في احتفال
مهرجان القاهرة بمئوية السينما عام 1996 اشترك مائة من السينمائيين والكتاب
والنقاد في استفتاء حظي بالاحترام والتقدير، فلماذا لجأ صرح ثقافي في حجم
مكتبة الإسكندرية إلي ثلاثة نقاد فقط؟ رغم جهد أحمد الحضري في مراجعة
المادة والأخطاء واللغوية والنحوية إلا أنه لم يبذل ذاته الجهد في تحقيق
التكامل بين المقالات والتناسب بين قيمة كل فيلم والمساحة المخصصة له في
تقييمه لفيلم «رجال في العاصفة» لم يجد سمير فريد سوي ثمانية سطور من
العبارات العامة مثل «ينتمي للسينما الطبيعية بامتياز» وفيلم يؤكد فيه حسام
الدين مصطفي قدراته كمخرج متمكن من أدواته تتضمن القائمة فيلم «أين عمري»
وهو نموذج للأداء المفتعل من بطلته ماجدة السيناريو الملفق والأسلوب شديد
التقليدية لمخرجه أحمد ضياء الدين فريدة مرعي في تقييمها لفيلم «سمارة» لم
تجد ما تطرحه سوي معلومات قليلة عن نجاح القصة كمسلسل إذاعي أما في فيلم
«تمر حنة» فلم يوجد أي مبرر يذكر لأهميته!! فريال كامل كتبت عن فيلم «لحم
رخيص» وهي تقيمه أنه مباشر وسطحي ومترهل الإيقاع ولم تتمكن مخرجته من ربط
قضيته بجذورها!!علي الرغم من تعالي الأصوات المعارضة والمتشككة في صحة
الاحتفال بمئوية السينما المصرية في 007 إلا أن مكتبة الإسكندرية أقامت
الاحتفال وأصدرت في هذه المناسبة كتابا يتضمن عرضاً وتقييماً لمائة فيلم
بإعتبارها الأهم في تاريخ السينما المصرية طبقا لاختيارات النقاد الثلاثة
سمير فريد وأحمد الحضري وكمال رمزي . وفي الحقيقة أن خبرة النقاد الثلاثة
ليست محل شك وهم يعرفون جيدا ما أكنه لهم من احترام رغما عن أي خلاف ..ولكن
لماذا يتحملون وحدهم مسئولية هذا الاختيار خاصة وهم يقدمونه من خلال صرح
ثقافي وحضاري كبير في حجم مكتبة الإسكندرية وليس جمعية سينمائية صغيرة أو
صفحة فنية بجريدة إقليمية ؟ وإذا كان الاحتفال بمئوية السينما الذي أقامه
مهرجان القاهرة في عام 1996 وتضمن اختيار قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ
السينما المصرية بناء علي إستفتاء شارك فيه مائة من السينمائيين والكتاب
والنقاد قد حظي بإحترام وتقدير الجميع فلابد أن يجد النقاد الثلاثة معايير
جديدة للاختيار وليكن اختيار الأهم وليس الأفضل طبقا لما اتفقوا عليه
.وربما تجد عزيزي القارئ صعوبة كبيرة في التمييز بين الأهم والأفضل ولعل
كلمات أحمد الحضري لا تزيد الأمر إلتباسا حين يقول اتفقنا نحن الثلاثة في
بداية الاجتماع لكي لا نكرر- كما لوكان عدم التكرار هو هدف في حد ذاته - ما
سبق أن تم اختياره من الأفلام المصرية الروائية الطويلة في الإستفتاءات
السابقة وما يماثلها وبما أن هذه المناسبة وهو السبب الأقوي هي مناسبة
الاحتفال بمئوية السينما المصرية أن نوجه إختيارنا لا إلي أفضل مائة فيلم
أو أحسنها ولكن إلي أهمها حيث يجب أن ينصب اختيارنا علي الأفلام التي تعتبر
علامة واضحة خلال هذه المسيرة الطويلة ..الأفلام التي خطت بالسينما المصرية
خطوة صحيحة إلي الأمام ..الأفلام التي قدمت لنا الجديد في الموضوع أو
المعالجة أو الشخصيات أو التقنيات ..الأفلام التي تضم أعلام السينما
