ارتبط اسمه بمشاريعَ أثارت جدلاً واسعاً ومُنع بعضها من العرض:
من «نزار قباني» إلى «أسد الجزيرة» و«موكب الإباء»، راهن المخرج باسل
الخطيب على قراءة التاريخ برؤية مختلفة. اليوم، يدخل القاهرة «مسلحّاً»
بعبد الناصر، ثم يتفرّغ لتحقيق حلمه الأكبر... مسلسل «القدس»!
خلال 15 عاماً، أنجز عدداً كبيراً من المسلسلات، عانى بعضها من
عدم العرض حيناً، ومن العرض المحدود أحياناً، نظراً لطبيعة موضوعاتها. عُرف
باسل الخطيب بأسلوبه الخاص الذي كان له مؤيدوه ومعارضوه. وتطورت معالجاته
الإخراجية، لكنّه بقي محافظاً على ولعه بجمالية الصورة، الذي ربما حمله معه
من دراسته للسينما في موسكو. آخر أعماله كان مسلسل «رسائل الحب والحرب»
للكاتبة ريم حنا. عُرض في رمضان على عدد من الفضائيات، وأعادت
mbc
عرضه أخيراً. ويروي العمل الذي تدور أحداثه بين أواخر السبعينيات ومطلع
القرن الجديد، مصائر شخصيات تتقاطع مع مصائر عامة. وذلك عبر معالجته لثيمات
الحب والنضال والسلطة والحرب مع قصي خولي وسلاف فواخرجي وسلوم حداد. في هذا
المسلسل، توفر للخطيب سيناريو قوياً، فكانت النتيجة أحد أفضل الأعمال
السورية لهذا الموسم، وواحداً من أكمل مسلسلات المخرج.
يرى أن «رسائل الحب والحرب» يملك جوانب عدّة تُميّزه، «إضافة
إلى النص، وهو من أكمل النصوص التي وقعت بين يدي، يقدم المسلسل الذي تابعه
مسؤولون عرب، مواضيع لم يسبق تناولها في الدراما، على الأقل في السنوات
الأخيرة: حرب لبنان والاجتياح الإسرائيلي ومذبحة صبرا وشاتيلا... وقد
استفدنا من شهادات أشخاص عايشوا الحدث».
ورداً على القول بأنّ العمل وجّه إدانة لمرحلة من التاريخ
السوري المعاصر، يوضح: «هذا المسلسل جزء من حركة الإنتاج الدرامي المحلي
الذي استطاع أن يمشي بتوافق مع الخطاب الوطني في سوريا. نحتاج للوقوف أمام
ذاتنا ومراجعة أخطاء الماضي لنتقدّم. هناك من أخطأ في ظرف معين وفي مواقع
معينة، نحن لا نحاكمه بل نقوّم الحالة ككل». لكنّ المسلسل، على رغم تميّزه،
كان محكوماً بالمركز الثاني في مهرجان القاهرة للإعلام العربي، وفي مسابقة
جوائز «أدونيا» السورية؟ «موضوع المهرجانات شائك ومعقد. في القاهرة، كان
أعضاء في لجنة التحكيم يعتقدون أن المسلسل يستحقّ الجائزة الذهبية. لكنها
ذهبت إلى «الملك فاروق»، لاعتبارات معروفة. أما بالنسبة إلى «أدونيا»، فعلى
رغم كل الأعمال الجيدة التي قدمت هذا الموسم لا أستطيع أن أفهم كيف أرتأت
لجنة التحكيم أنه لا مسلسل يستحق جائزة العمل المتكامل. وهناك علامات
استفهام حول لجنة التحكيم هذه».
الخطيب الذي شكى من أن مضمون «رسائل الحب والحرب» عوق تسويقه
عربياً، يعتقد أن أعماله كانت دائماً عرضة لمشكلات من هذا النوع. «انظر إلى
تجارب 15 عاماً من العمل الدرامي، والمصائر المؤلمة التي تعرضت لها بعض هذه
الأعمال. لكنّي في حالة رضا عمّا قدمته واستطعت من خلاله مقاربة مساحات
معتّمة. بعض الأعمال لم يعرض في سوريا مثل «الطويبي» (1998) الذي يتحدّث عن
علاقة الفساد بالسلطة. هناك أيضاً «أسد الجزيرة» (2006)، وهو أضخم إنتاج
خليجي، يروي سيرة مؤسس دولة الكويت الشيخ مبارك الصباح. لكن، في اللحظة
الأخيرة، تدخلت جهات معينة من خارج الكويت، وطالبت بإيقاف المسلسل خشية
إثارة حساسية بعض الأطراف. أما «موكب الإباء» (2005) الذي يروي قصة سبي
السيدة زينب والرحلة من الكوفة إلى دمشق، فقد أنتجته «المنار»، ولم يعرض
نظراً لطبيعة الظرف السياسي الراهن. وقد صنعنا فيلماً مدته ساعتان من هذا
المسلسل، ولم يعرض لكنّه سُرّب على نطاق واسع في دول عدة... هذه الأعمال
تحتفظ بقيمتها سواء عرضت الآن أم بعد 10 سنوات». نسأل باسل الخطيب إذا كان
لأصله الفلسطيني دور في اهتمامه بإنجاز أعمال عن القضية الفلسطينية، فيؤكد
ذلك: «على رغم الصعوبة الشديدة في تمويل هذه الأعمال وتسويقها، لأن غالبية
الفضائيات لا ترغب فيها، عرض «عائد إلى حيفا» على أكثر من قناة. لكن أحد
المسؤولين الإسرائيليين تدخل لدى محطة عربية من أجل عدم عرضه. هناك أيضاً
مسلسل «يحيى عياش». وهو عن بطل فلسطيني سبّب رعباً للقيادة الإسرائيلية
بخبرته في صناعة المتفجرات، لم يعرض إلا على قناة واحدة («المنار»)».
