يشهد عام
2008 عودة الأعمال الأدبية إلي شاشة السينما؟! فقد انتهي العام الماضي ولم
نشهد فيلماً واحداً مأخذواً عن رواية أدبية مثلما حدث عام 2006 وشاهدنا
"عمارة يعقوبيان" المأخوذ عن رواية علاء الأسواني. وأثار ضجة كبري وسط
أفلام الصيف الهزيلة وحقق أعلي ايرادات ذلك الموسم. وبالطبع لا أحد ينكر
فضل الأديب العالمي نجيب محفوظ علي السينما المصرية. التي أخذت من أدبه
عشرات القصص والروايات. لكن أدباء ما بعد جيل نجيب محفوظ لم تظهر أعمالهم
علي الشاشة. فهل أدارت السينما المصرية ظهرها للأدب ولم تعد تهتم بتقديمه؟
حمل العام
الجديد بعض الأخبار السارة. فقد اشترت احدي شركات الانتاج الكبري رواية
"شيكاغو" لعلاء الأسواني لتحولها إلي فيلم. وتسعي المخرجة هالة جلال لتحويل
رواية "نقطة الضوء" لبهاء طاهر إلي فيلم يكتب له السيناريو بلال فضل.
ويعود
المخرج المصري المهاجر إلي ألمانيا سمير نصر الصيف القادم لمتابعة مشروعه
لتحويل رواية "شرف" لصنع الله إبراهيم إلي فيلم يكتب له هاني فوزي
السيناريو وهناك مشروع المخرج مجدي أحمد علي لتحويل رواية "عصافير النيل"
لإبراهيم أصلان إلي فيلم ومشاريع كثيرة حبيسة الأدراج تنتظر الفرصة لتخرج
من أوراق الكتب إلي شاشة السينما.
مصور
إلهام
يهتم كاتب
السيناريو تامر حبيب بالأدب حتي أن مشروع تخرجه من معهد السينما كان تحويل
رواية "النظارة السوداء لاحسان عبدالقدوس إلي فيلم برؤية مختلفة عن سيناريو
لوسيان لامبير الذي قدمه المخرج حسام الدين مصطفي للسينما عام .1963
يقول تامر
حبيب: الروايات الأدبية مصدر غني لأي سيناريست لأن الأديب وكاتب السيناريو
كلاهما يهتم بالدراما فيما يكتب ومساحة الحرية عند الأديب أكبر من مساحة
الحرية عند كاتب السيناريو. بدليل أن هناك رقابة علي السينما ولا توجد
رقابة مسبقة علي ما يكتبه الأديب. واذا وقعت مشكلة ما بعد النشر يتم سحب
القصة من الأسواق وهذا نادراً ما يحدث. لكن السينما لأنها فن جماهيري
ويشاهده الآلاف في دور العرض ثم الملايين علي شاشة التليفزيون والفضائيات.
فان الرقابة تكون شديدة خاصة ان المجتمعات العربية لا تتمتع بنفس القدر من
الحرية بالاضافة إلي ان الحالة الثقافية العامة "هبطت" ولم يعد الناس
يهتمون بالأدب مثل الأجيال القديمة في الأربعينيات والخمسينيات. اليوم بعض
الشباب يقرأ علي النت ولا يعرف الشكل التقليدي للقراءة حيث الرواية في كتاب
تأخذه معك أينما ذهبت.
ويضيف
تامر حبيب: أعترف بانني لا أفكر في تحويل أي رواية إلي سيناريو ولا أسعي
إلي ذلك. فالروايات الحديثة اما لا تصلح للسينما أو أنا لا أتحمس لتحويلها
لأسباب تتعلق باهتمامات المنتجين هذه الأيام أما رواية "عمارة يعقوبيان"
فهي استثناء ونجحت لأسباب كثيرة فهي تعبر تماماً عن الأوضاع الاجتماعية
الحالية وهي رواية سينمائية بمعني انك تقرأها وكأنك تشاهد فيلماً.
الأدب
والحياة
قدمت
الفنانة جيهان فاضل أحسن أدوارها في أفلام مأخوذة عن قصص أدبية. أشهرها دور
سامية في فيلم "الشرق" للمخرج محمد شعبان عن رواية "بيوت وراء الأشجار"
لمحمد البساطي. ودورها المتميز في فيلم "خريف آدم" لمحمد كامل القليوبي عن
قصة علاء عزام وقد حصلت علي جائزة أفضل ممثلة من المهرجان القومي للسينما
عن هذا الدور.
تقول
جيهان فاضل: تعلقت بقصص إحسان عبدالقدوس التي تحولت إلي أفلام. وأحببت
السينما من تلك القصص. لأن الأدب يقدم لنا الحياة بحلوها ومرها في صورة
كلمات بسيطة تقرأها لكنها تمنحك أفكاراً جديدة عن أشخاص ربما تكون قابلتهم
في الحقيقة ومع زحمة الحياة مروا مرور الكرام. لكن الأديب يتوقف عند هؤلاء
ويكلمك عنهم. وأعتقد أن السينما لا يمكن ان تستغني عن الأدب. لكن المنتجين
حاليا لا يهتمون للأسف بنقل الأدب إلي السينما والأمل في أفلام وزارة
الثقافة أو جهاز السينما ومازلت أحلم بأفلام تعيدني إلي القصص الجميلة التي
كنا نقرأها زمان.