المصرية ورموزها دون أن تغفل أحدا منهم بقدر الإمكان ..الأفلام التي قدمت
لنا فنانين وفنيين أثبتوا مكانتهم ودورهم في قيادة هذا الفن الجديد حتي نما
عطاؤهم وتواصل عبر سنوات طوال ..الأفلام التي اكتسبت صفة الخلود واستحقت أن
نطلق عليها تعبير كلاسيكيات السينما المصرية .مهما كان نصيب كل من هذه
الأفلام من الدرجات أو التقديرات في حد ذاتها حسب رأي اللجان
المختلفة....علي أن يتضمن الكتاب بيانات الأفلام مع ذكر أكبر عدد من أسماء
الفنانين والفنيين تمشيا مع الرغبة في الاعتراف بفضل كل من بني لبنة في هذا
البناء الضخم .. هذا إلي جانب تلخيص قصة الفيلم وتقييمه لإظهار الأسباب من
وراء اختيار هذا الفيلم ليكون كعلامة علي الطريق.وحتي لو قبلنا هذه
المعايير الفضفاضة التي تتفق في معظمها مع مسألة الأفضل أيضا سوف نجد
القائمة تضم أفلاما من الصعب وصفها بالأهم ومنها مثلا فيلم غرام وانتقام
الذي لم يستطع سمير فريد أن يجد ما يكتبه عنه أكثر من 15 سطراً لا تتضمن
سوي أخبارا صحفية عن أسمهان وتكرار لبيانات الفيلم وعبارات أقرب لما يكتب
في مطبوعات الدعاية من نوعية فيلم كبير من إنتاج ستوديو مصر كان من الأحداث
الكبري عام 1944 وحقق إقبالا جماهيريا هائلا .وكان الفيلم الوحيد الذي حضر
حفل افتتاح عرضه الأول الملك فاروق. عشوائية الاختيار والتقيمأما المخرج
نيازي مصطفي مثلا فيذكر الكتاب أنهم اختاروا له فيلمين فقط من بين إنتاجه
الضخم لكي تتضمنهما هذه القائمة هما فيلما سلامة في خير وعنتر وعبلةو
يمثلان نوعيتين من الأفلام التي اتجه نيازي مصطفي إلي العمل في مجالها .
وأنا أري أن فيلم سلامة في خير هو بحق من أهم وأفضل الأفلام في تاريخنا
السينمائي كما هو مذكور في أكثر من استفتاء سابق . ولكن لا يمكن اعتبار
فيلم عنتر وعبلة فيلما له قيمة تذكر لا في تاريخ السينما ولا نيازي نفسه
الذي قدم العديد من الأفلام الرائعة في مجال الحركة والخدع أيضا والتي لم
يرد ذكر دوره فيها علي الإطلاق أو اختيار أحد نماذجها وهو المخرج الأهم
والأشهر في مجالها..تتضمن القائمة أيضا فيلم أين عمري وهو فيلم نموذجي في
الأداء التمثيلي المفتعل عند ماجدة والسيناريو الملفق المفتقد لأدني درجات
الفهم الصحيح لفكرة وحدة الموضوع وأسلوب مخرجه أحمد ضياء الدين التقليدي
جدا - أما عن فيلم سمارة فالناقدة فريدة مرعي - وهي واحدة من سبعة نقاد
شاركوا الثلاثة أصحاب القائمة في الكتابة عن الأفلام المائة - لم تجد ما
تطرحه في تقييمها سوي معلومات قليلة عن نجاح القصة كمسلسل ثم عبارات عامة
عن قيمة الحب والتضحية والسموم البيضاء ..وتختم تقييمها للفيلم الذي من
الواضح أنها عصرت ذهنها فلم تجد ما تكتبه عن هذا العمل المتواضع سوي نصف
صفحة الفيلم في مجمله هو نتاج مناخ الخمسينيات . ونفس الأمر يتكرر مع فيلم
تمر حنة الذي لم تجد الناقدة سهام عبد السلام أي مبرر يذكر لأهميته ..أما
عن فيلم لا أنام فيكفي أن أذكر نكتة صلاح جاهين الشهيرة عند عرضه
تليفزيونيا حيث صور المشاهد وهو يستمع للمذيعة وهي تعلن عن عرض فيلم لا
