الحسنة الوحيدة فى فيلم "طباخ الريس" هى ظهور شخصية الرئيس
أخيرا على الشاشة، وهو أمر ليس سهلاً، وما عدا ذلك فالعمل ضعيف "شوية
إيفيهات" لطيفة وظريفة يقدمها ممثل كوميدى موهوب هو طلعت زكريا.
الحقيقة أن ظهور شخصية الرئيس باعتبارها شخصية درامية يعد
إنجازا، بعد أن كانت تظهر هنا وهناك فى مشهد أو اثنين من ظهره، كما حدث
مثلاً فى فيلم "جواز بقرار جمهوري" أو "معالى الوزير".
صحيح أن الرئيس جمال عبدالناصر ظهر بشحمه ولحمه فى فيلم ناصر
56 وظهر السادات بشخصه الحقيقى فى الفيلم الذى حمل اسمه ولكن الأمر مختلف،
فقد ظهرا وهما ليسا موجودين على رأس السلطة وقت عرض الفيلمين. الأمر الثانى
أن الفيلمين فى النهاية تأريخ، بمعنى ظهور الشخصيات الحقيقية، وليس
باعتبارهما شخصيات درامية فى سياق حدوتة متخيلة. وهذا هو الإنجاز الذى قدمه
فيلم "طباخ الريس" وهو ليس سهلاً فى ظل نظام حكم يتعامل مع الرئيس بمنطق
شبه إلهى وبصلاحيات تقريبا مطلقة، فحتى فى النخبة المعارضة هناك من يعتبره
حكماً بين السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وليس رئيساً منتخباً
للسلطة التنفيذية، ليس من حقه أن يجور على باقى السلطات.
ومن على هذه الأرضية قدم الفيلم شخصية الرئيس درامياً، فهو ليس
مواطناً تم انتخابه أو الاستفتاء عليه، ولكنه يقترب من حالة الأب، أبو
الشعب، المسئول عنه، حامى حماه، ليس رجلاً سياسياًً يملك برنامجاً يريد
تحقيقه خلال فترته الرئاسية، وإذا فشل يسقطه الشعب فى انتخابات حره ليأتى
بغيره.
الفرق ضخم بين سلطة الأب وسلطة الرئيس، فالأول من حقه الكثير،
ولا يمكن إسقاطه وتغييره فى أى انتخابات، ولابد مهما فعل أن تلتمس له
العذر، أبوك فى النهاية، كما أنه لا يمكن لأى منا أن يختار أباه وإذا فشل
يختار أباً غيره. أما الرئيس فهو، مع الاحترام لموقعه، مجرد موظف يتولى
سلطة باختيارنا ويتركها باختيارنا نحن الشعب.
فى "طباخ الريس" ليس الأمر كذلك، ولكنه ذلك الرجل الذى أصبح
قدراً لا فكاك منه، يبذل جهدا خرافيا من أجل إطعام الشعب وإسكانه وتعليمه..
الخ.. وكأن الخلاف مع الرئيس أى رئيس حول مدى ما يبذله من جهد وليس حول
سياساته، أى الطريقة التى يدير بها البلد، التى يمكن اعتبارها فاشلة ونختار
غيره بسياسات أخرى يمكن أن تنجح.
ولأن الأمر هكذا، أى أن الرئيس هو قدرنا وأبونا، فإن المشكلة
ليست فيه، كما أراد المؤلف يوسف معاطى، ولكن فى أن بعض المحيطين به من
الأشرار هم الذين يحجبون عنه المعلومات الحقيقية، إلى الدرجة التى يتآمرون
على طلعت زكريا لطرده من المطبخ الرئاسى لأنه حدث الرئيس عن رغيف العيش
السيئ ومشاكل الإسكان وغيرها. ولكنه بمجرد أن عرف الحقيقة أقال مثلاً وزير
التموين، وكأنه لم يخترهم بنفسه ويجب أن يحاسب على هذه الاختيارات، هذا
أولاً وثانيا كأن كل الصحف والفضائيات لا تتحدث عن هذه المشاكل، فلا يمكن
فى عصرنا إخفاء معلومات وخاصة من نوع رغيف الخبز والأجور وغيرها. ثم لو كان
الرئيس لا يعرف حقيقة المشاكل فيجب محاسبته وإقالته، فهو لا يصلح لموقعه
واختيار غيره بشكل ديمقراطى.
أما على المستوى الفنى فلم يتم بناء شخصيات بالمعنى الدرامى،
ولذلك ستجد طلعت زكريا مثلاًً هو نفسه فى كثير من الأفلام، وذات الأمر فى
شخصية خالد زكى الرئيس أو غيرها من الشخصيات. كما لن تجد تصاعداً دراميا
محكماً مبنيا على أحداث.. ولكنها كما قلت فى البداية "إيفيهات" ظريفة تقدم
حالة مقبولة صنعها المخرج سعيد حامد.
ومع ذلك يظل إنجاز الفيلم أنه قدم الرئيس فى حدوتة متخيلة،
صحيح أن شخصية الرئيس الآن يتم تناولها بشكل عادى فى الصحافة وإلى حد ما فى
الفضائيات، ولكنها لم تصل بنفس الدرجة إلى السينما ليتم انتقاد الرئيس، أى
رئيس بوضوح، وهذا مرتبط بتطور ديمقراطى طويل ليتم إنهاء القداسة عن شخص
الرئيس ومعه أى رئيس فى البلد.
العربي المصرية في 12
فبراير 2008
|