اختار
السيناريست ناصر عبدالرحمن بداية أحداث الفيلم عام 1991 أثناء حرب العراق،
وعودة العمالة المصرية من هناك، وتزايد أزمة البطالة، من خلال "عادل" الذي
عجز في مواجهة الفقر ومسئوليته عن والدته وأبناء شقيقه الأكبر رضا الذي
يغيب في العراق، ولا يعود أبدا، كما يعول عادل أبناء شقيقته التي يقتلها
زوجها، ونعرف من الأحداث أن رضا انضم لتنظيم "القاعدة"، ويرتبط "عادل"
بعلاقة عاطفية مع "ناهد" الفتاة الهاربة من الريف والتي يتعرف عليها صدفة
أثناء استغاثتها من محاولة اغتصاب، وتثمر العلاقة طفلا غير شرعي، يرفض
"عادل" الاعتراف به لضيق ذات اليد، فتتركه والدته في الشارع وتربيه إحدي
الأسر لفترة حتي يهرب. تستمر أحداث الفيلم حتي عام 2003 وسقوط بغداد، وما
بين الفترتين نري كيف زاد المتطرفون في المنطقة العشوائية، وزادت تجارة
المخدرات من جهة أخري، وكيف تستخدم الشرطة أمثال "عادل" للوشاية
بالمتطرفين، بينما تسمح له بالبلطجة وتترك نفوذه يتزايد طالما يؤدي دوره
فيما يخص الجماعات الإرهابية، فيما تخوض "ناهد" صراعا آخر مع الحياة مقاومة
لآخر وقت.
قدم
السيناريست ناصر عبدالرحمن رؤيته ورسالته من خلال دراما مستعرضة ـ يبدو
أنها ملمح في كتاباته ـ فقدم لنا كيف تنتج العشوائيات عناصر لا غالي لديها
وتعي تماما موقعها في هذا المجتمع.. وتسلك سلوكا عدوانيا لكل الذل والهوان
الذي تتجرعه.
فقد
استطاع خالد يوسف ترجمة رؤية الكاتب وتجسيدها في صورة سينمائية تؤكد
حرفيته، فوجدنا حركة كاميرا جيدة وتنوعا في اللقطات، كما برع بشكل خاص في
تقديم الانفجارات والمعارك وخاصة التي دارت بين الجماعات والشرطة وإن جاءت
مبالغة، وقدم خالد يوسف نموذجا للذهنية الأمنية المعمول بها في التعامل مع
سكان العشوائيات، فهم لا يتورعون عن ممارسة أفظع أساليب التحقيق للحصول علي
المعلومات فجاء مشهد تعذيب الأهالي من اجل نزع أي معلومات عن رضا، والتقطيع
بينه وبين رقص ناهد في الكباريه من المشاهد المتميزة التي عبرت عن تطابق
الانتهاك في المشهدين، ومثله التقطيع بين انفجارات العشوائيات بفعل
الإرهابيين والحكومة، وانفجار العراق بفعل الأمريكان.. كما برع يوسف في
إدارة المجموعات والممثلين وأعاد اكتشاف عمرو عبد الجليل الذي قدم أداء
مبهرا متفهما لأبعاد شخصيته ولم يقع في فخ المبالغة وكان مفجرا للكوميديا،
طوال الوقت، فكان بذلك يخفف من وطأة الأحداث الصادمة.. أما عمرو سعد بوجهه
المصري فشعرنا بأنه قريب جدا من قلوبنا واستطاع أن يوظف كل قدراته في
الأداء الذي أقنعنا بحرفيته في تقمص الشخصية لدرجة التوحد فاستخدم وجهه
وجسده وصوته بكل إتقان، وقدمت هالة فاخر أداء راقيا من خلال شخصية مهزومة
طحنها الفقر تحلم بالخلاص، وتواصل وفاء عامر مسيرة النضج والتطور في شخصية
نحمده التي تحمل سمات أولاد البلد رغم واقعها المرير فتحافظ علي مشاعر
زوجها الذي لا يتورع عن إيذائها، أما سمية الخشاب في شخصية ناهد فقدمت
دورها في حدود المطلوب منها وحرصت علي تنفيذ تعليمات مخرج واع بحجم وحرفية
خالد يوسف، سامي مغاوري قدم دورا مقنعا أقل كثيرا من قدراته، ومثله سوسن
بدر التي أتقنت تجسيد سيدة متصابة بشهوانية.
الموسيقي
لم تكن مؤثرة وجاءت وكأنها مقتطفات من أكثر من فيلم، وجاءت الأغنيتان داخل
الأحداث موظفتين بشكل جيد وعبرتا عن حال الناس في هذه المناطق، كما جاءت
الأغنية الرئيسية معبرة عن فكرة الفيلم وأجاد ممدوح بيرم أداءها، غير أن
أجمل ما الفيلم هو ديكور حامد حمدان الذي جاء معبرا عن منطقة موجودة بالفعل
في حي الشرابية وإن كانت عملية هدم تلك العشش ببلدوزر الحكومة لم يكن موفقا
بالقدر الكافي!، وكاميرا رمسيس مرزوق كعادتها حساسة ولديها قدرة فائقة علي
نقل التفاصيل مستخدما الظل والضوء في حرفية تنم عن خبرة سنوات من الإبداع.
خالد يوسف
لم يتنازل عن مغازلته لشباك التذاكر الذي كسب رهانه بتقديم البهارات
التجارية من مشاهد أكشن وكليشيهات فتونة وإشعال حرائق ورقص مع إطالة مشهد
الاغتصاب ومشهد الشذوذ الجنسي، ما أضعف فيلما كان يمكن أن يكون أفضل ما قدم
خالد يوسف.
العربي المصرية في 14
يناير 2008
|