أنام فأجابها وهو يتهيأ للنوم لأ.. أنام أحسن..ويشير المقال عن الفيلم أنه
يقدم موضوعا جديدا علي السينما المصرية فيطرح جانبا جادا ومدروسا عن أعماق
النفس البشرية وعقدة أليكترا..ولكن هل هذا في حد ذاته كافيا لإضفاء أهمية
علي الفيلم أم أنه من المهم أيضا أن يطرح هذا الموضوع بأسلوب فني جيد وقوي
ومؤثر ..؟ من عجائب القائمة أيضا فيلم لحسام الدين مصطفي باسم رجال في
العاصفة لا أعتقد أن أحدا يمكن أن يميزه عن كل أفلام الحركة التي قدمها
حسام الدين مصطفي ولم أقتنع من مقال سمير فريد نفسه أنه تمكن من هذا الأمر
فهو لم يجد سوي ثمانية أسطر لتقييمه استخدم فيها عبارات شديدة العمومية مثل
ينتمي للسينما الطبيعية بإمتياز ..معارضة لإمرأة في الطريق ..فيلم يؤكد فيه
حسام الدين مصطفي قدرته الفنية كمخرج متمكن من أدواته الحرفية ..ثم عبارة
كنت أتمني أن يراجع نفسه قبل أن يكتبها حين يقول فيلم لا يقل عن أي فيلم
مماثل في هوليود أو أي مكان عام 1960 ! ..نفس الأمر سوف تجده فيما يتعلق
بفيلم السكرية فلا يجد أحمد الحضري ما يبرر اختيار هذا الفيلم سوي ما كتبه
شريكه سمير فريد في فيلم السكرية يقدم حسن الإمام ساعتين من أفضل ما قدم في
حياته السينمائية الطويلة إن لم يكن أفضلها علي الإطلاق . سوف تجد أيضا
مبررات غريبة لاختيار أفلام مثل حمام الملاطيلي باعتباره أكثر الأفلام جرأة
في الزمن الذي صنع فيه ! ..أو مرسيدس كأول فيلم مصري يعالج مشكلة المثلية
الجنسية بصراحة مطلقة! . .. وعن فيلم لحم رخيص فمن الواضح أن الناقدة
الكبيرة فريال كامل كانت في أصعب موقف في تقييمها للفيلم وهي تبحث عن
مبررات أهميته فتذكر مثلا أنه من أفضل أفلام المخرجة إيناس الدغيدي -
ولكنها لا تستطيع أن تتخلي عن موضوعيتها فتذكر إنه فيلم أقرب لبرامج
التوعية في تناوله السطحي للأحداث والشخصيات .. ثم تعثر علي جانب إيجابي قد
يبرر أهمية الفيلم فتقول قدمت المخرجة منظومة من إيقاع متوازن يوصل مواقع
التصوير المتنوعة داخل الاستوديو وفي الحقول وعلي الطرق الزراعية ووازنت
أيضا بين المواقف الحوارية و المشاهد المرحة الزاخرة بالرقص والغناء -ولكن
الناقدة لا تستطيع أيضا أن تصمت عن عيب قاتل في الفيلم فتستدرك- وإن جنحت
إلي الطول مما يستدعي تدخل المونتير ..ثم تختم مقالها كمن تبرئ ذمتها تماما
فتقول وإن كانت المخرجة قد فصلت القضية عن جذورها وأغفلت مسئولية أجهزة
الدولة في تواجدها وتأخر المجتمع المدني في علاجها ..ولنتساءل في النهاية
ما قيمة وأهمية فيلم مباشر وسطحي ومترهل الإيقاع ولم تتمكن مخرجته من ربط
قضيته بجذورها ؟!وعلي الرغم مما أثق فيه من جهد بذله محرر الكتاب أحمد
الحضري في دقته المتناهية ومراجعته للمادة والاخطاء اللغوية والنحوية إلا
أنه لم يكن حريصا بنفس القدر علي تحقيق وحدة في الشكل العام للمقالات
بالتنسيق بين كتابها لتحقيق التكامل بينها والتناسب بين قيمة الأفلام
والمساحات المخصصة لها لتعبر بوضوح عن قيمتها أو حيثيات اختيارها مهما
اختلفنا حول مدي أهمية هذا الفيلم أو ذاك .
جريدة القاهرة في 22
يناير 2008
|