عنوان الفيلم «قاسي القلب». البطل هو أنطون، الشاب الذي انتهى
لتوه من تأدية خدمته العسكرية التي دامت خمس سنوات. المكان: روسيا. الزمان:
أيامنا هذه. الحبكة: التغيرات السلبية والجذرية التي شهدتها أخيراً روسيا
التي أصبحت في نظر الشاب العائد غابة قانونها الأوحد هو «البقاء للأقوى».
أما الأحداث فكما يمكن أن نتوقع قاسية وصادمة على خلفية علاقات تفتقر إلى
أدنى مستويات القيم الإنسانية والأخلاقية، ينتصر فيها القوي ويُدهس الضعيف.
«قاسي القلب» هو العمل الروائي الطويل الأول للروسي الشاب
ألكسي ميزغيريف (33 سنة) وهو جاء قوياً وناضجاً على رغم أنه عمل أول، وشارك
في مسابقتي مهرجان «مانهايم» الألماني ومهرجان «مراكش». حصل من الأول على
الجائزة الثانية كأفضل فيلم وهي التي تحمل اسم المبدع الراحل فاسنبدر، كما
حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان مراكش.
عندما سُئل مخرج الفيلم عمَّ هي خصائص الفيلم الجيد في نظره؟
أجاب: «الفيلم الحقيقي يجب ألا يكون خطابه ممتثلاً أو تقليدياً، ليس فقط
على المستوى الاجتماعي لكن على المستوى الفني أيضاً.
وما فيلمه الأول إلا تجسيداً لهذه الخصائص التي يراها - مع
التحفظ قليلاً على الشق الفني - إذ قدم من خلاله إدانة شديدة اللهجة على ما
يحدث في بلاده اليوم، عارضاً بقوة وجرأة الحالة المتردية التي انحدر إليها
مجتمع روسيا ما بعد المرحلة الشيوعية، من عنف وغش وبطالة وفساد طول جهاز
الشرطة نفسه. هذه هي الصورة الجديدة لروسيا التي لا نعرف عنها الكثير حتى
أننا - ونحن بعيدون عنها هكذا - يمكن ان نراها صورة مبالغاً فيها.
صلب كصخرة
تبـــدأ الأحداث بعـــودة أنطون الفخـــــور بأدائه للخدمة
العسكرية مــردداً غير مرة أنه أصبح صلباً كالصخرة أو الـ «كريمين» وهو
عنوان الفيلم بالروسية. وهو يصل بالقطار الى موسكو حاملاً الخطاب القديم
الذي أرسلته له حبيبته، وهي قريبته في الوقت نفسه، قبل ذهابه للخدمة
العسكرية معربة له فيه عن حبها وعن انتظارها لـــه «مهما طال الزمن». لكن
العائد يكتشف أن حبيبته باتت على علاقة مع شاب آخر ونسيته تماماً، لكنه لا
ييأس من عودتها إليه. إثر هذا يبدأ انطون مواجهة مواقف جديدة وغريبة لم
يألفها من قبل في الشارع الروسي، فعندما يحاول شراء ساعة سويسرية الصنع
لحبيبته يفاجأ أن البائع يغشه ويعطيه ساعة صينية مقلدة فيتشاجر معه فيما
تقول له الفتاة «ألم أقل لك إنك تعيش في الماضي، الأشياء تغيرت هنا».
وعندما يريد قضاء حاجته والذهاب الى حمام محطة القطار يفاجأ بعامل المحطة
يطلب منه مقابلاً مادياً لاستخدام الحمام فتثور ثائرته على العامل الذي
يجلب له أفراداً من قوات الشرطة الموجودين حول المحطة والذين يشبعونه ضرباً
لكنهم يعرضون عليه في ما بعد العمل معهم.
يقبل أنطون هذا العرض خصوصا أنه لم يجد بعد أية وظيفة شاغرة، لكنه يكتشف
الفساد المستشري داخل هذه المجموعة من الضباط والتي هي بطبيعة الحال نموذج
عام للجهاز بأكمله، ويشهد كيف يمارسون البطش على الآخرين ويتلقون الرشى
ويفرضون الإتاوات ويزيفون الحقائق ويتسترون على الخارجين على القانون الى
استبدادهم بأبرياء في حال إدانتهم والتحكم القاسي في فتيات أجنبيات يعملن
بالدعارة ومنعهن من العودة الى بلادهن.
في البداية يفتتن انطون بهذه القوة وهذا النفوذ خصوصاً بعدما
أدرك انه من خلالهما يمكنه استرجاع حبيبته مرة أخرى. ويقوم بالفعل بتدبير
مكيدة لأبيها تفضي به إلى السجن من أجل الضغط عليه لإقناع ابنته بالزواج به،
لكنه يفيق في النهاية ويعود الى طبيعته الطيبة ويستطيع الإيقاع بالضباط
الفاسدين من حوله. وفي نهاية سعيدة تنطوي على بصيص من الأمل تتم ترقية
انطون فيسلك سلوك الشرطي النزيه المنضبط محاولاً إعادة قيم المهنة مجدداً
بين زملائه ومروؤسيه.
الحياة اللندنية في 1
فبراير 2008
|