ما
الذي يجعلنا نركز على الماضي والتراث إلى هذا الحد؟
أليست قضايا وتحديات الراهن أجدر بتسليط الضوء عليها ومناقشتها؟
يأبى
الدراميُّون
العرب إلا التغني بأمجاد أسلافهم ومآثرهم وبطولاتهم في العهود
الغابرة حتى أصبح
الأمر ظاهرة تستحق الوقوف عندها والإضاءة على بعض خلفياتها وأبعادها.
خالد بن
الوليد، عنترة بن شداد، أبو جعفر المنصور، الملك فاروق، سقف العالم، آخر
أيام غرناطة، باب الحارة 2، جرن الشاويش، كوم الحجر… الخ عناوين لأعمال
تلفزيونية
أنتجت في العام الماضي.
القاسم
المشترك بينها هو الطابع التاريخي التراثي لمضمونها.
وباستثناء
الإنتاج التلفزيوني المصري نجد أن هذا النمط من الأعمال احتل الخارطة
الدرامية العربية في السنوات الأخيرة، وتصدر قائمة العرض بلا منازع على
معظم
الشاشات العربية.
في جديد
إنتاجنا الدرامي العربي مسلسل بدوي يتولى إبراز مآثر العرب وشهامتهم في
القرن الثامن عشر.
المسلسل
الجديد من إنتاج إماراتي بكلفة وصلت حتى الآن إلى ستة ملايين دولار
أميركي، بحسب ما كشف القائمون على هذا العمل في مؤتمر صحفي مهيب عقدوه
للإعلان عن
هذا المسلسل في أفخم فنادق العاصمة السورية.
ومع
الاحترام والتقدير البالغ لإنجازات وإسهامات إمارة دبي وحاكمها الشيخ محمد
بن
راشد مموِّل المسلسل وصاحب أفكاره وأشعاره..إلى جانب تقدير النتاج المتميز
للقائمين على العمل من المخرج حاتم علي والكاتب هاني السعدي
إلى الفنان تيم حسن
وغيرهم..لكن مضمون المسلسل الجديد وغايته، إن وجدت، والتكلفة الباهظة التي
رصدت
لإنتاجه تطرح علامات استفهام كثيرة حول ظاهرة العودة إلى التراث والتاريخ
في
الدراما العربية ومبرراتها وجدواها.
ما الذي
يجعلنا نركز على الماضي والتراث إلى هذا الحد؟ أليست قضايا وتحديات
الراهن أجدر بتسليط الضوء عليها ومناقشتها؟ أم أن ثمة نوعاً من الإحساس
بالنقص
لدينا استدعى إنتاج هذا الكم الكبير من الأعمال ضمن قالب درامي
محبب للمشاهد العربي
بهدف التعويض عن مرارة الواقع العربي عبر استعادة الأمجاد الغابرة؟
أليس في
استحضار الماضي نوعاً من الهروب من هذا الواقع والتحديات والأزمات
والانتكاسات التي يشهدها؟
المشكلة
أن القائمين على صناعة الدراما يصرون على القفز فوق مشكلاتنا وأزماتنا
وخلفياتها ومسبباتها وأبعادها وكيفية معالجتها في إنتاجهم الدرامي، على
الرغم من
تكاثر هذه الأزمات وتفاقمها أمام أعينهم وأعيننا.
ومع الأخذ
بعين الاعتبار بأن الإنتاج الدرامي لا يُفترض أن يكون انعكاساً للمشهد
السياسي والاجتماعي والاقتصادي دون غيره، إلا أن التركيز إلى هذا الحد على
التراث
والتاريخ يؤشر إلى أزمة حقيقية وحالة من الإفلاس يشهدها
الإنتاج الدرامي في عالمنا
العربي.
صحيح أن
إمتاع المشاهد هو أحد وظائف الدراما لكن مجرد البحث عن المتعة في
الإنتاج الدرامي ينحط بالدراما ويهبط بمستواها ويقلل من قيمتها بوصفها
حاملاً
رئيسياً من حوامل الثقافة المجتمعية انطلاقاً من تأثيرها
البالغ على وعي المجتمعات
وسلوكها.
فهل نحن
من سكان السويد وأطفالنا وشباننا وشاباتنا ورجالنا ونساؤنا وشيبنا
غارقون في النعيم وسائمون من رغد الحياة وزاهدون في متاعها وكارهون لرتابة
نمطها
ومطمئنون لخلوها من المشكلات والمنغصات، حتى وصل الأمر بصنّاع
الدراما العرب إلى
التفرغ للتغني بالتراث والفولكلور الشعبي وبمآثر وبطولات الأجداد وبأمجاد
التاريخ
العربي والإسلامي؟
أين قضايا
البطالة والفقر والأمية والتنمية والفساد والتلوث الفكري والبصري
والبيئي من الدراما؟ أين قضايا المرأة وتحريرها وحقوقها والعنف الذي يمارس
بحقها؟
أين مشكلات الشباب والتحديات التي يواجهونها في القرن الحادي
والعشرين؟ وماذا عن
قضايا الطفل وحقوقه والانتهاكات التي يتعرض لها من عمالة الأطفال إلى العنف
ضدهم؟
ماذا عن
قضايا التعليم والمناهج والمؤسسات التعليمية والتربوية؟ ماذا عن غياب
البحث العلمي والتصنيع والإنتاج والحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان
العربي
والعقول العربية المهاجرة؟ أين الدراما من قضايا الإرهاب
والتطرف الديني والمذهبي
والحزبي والفكري والاحتقان الطائفي والمذهبي؟ وأين هي من ثقافة الحوار
والقبول
بالآخر الشريك في الوطن؟
أين
القضايا والتحديات الكبرى من الدراما؟ ولماذا يصر صناع الدراما على استعراض
التاريخ العربي المشرق وينسون أو يتناسون شتى ظواهر التخلف والعجز العربي؟
تساؤلات
كثيرة لكنها مشروعة وملحة، نضعها برسم صناع الدراما في عالمنا العربي
لعلهم يعيدون حساباتهم ويعطون الأولوية لتصحيح واقع بلدانهم ومجتمعاتهم
والمشكلات
والأزمات والتحديات التي تواجهها.
ميدل إيست أنلاين في 13
يناير 2008
|