لا يزال الفيلم السينمائي الجزائري "البيت الأصفر" للمخرج
الجزائري المغترب "عمر حكار"، يستقطب اهتمام النقاد في الجزائر وخارجها،
منذ الذي فعله في مهرجاني "لوكارنو" و"الفيلم الأمازيغي" مؤخرا، ويرى
كثيرون من متتبعي الفن السابع في الجزائر إنّ الفيلم وهو إنتاج مشترك
جزائري- فرنسي، استقطب كل هذه الشعبية لملامسته عمق معادلة الانتماء وخوضه
في حكايا الجمال الجزائري، رغم أنّ العمل لمن عايش مختلف مراحل إنجازه،
عٌدّ مغامرة حقيقية بعد افتقاد أسرة الفيلم للدعم المفترض لإنجاح المغامرة.
ذاكرة
المكان
" البيت الأصفر" تدور وقائعه في مرتفعات منطقة الأوراس (430
كلم شرق الجزائر)، وفي مناخ قروي معتّم، نتعرف على أسرة المٌزارع "مولود"،
التي تاب بفجيعة فقدان نجلها البكر، خلال أدائه الخدمة العسكرية وهو على
متن دراجته الناريةّ، وفي خضم هذه اللحظة المؤسية التي تدمي براءة الطفلة
آية (12 سنة) وتصيب الأم فاطمة في مقتل، ما يسقط العائلة في مطب مزمن،
يزيده هوانا معاناة مولود وعائلته من مشكلات معيشية فادحة، في صورة
الكهرباء التي يٌحرمون منها، ويقودنا المخرج عبر خط الفعل المتصل، ليتخذ من
استحضار العائلة المكلومة لتسجيل كشف تضحيات نجلها الراحل لأجل وطنه،
منعرجا يغيّر مسار الأحداث، إذ بداعي الفخر وتثمين رسالية فقيدهم، ينبري
مولود وفاطمة بمعية بنتهما آية لحرث قطعة أرض قاحلة، فيستعيدوا السكان
المحليون بسماتهم، ما يشيع جوا من الحبور والديناميكية في بلدتهم على نحو
ينهي محنة مزمنة تحيل على ما كابدته الجزائر في تاريخها الحديث، ويحرص صاحب
العمل على الدعوة لأفق مٌشرق يستلهم شعاعه من العذابات.
بلاغية
تشابيه
لعب المخرج حكار هنا على وتر التشابيه
METAPHORES،
فهو لكي يٌبرز معاني مجردة كالسعادة والحب والرقة، آثر التنميط لها
بوقائعية أسرة مزارع بسيط، وغاص بمخيال المتفرج في مجسمات الجبل الشاهق
والبيروقراطية المؤلمة والماء الزلال، كما لفت حكار الانتباه بتوزيعه الجيد
للأدوار والشخوص، بشكل شدّ الجمهور وجعله يتجاوب مع البعد العاطفي واللمسات
الإنسانية للعمل الذي استخرجت موضوعته من دفاتر المخرج وما اختزنته أيام
صباه.
نشيد وطن
الفيلم الذي تحدث باللهجة الشاوية الشائعة في الشرق الجزائري،
في سابقة سينمائية أولى من نوعها في الجزائر، انتهت آخر مشاهده بنشيد مؤثر
عن بعادات وطن وحرقة معيشة، وصرح عمر حكار للصحفيين لدى عرضه الفيلم
بمهرجان لوكارنو، أنّ (انشطاره) بين مسقط رأسه بمنطقة الأوراس وفرنسا التي
هاجر إليها صغيرا، وما تلا ذلك من قيامه بدفن والده على أرض الجزائر، جعله
(يعيد استكشاف إعادة استكشاف النصف الآخر من واقعه وشخصيته)، وهو ما أحيا
في كينونته الذات الفنية المولوعة بمراكمات أصيلة في وطنه الموجوع.
موقع "إيلاف" في 8
فبراير 2008
|