عين
السينمائي
المخرج
سمير نصر يعيش في ألمانيا واخرج بعض الأفلام للتليفزيون الألماني ويسعي
لتحويل رواية "شرف" لصنع الله ابراهيم إلي فيلم.. ويقول:
يستطيع
الأدب أن يحدث نقلة في السينما وحتي الآن لا أنسي فيلم "الكيت كات" للمخرج
داود عبدالسيد عن رواية ابراهيم أصلان "مالك الحزين". فهو واحد من الأفلام
التي تنقل السينما المصرية إلي سكة مختلفة تماماً وأجواء نعرفها جميعاً حيث
الأحياء الشعبية ولكن برؤية جديدة وعين الأديب التي هي تختلف بالطبع عن عين
السينمائي. وهذا الفيلم بالتحديد حقق المعادلة الصعبة ولم يأت نجاحه من
فراغ. لذلك أنا متحمس دائماً لنقل الأدب إلي شاشة السينما. ورواية "شرف"
أعجبتني كثيرا عندما قرأتها لأنها لخصت مأساة مواطن شاب سعي للحفاظ علي
شرفه أمام الأجنبي. واذا به يفقد هذا الشرف علي يد أبناء وطنه!!
ويضيف
سمير نصر: سعدت بتجربة المخرج يسري نصر الله ورواية "باب الشمس" لالياس
خوري التي قدمها في فيلم طويل من جزءين يشرح ما حدث للقضية الفلسطينية خلال
أربعين عاماً دون ضجيج أو افتعال ومن خلال قصة حب وزواج عاصرت كل الأحداث
بداية من التهجير عام 1948 وحتي صبرا وشاتيلا وانتفاضة أطفال الحجارة في
الثمانينيات.
أصول
الدراما
الناقد
السينمائي مدحت محفوظ يري ان السينما العالمية ارتبطت بالأدب طوال تاريخها
منذ فيلم "ذهب مع الريح" وحتي "شفرة دافنش" ويقول:
السينما
تعلمت من الأدب أصول الدراما. تعلمت الاهتمام بالشخصيات والصراع الداخلي
والحدث وتطوره وجاذبيته وتأثيره القوي واستخدام العواطف الإنسانية مثل الحب
والغيرة والخوف واستخدام الجنس ونقلت المشاهد الحسية من الأدب إلي الشاشة.
وهي أشياء لم تكن السينما تعرفها حتي أصبحت هناك مواصفات للقصة الأدبية
التي تصلح للسينما. انفعالات شديدة فقر مدقع أو ثراء فاحش.. اخلاص في الحب
أو خيانة صريحة وهكذا. والرواية التي تحقق شهرة ومبيعات تستغلها السينما
وتعتبر شهرة الرواية دعاية مجانية للفيلم المأخوذ عنها. وتعلم المنتجون ان
يعطوا تلك الروايات ليقوم ببطولتها نجوم السينما حتي يكون نجاح الفيلم
"مضموناً" مثل توم هانكس في "شفرة دافنشي".
ويضيف
مدحت محفوظ: الروايات المصرية التي نجحت علي شاشة السينما أحبها الجمهور
لأنها غنية بالانفعالات الحادة أو الأحداث الغريبة مثل شخصيات "عمارة
يعقوبيان".. ابن البواب الذي تحول إلي ارهابي وماسح الأحذية الذي أصبح
عضواً في مجلس الشعب والصحفي الشاذ جنسياً. هذه شخصيات مثيرة للجدل
ودرامية. إلي جانب كم النجوم الذين جمعهم المنتج في هذا الفيلم لذلك نجح
نجاحاً ساحقاً. هذه هي مواصفات نقل الأدب للشاشة حالياً. لكن السينما
المصرية في الماضي قدمت "دعاء الكروان" عن قصة طه حسين حب وانتقام وبيئة
صعيدية مغلقة وطبعاً فاتن حمامة التي لم تعرف أفلامها الفشل أبداً. "السمان
والخريف" مليء بالجنس. وكذلك أفلام نبيلة عبيد مع قصص احسان عبدالقدوس.
وقصص يوسف ادريس خاصة "الحرام". و"النداهة" حتي المخرجين الشباب فيما عرف
بالسينما المستقلة يقدمون يوسف ادريس في أفلامهم مثل "بيت من لحم" لرامي
عبدالجبار و"أكبر الكبائر" ليوسف هشام و"راجلها" عن رواية لأهداف سويف.
وكلها تعتمد علي المشاعر المتدفقة الحادة.
الجمهورية المصرية في 17
يناير 2008
|