حققت السينما الرومانية في العام الماضي أهم انجاز سينمائي في
تاريخها بفوز فيلم روماني لأول مرة بالسعفة الذهبية في مهرجان كان. وقد
ألحق المخرج الروماني كريستيان مونجيو هذا الفوز لفيلمه «أربعة شهور وثلاثة
أسابيع ويومان» بفوزه أيضاً في مسابقة الفيلم الأوروبي عن فئة أفضل فيلم
سينمائي وأفضل إخراج. وعلى الرغم من أن السينما في رومانيا تعود إلى بدايات
مبكرة من القرن الماضي إلا أن الظروف السياسية التي طرأت عليها، لم تمكنها
من أي إنجاز يذكر. ولكن مع دخول الألفية الثانية، بدأت السينما الرومانية
في لفت أنظار السينمائيين. ففي عام 2005، فاز الفيلم الروماني
The Death of Mr. Lazarescu
بجائزة «نظرة خاصة» في مهرجان كان السينمائي وأعقبها بجوائز جعلته أكثر
فيلم روماني يكرم في المحافل الدولية. تلا ذلك فوز المخرج الروماني
كورنيليو بورمبويو عن فيلمه 12:08
East of
Bucharest بجائزة الكاميرا الذهبية لأول عمل سينمائي في مهرجان كان.
وأخيراً فوز فيلم كريستيان نيميسكيو بجائزة نظرة خاصة في كان أيضاً عن
فيلمه
California Dreaming
عام 2007.
وما يجعل هذه الأعمال تكتسب أهمية خاصة هو عدم وجود صناعة
سينمائية في رومانيا، بل إن بعضاً من مقاطعاتها لا تحوي دور سينما، فهي
دولة فقيرة جداً، لا تزال تعاني من آثار النظام الشيوعي والديكتاتوري الذي
كانت ترزح تحت ثقله لفترة من الزمن. ولذا فقد كان من الطبيعي أن يطرح
الفيلم جزءا من هذه المعاناة التي كانت قائمة في ذلك العهد.
تدور أحداث الفيلم في رومانيا في عام 1987 أي قرب نهاية حكم
تشاوتشيسكو. ونشاهد فيها مغامرة غير محمودة العواقب، تتم خلال 24 ساعة،
لطالبة جامعية تدعى جابيتا (لورا فاسيليو)؛ حيث تقوم وبمساعدة صديقتها
أوتيليا (أناماريا مارينكا)، بعملية اجهاض. ولأن الاجهاض محظور في رومانيا،
تلجأ الطالبتان إلى من يعمل مثل هذه العمليات خفية، كما كل شيء آخر يحدث في
تلك البلاد. كل الممنوعات موجودة في الخفاء، وما أكثر هذه الممنوعات.
المشكلة تكمن في أن جابيتا انسانة ضعيفة وتفتقر إلى التصرف الحكيم، فهي
ترتكب الخطأ تلو الآخر، وتغطي على أخطائها بالكذب المستمر، دون إدراك لما
تجره هذه الأكاذيب من مخاطر، ولكنها محظوظة بصديقتها الوفية والعملية والتي
تتعرض بسبب هذه الصداقة لكثير من الحوادث المؤلمة.
أكبر أخطاء جابيتا أنها تكتمت على حملها ولم تفعل شيئاً حياله
حتى بلغ المدة التي كانت عنوان الفيلم وبهذا تحولت عملية الاجهاض من مخالفة
قانونية إلى جريمة تصل عقوبتها إلى عشر سنوات للحامل ولمن قام بعملية
الإجهاض. ثم أنها لم تقم بشيء مما طلبه منها الشخص الذي اتفقت معه على
تنفيذ عملية الإجهاض بعد أخذ رقم هاتفه من صديقة لها، وإنما أرسلت أوتيليا
التي قامت بكل الترتيبات المناسبة حسب قدرتها، واستطاعت بمشقة ايجار غرفة
في فندق لتكون مكان العملية، والذهاب إلى الطبيب لعقد اتفاق معه. عند
لقائها بالدكتور بيبي (فلاد ايفانوف) ذي الصوت الهادئ والوجه الحجري، تبدأ
عواقب أخطاء جابيتا بالوضوح، ومعها تجد أوتيليا نفسها ممزقة ما بين مشاعر
عطف وحب على صديقتها، وغضب منها لإخفائها الكثير من الحقائق عنها، وألم
وحزن نتيجة الموقف الذي جعلهما عرضة للإذلال والمهانة.