هذا الهاجس لا يزال ملازماً للمخرج وهو موضوع أحد أعماله
المقبلة «القدس»: «هو مشروعي التالي بعد «جمال عبد الناصر»، وقد وجدنا
منتجاً تقريباً. هذا المشروع قديم، خطوطه الأولى وضعت في رواية كتبتها عام
1990 بعنوان «أحلام الغرس المقدس» وهو يرصد 50 سنة حاسمة من حياة المدينة
بين 1917 ودخول الجيش البريطاني إلى المدينة ونكسة حزيران 1967 وضياع القدس
كاملة». ويشير إلى أن «موضوع القضية الفلسطينية كان موضوعاً رائجاً ويلقى
قبولاً واسعاً، الآن مع الأسف الكلّ صار يهرب من تبني مشاريع كهذه، وهذا
غير مقبول لأننا ما دمنا غير قادرين على دعم الشعب الفلسطيني سياسياً
واقتصادياً، فعلى الأقلّ ندعمه عبر تصوير مأساته بأعمال درامية عالية
المستوى لا عبر نشرات الأخبار فقط».
في السنة الماضية، بدأ الخطيب بتصوير مشاهد «أيام ساروجة» الذي
ينتمي إلى أعمال البيئة الشامية لكنه توقف بعد يومين. يوضح قائلاً: «ببساطة
لم أتفق مع الشركة المنتجة على وجهة النظر التي ينبغي طرحها في العمل
الشامي. ووقع خلاف حول اختيار الممثلين، فآثرت الانسحاب من المشروع الذي
يخرجه اليوم القدير علاء الدين كوكش». أما عن مسلسل «أسمهان» الذي تخلّى عن
إخراجه فجأة، فيقول: «هذا مشروع مهمّ لكن لم يتقاطع جدولي الزمني مع جدول
الشركة المنتجة. إضافة إلى مشروع «ناصر»، كنت أرغب في أن أمشي بالعملين مع
إعطاء الأولوية لـ«ناصر» لكنني خشيت من التأخير».
«ناصر»
لكل العرب
سيكون «ناصر» (تأليف يسري الجندي، إنتاج «أفلام محمد فوزي» و«أوسكار
للتسجيلات الفنية»)، المسلسل الأضخم في تجربة باسل الخطيب وعمله المصري
الأول. وسينطلق تنفيذه مطلع آذار (مارس) في سوريا حيث تصوّر مشاهد حرب
فلسطين 1948 وحصار الفالوجة، ومشاهد الوحدة بين سوريا ومصر. وينتقل التصوير
إلى مصر مطلع نيسان (أبريل) ويستمر حتى تموز (يوليو) أو آب (أغسطس)، ليكون
جاهزاً للعرض في رمضان.
يؤدي بطولة «ناصر» جمال سليمان، ويشارك في قسمه السوري فنانون،
مثل أسعد فضة وغسان مسعود، ويُرجّح أن يحلّ نور الشريف ضيف شرف، فيما لم
تعلن الأدوار الرئيسة حتى الآن.
ومع الإعلان عن اسم مخرج «ناصر»، وبعد سنة من «الملك فاروق»
لحاتم علي وتيم حسن، تعالت أصوات معترضة في مصر... يردّ عليها الخطيب
بالقول: «يجب ألا نسمح للتقسيمات القطرية بأن تكون سبباً للخلاف». ويضيف
معلّقاً على من استاء من إسناد الإخراج والبطولة لغير مصريين: «عبد الناصر
زعيم عربي، وفي مرحلة الوحدة كان رئيساً للشعب السوري، حصتنا فيه كبيرة. هو
زعيمٌ يتجاوز بقامته حدود مصر». لكن هل ينوي المخرج محمد فاضل إنجاز مشروع
مماثل؟ «يستحقّ عبد الناصر أن تنتج عنه عشرات الأعمال، إنما بوجهات نظر
مختلفة». وحول زعم فاضل أنه كان قد اتفق مع المنتجين على إخراج هذا العمل،
«لا أريد الرد على فاضل، الصحافة المصرية نفسها استاءت من تصريحاته. عبد
الناصر ليس ملكاً لأحد، أنا انزعجت من أجل محمد فاضل لأنه مخرج كبير. لم
يكن هناك أي اتفاق بينه وبين الجهة المنتجة، بل مجرد حديث شفهي».
باسل الخطيب الذي قدم أعمالاً عدة تتناول سيرة شخصيات تاريخية،
يدرك أن هذا الحقل مليء بالألغام. لكنّ «الإيجابي في هذا المشروع أنه
سيتحدث بجرأة عن مرحلة عبد الناصر بما لها وما عليها. أيّ زعيم هو في
النهاية إنسان له مشاعره وأخطاؤه وقراراته التي قد لا تلاقي قبولاً لدى
الجميع. لن نقدم شخصية محاطة بهالة من القداسة، سنقدم ناصر الإنسان من
طفولته في عمر 8 سنوات حتى أيامه الأخيرة، بتفاصيل لم نرها في الفيلمين
اللذين قدما عنه». ويؤكد أن رؤية المسلسل ستتسم بالموضوعية «حتى أكثر
معارضي عبد الناصر، حين سيشاهدون التوازن السائد في العمل، ربما سينتقلون
إلى تأييده».
الأخبار اللبنانية في 12
فبراير 2008
|