بعد تجربة
طويلة في مجال صناعة الأفلام الدعائية، يأتينا فيليب سكاف، صاحب شركة
الدعايات العريقة، بأول فيلم روائي قصير له سمّاه «الدرس رقم خمسة»،
متأرجحاً بين نمط التعلق بالماضي وضرورة الدخول إلى المستقبل، وأيضاً بين
الشرق والغرب، بين «التيولوجيا والتكنولوجيا» (بحسب تعبيره)، بين الهذيان
والحقيقة.
فيلمه هذا
الذي جال المهرجانات واقتنص الجوائز، هو نوع من هجاء اجتماعي سياسي يتأمل
في التداعيات العالمية لصدام الحضارات في ظلّ الانقسامات الجديدة التي
يشهدها العالم. هذا الخطاب كله في فيلم لا تتجاوز مدته لنصف ساعة.
يضع سكاف
كاميراته في مدينة بيبلوس التاريخية حيث يقدِم أستاذ اللغة الإنجليزية
انطوان كرباج على مساعدة مجموعة من المسنّين للحصول على تأشيرة للهجرة إلى
الولايات المتحدة الأميركية. ولكن بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 تأخذ
قصّتهم منحى آخر، إذ يأخذهم سفرهم إلى أبعد مما كانوا يأملون.
سكاف الذي
سبق أن صدر له كتاب بعنوان «جمهورية الباطون»، متضلع من النقاشات الدائرة
حول شؤون الحياة والفنّ وصراع الحضارات إلى غير ذلك، بيد انه رغم سوداوية
شريطه هذا، ألاّ انه يرفض أن يكون له موقفاً تشاؤمياً إزاء ما يدور في
الشرق الأوسط.
يقول:
ظروف الشرق تمسّني كثيراً، هذا الشرق الذي اعتبره سجاداً جميلاً متعدد
اللون، ألوان كانت تتعايش فيما بينها، لكن مع القضية الفلسطينية صار اللون
الأحمر الدموي هو الطاغي على باقي ألوان هذا السجاد.
هذا الجرح
الكبير أوصلنا إلى حيث نحن اليوم، وأوصل المنطقة كذلك، وأيضاً ما وراءها،
لأن منطقتنا هذه لا تنتهي عند حدود الشرق، ففيها ما يسمّى الأوطان والعروبة
والإسلام. الشرخ القائم اليوم بين الشرق والغرب سببه الطريقة التي عولجت
بها القضية الفلسطينية، وهنا لا بدّ من التنويه بأن الأخطاء تقع على
الجميع. لا احمّل أحداً المسؤولية.
القيادات
في منطقتنا تتحمل جزءاً منها، ما أوصلنا إلى اليأس والذلّ، علماً بأن
الشرقي لا يحبّ الإذلال، ورد فعله يتصاعد حين يكون عرضة للذل!، بدلاً من أن
نذهب في اتجاه الحضارة بعد الحرب العالمية الثانية، كان مصيرنا التخلّف
لأنه جاءتنا قضية لم نعرف كيف ننظر إليها رغم إننا أصحاب حقّ.
في الفيلم
إطلالة صغيرة للمغنية اللبنانية ميّ الحريري، مشهد سريع نراها فيه لكن تترك
أثراً. فعندما تُسأل ماذا تفعل حين تذهب مع الآخرين إلى المريخ، تقول:
«طالعة احكي!«. يفسّر سكاف، الذي كان يحلم بالسينما منذ بداية وعيه للدنيا،
هذا المشهد على النحو الآتي: الشرقيون يريدون من المرأة الشرقية أن تكون
جميلة وتسكت، نحن مجتمع نتبع معيار الجمال لإطلاق الأحكام على النساء.
لا نمنح
المرأة الأدوار، عليها أن تشق طريقها بنفسها. هذا الموضوع يهمني جداً،
وسيكون محور فيلمي المقبل، وأعتقد أن دور المرأة في الشرق هو المؤشر
لتطوّره أو تخلّفه، وهذا ينسحب على كل المجتمعات، كلّ مجتمع يمنح المرأة
دورها الحقيقي وحريتها، يكون مجتمعاً تقدمياً، وحين تكون المرأة مكبوتة
يكون المجتمع متخلّفا.
أعرف انه
هناك من ليس ذكورياً، لكن السلطة ذكورية، نحن في منطقة خرجت منها زنوبيا
وأليسار وبترا وكليوباترا ونفرتيتي، لكن عدم ثقة الرجل بنفسه أوصل المنطقة
إلى التخلّف والكبت اللذين نشهدهما حالياً على أكثر من مستوى
البيان الإماراتية في 21
يناير 2008
|