يذكرنا الجزء الرابع من سلسلة أفلام «رامبو»، الذي تعرضه اليوم
مئات
دور العرض حول العالم، بالدراماتيكية التي تجاهد القيادة السياسية
الأميركية على
تصويرها، والتي تبرزها كحامية الديمقراطية وحقوق الإنسان، لتبطن ما ترتكبه
من جرائم
في حق الشعوب التي غزتها واستغلتها، كما آل إليه الحال في
فيتنام وافغانستان
والعراق مؤخراً.
فلا يزال الرمز الأميركي الأشهر، بطل الفيلم الممثل
سيلفيستر ستالوني، هو الشخص الذي يسرف في القتل الجائر فيمن
حوله من ظلام وقتلة
و(إرهابيين)، من دون أن يطرف له رمش، ليظهر في نهاية الفيلم الذي أسال فيه
شلالات
من
الدماء بكل وحشية - وفق كل ما اتيح له من وسائل قتل شملت يديه المعزولتين-
ذلك
البطل القوي، نصير الضعفاء والمظلومين، وحامي العدالة الأسطوري.
يدخل الفيلم
في
بدايته من خلال لقطات وثائقية تصور الهمجية التي يتعامل بها مجموعة من
الميليشيات المسيطرة على بورما، وما يمارسونه من قتل ونهب وسبي في مجموعات
صغيرة من
الضعفاء، لا حيلة لهم سوى تحمل العذاب الذي يلقونه من الجنود،
الذين يتمادون ليصلوا
إلى مراحل متقدمة في القتل، عبر إجبار المواطنين على الركض في بحيرات زراعة
الأرز
المملوءة بالألغام؛ ليتلذذوا برؤية الأشلاء وهي تتناثر في كلّ جانب، والهلع
الذي
يسيطر على المجموعات المخطوفة، التي تفرّ هرباً من القتل
بنيران الرشاشات؛ لتلقى
مصيرها بالألغام.
قياساً بالواقع، هذا المشهد هو البداية التي صوّرتها
وكالات التلفزة قبل أيّ حرب شنتها أميركا؛ فالمُشاهد يُؤخذ في
ما يشهبه خط البورصة
المتوجّه بحدة نحو أسوأ الأحوال؛ ليجد المشاهد نفسه في حالة تعاطف مع ما
يعيشه
هؤلاء الفقراء وبؤسهم مع ما يلاقونه على أيدي النظم التي تفرض حكمها عليهم
بالقوة؛
ليتصاعد خط البورصة مع الأمل الذي يبرز بتدخل الأيادي البيضاء
الممتدة من الأم
الحنونة، التي تخفي بيدها الأخرى خلف ظهرها مدفعها الرشاش.
تدخل في إطار
القصة، كعامل محرك، مجموعة من الأطباء والمبشرين، الذين يتعهدون على أنفسهم
أنْ
يقوموا بإيصال عدد من الكتب الدينية، ومساعدات طبية إلى المتضررينَ من
أهالي بورما،
في صورة إنسانية رائعة وشفافة، لا يثنيها أمرٌ عن مواصلة
المسيرة من أجل تقديم
المساعدة والإيفاء بما اعتزموا القيام به، ولا يجدون سوى الدبابة (رامبو)
الوسيلة
التي يستطيعون الوصول بها إلى غايتهم، من خلال نقله لهم إلى بورما عبر مياه
النهر
بمركبه.
رامبو الهادئ، الذي هجر القتل والحروب، ليستقر في إحدى قرى
تايلند،
مسترزقاً
من خلال صيد أفاعي الكوبرا السامة، يضل متمعناً في الأمور بعين ناعسة
وهادئة، مفضلاً عدم التدخل في أي أمر مما حوله، مكرراً عبارة «هذا هو
الواقع، لن
نغير منه شيء»، إلا أنّه ينتفظ مشهراً سيفه، بعد أن قامت
الميليشيات بالهجوم على
القرية التي كان قد وصلها فريق المساعدات الأميركي، ليقتلوا من قتل في مشهد
دموي
جائر، يأخذ المشاهد إلى أدنى نقاط خط التعاطف والتأثر لما يلقاه هؤلاء
المساكين،
ليختطف مع الأحداث بصورة مضطربة أفراد الفريق الأميركي، من دون
أنْ يصيبهم سوى رذاذ
الوحل على وجوههم وملابسهم، رغم أنّ القصف، ونيران المدافع الرشاشة
العشوائية لم
تذر الرجال ولا النساء ولا حتى الأطفال.
من خلال فبركة درامية، يدخل جون
رامبو، الجندي المحطم مما واجهه في الأجزاء الثلاثة السابقة من متاعب زجه
فيها
الجيش الأميركي خلال حربهم مع فيتنام، ليعمل ضمن فريق لتخليص
الرهائن الذين تم
اعتقالهم في أحد معسكرات الميليشيات، وتبدأ مسيرة الدبابة الأميركية، ذو
الذراع
العريضة في قتل وإبادة المئات من أفراد الميليشيات الذين يواجهونهم في حرب
دموية
ضروس؛ ليتمكنوا من تحرير الرهائن، وفتح المجال للثوار كي يقفوا
على أرجلهم وينتصروا
لحقوقهم التي سلبها جور وطغيان جماعة الميليشيات.
المخرج الذي قاد هذا العمل
الكبير، وظف تقنيات رهيبة ومتقدّمة لتصوير الحرب التي دارت بين فريق تحرير
الرهائن
الأميركي، وبين الميليشيات البورمية، كما تميّز في تصوير
الهجمات الهمجية
للميليشيات على السكّان، إذ كان تصوير الأشلاء المتناثرة من انفجارات
الألغام،
والأعضاء المتقطعة من ضربات المدافع والرشاشات، والرؤوس المتفجرة من
الطلقات
النارية، كلها شكلت إضافة متميزة في تقنيات الإخراج، التي
أخرجت عملاً قريباً من
الواقعية، تعجز عين المشاهد عن تصديق كونها مشاهد سينمائية لم يسل فيها
قطرة دم
واحدة.
الوسط البحرينية في 14
فبراير 2008
|