تذهب أوتيليا للعشاء مع عائلة صديقها أدي (أليكس بوتوسيان)
لتجد عالماً مختلفاً لأناس ارتضوا التعايش مع كل هذا الواقع المظلم، ولترى
نفسها وهي في وسطهم غارقة في التفكير فيما حدث معها من أحداث، وغير قادرة
على التفاعل معهم. فتعود مرة أخرى بسرعة للفندق بعد أن سيطر عليها الاحساس
بالذنب والقلق على صديقتها، وتجد أن أمامها مهمة أخيرة عليها تنفيذها.
يرينا الفيلم هذه القصة من خلال حوار مكتوب بحرفية، وسيناريو
محبوك بعناية يتناول كل التفاصيل الصغيرة والضرورية في ذات الوقت، دون
اطالة أو نقصان، وبواقعية صارخة. كما لو نسترق النظر على أشخاص حقيقيين
ونرى كل الأحداث التي واجهتهم. ولتأكيد هذا الاتجاه فقد كان الفيلم خالياً
من الموسيقى التصويرية، واتسم التمثيل بالتلقائية والطبيعية. وهنا لا بد من
الإشادة بالأداء الرائع لبطلة الفيلم (أناماريا مارينكا) فبوجهها المعبر
استطاعت أن ترينا كل العواطف المتناقضة الداخلية التي تعيشها الشخصية، خاصة
في مشهد العشاء مع العائلة. وقد سبق لهذه الممثلة أن فازت بجائزة
الأكاديمية البريطانية ((BAFTA
لأفضل أداء، عن دورها في المسلسل التلفزيوني القصير (Sex
Traffic)،
والذي تدور أحداثه عن عملية النصب التي تتعرض لها الفتيات القادمات من
أوروبا الشرقية لاستقدامهن لبريطانيا بعقود عمل مزورة ولينتهي بهن الحال في
بيوت دعارة.
كما أن المشاهد تم تصويرها بالكامل من دون أي قطع، وبإتقان
متناه من المصور أوليغ موتو ومخرج الفيلم وكاتبه مونجيو، من حيث اختيار
زوايا التصوير المناسبة؛ والتناوب بين كاميرا ثابتة في تصوير كثير من
المشاهد وكاميرا متحركة في بعض المشاهد الأخرى كالتي صورت في الشارع
وأوتيليا تركض ليلاً وهي في حالة من الخوف والهلع الشديدين. الفيلم يعبر عن
واقع قاس وكئيب ومخيف، وهي المشاعر التي يشعر بها المشاهد منذ اللحظات
الأولى، وتتكثف هذه المشاعر حتى النهاية من دون لحظة من فرح أو أمل. وكأن
هناك من يمسك بتلابيبنا ويلقي بنا في ذلك البلد المسكين، لنعيش واقعه
البائس حتى اللحظة الأخيرة. وعندها فقط نستطيع أن نسترد أنفاسنا. لذا فهو
ليس فيلما للتسلية أو للمتعة ولكنه فيلم ملتزم بقضايا وطنه يخبر عن آلام
ومعاناة أشخاص عاشوا تلك الفترة، ومروا بهذه التجارب القاسية؛ فقد توفيت
أثناء حكم تشاوتشيسكو أكثر من نصف مليون امرأة جراء عمليات الإجهاض
المحظورة. يؤكد لنا هذا الفيلم أن صناعة فيلم قوي ومتميز فنياً ليست
بالميزانيات الضخمة ولا بالنجوم التي تسرق الأضواء، فالفيلم من الأفلام ذات
الميزانية البسيطة، ربما لا تتجاوز ربع ما يصرف على الأفلام الهوليوودية
الضخمة. ومع ذلك استطاع أن يتبوأ المراكز الأولى في المهرجانات، ويحجز له
مكانا في قوائم كثير من النقاد لأهم عشرة أفلام في عام 2007، ومكانة في
نفوس مشاهديه.
haom@hotmail.co.uk
من
«بورات» إلى «المغولي» كازاخستان ونظرية المؤامرة
محمد
الظاهري
لم يكن الممثل الكوميدي البريطاني ساشا بارون كوهين بالممثل
المشهور على المستوى العالمي رغم ظهوره في عدد من البرامج التلفزيونية
وإعداده برنامجا خاصا به. إلا انه وفي عام 2006 استطاع أن يحقق ظاهرة
فيلمية في شريط كوميدي فريد في نوعه وذلك في فيلم
Borat.
