة أمد اعتقاله.. وبجانب هذا الفيلم انتجت مؤسسة السينما ايضاً
فيلم
الهوية الذي أثار كثيراً من النقاش ما بين مؤيد ومعارض وهو يدور حول شاب
فلسطيني
يعتقد أن له حياة سابقة في الجولان فيقرر أن يرحل الي هناك ويجد نفسه
مشاركاً في
انتفاضة أهل الجولان أما في لبنان ورغم أن عدد الأفلام التي انتجتها هذا
العام
يتساوي مع ما انتجته سوريا إلا أن السينما اللبنانية سينما جماهيرية تجارية
تعتمد
بشكل أساسي علي شباك التذاكر وليس علي تمويل الدولة وهو الأمر الذي يجعل من
ظهور
أفلام جادة وراقية فنياً أمراً يدخل ضمن الظاهرة التي ترصدها وهي في الحالة
اللبنانية فيلمان هما تحت القصف للمخرج فيليب عرفتنجي الذي فاز بجائزة
مهرجان دبي
في دورته الأخيرة وهو يدور حول أم تبحث عن ابنها الضائع داخل قري الجنوب
المدمرة
جراء العدوان الاسرائيلي الأخير.. بالاضافة الي فيلم سكر بنات للمخرجة ندين
لبكي
الذي حصد هو الآخر عدداً غير قليل من جوائز المهرجانات التي شارك
فيها.
وعلي الضفة الأخري من العالم العربي يشهد الانتاج المغربي قفزة
نوعية
وكمية في أفلامه التي بلغت خمسة عشر فيلماً روائياً طويلاً تمزج في
اعتمادها ما بين
الدعم المقدم من الداخل والخارج ومن الإقبال الجماهيري داخلياً وفي المهجر
الأوروبي
ايضاً ومن بين هذه الأفلام الخمسة عشر يتميز بشكل واضح فيلما فين ماشي يا
موشي؟
للمخرج المخضرم حسن بن جلون وفيلم وداعاً أمهات للمخرج محمد اسماعيل
وكلاهما يتناول
قضية
شائكة هي قضية اليهود المغاربة وهجرة بعضهم لإسرائيل.. وفي تونس يتميز بشكل
واضح فيلم للمخرج الكبير نوري بوزيد ويسيطر علي المشهد وهو فيلم آخر فيلم
الذي يرصد
ويحلل ظاهرة التطرف الإسلامي في تونس.
الراية القطرية في 10
يناير 2008
|