ساشا في ذلك العمل كسر كل التابوهات المرتبطة بخصوصية الأفراد والمجتمعات
والثقافات ولم يبق أياً منها في منأى عن سخريته اللاذعة والاستفزازية. في
ذات الوقت لم يؤرقه كيف سينظر الناس إليه بعد هذا العمل، وكل ما أراد قوله
هو «إني سأسخر ملء فمي». كازاخستان هي إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي
السابق التي تعيش في الوقت الحالي في ظل نظام بيروقراطي تعيس جعل من شعبها
واحدا من أفقر شعوب العالم. وهي منسية في الغرب كما هي معظم جمهوريات
الاتحاد السوفييتي السابق. إلا أن شخصية بورات «الكازاخستانية» التي
ابتدعها ساشا في ذلك الفيلم جعلت كازاخستان على كل لسان. كان يفترض من
شخصية بورات أن تكون من طبقة مثقفة كونها تعمل في المجال الصحافي والإعلامي
إلا أنها على العكس من ذلك كانت استفزازية وعدائية وساخرة، لا تروق بأي حال
من الأحوال لأي من أولئك الذين يعتقدون بوجوب وجود ضوابط اجتماعية وأخلاقية
في الكوميديا. ومهما يكن فإن بورات وعلى الرغم من كل التحفظات التي يواجهها
فقد استطاع أن يكون ظاهرة ذلك العام وان يحقق إيرادات عالية وان يكون
الأشهر وعلى كل لسان. أما الفرد الكازاخستاني فكان عليه أن يتقبل تلك
المزحة الثقيلة على مضض والانتظار لسنة واحدة فقط لتدخل كازاخستان ترشيحات
الأوسكار في فرع أفضل فيلم أجنبي عن فيلم
Mongol
لأول مرة في تاريخها. فبعد أن كانت مثار سخرية القاصي والداني وطرفة
الجوائز الأميركية ونكتتها العام الفائت، تدخل هذه السنة بكل مالها من
عنفوان إلى جوائز الأوسكار بفيلم تاريخي من العيار الثقيل. إن إلقاء اللوم
دائما على هوليوود والسينما الأميركية في تشويه صورة الإنسان العربي
والنظرة العدائية التي يظهر بها العربي في تلك الأعمال، ومن ثم شن حملات
صحافية ونقدية على تلك الأعمال والدعوة دائما إلى الضغط على هوليوود لتغيير
سياساتها هي دعوات ساذجة تدل على هوان داخلي نعيشه نحن في صناعتنا التي لم
تستطع يوما أن تكون هي الضاغط والمؤثر. ما زلنا حتى هذا اليوم ندعو هوليوود
ونرجوها لتغيير نظرتها إلينا في الوقت الذي تصرف فيه ملايين الدولارات في
السينما العربية على كوميديا تافهة ودراما ساذجة. كل ما نريده هو خطوة
واحدة للأمام سوف تحدث بدورها أثرا كبيرا، وان نترك وراءنا نظريات المؤامرة
التي ما فتئت تثقل كاهل الإبداع العربي وتفت من عزيمته. ففيلم «الجنة الآن»
الفلسطيني لم يرشح لجوائز الأوسكار لأنه حقق رغبات اللوبي اليهودي بنظرته
الناقدة تجاه العمليات الاستشهادية، إنما استطاع أن يجعل من الفلسطيني
إنسانا يحب الحياة، ويتمنى الرخاء له والعيش بسلام كما يتمناها لغيره.
M_aldhahri@hotmail.com
الشرق الأوسط في 25
يناير 2008
|