محطة جديدة وصل إليها مسلسل «صراع على الرمال» في حديثه عن قصص
الحب والحرب، التي كتبت أحداثها من وحي خيال وأشعار صاحب السمو الشيخ محمد
بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، تلك القصص
التي شكلت اللبنة الأساسية في تقديم أضخم دراما تاريخية في تاريخ الفن
العربي.
كان الكاتب هاني السعدي على حق، وهو يصف حكاية العمل بأنها
أخطبوط كبير قبض على كل تفاصيل الحياة البشرية من خير وشر، كانت الحكاية
موجزة ولكنها زاخرة بمآسي البشرية، بخيرها وبكل الحب الذي يمكن أن يخلد
المجتمعات. وجهتنا هذه المرة كانت إلى جنوب مدينة مراكش المغربية، ثمة كتلة
هائلة من الغبار سيطرت على مساحة تمتد لمئات الأمتار، ومن بعيد كنا نسمع
أصواتاً وصليل أصوات السيوف، تخال أن هناك معركة حقيقية..ولكن هل هناك من
يعتمد على السيف في حروب معاصرة؟ يسألني صديق كنا نستقل معاً سيارة كبيرة
وحدها كانت قادرة على الوصول إلى موقع التصوير القائم وسط مكان صحراوي.
وصلنا أخيراً إلى موقع تصوير «صراع على الرمال» بعد مضي ثلاث
عشرة ساعة على انطلاقتنا من مطار دبي، كانت رحلة مرهقة ولكن كان الترقب هو
سيد الموقف، نظراً لما سمعناه عن خطط جديدة يعد لها المخرج حاتم علي أثناء
تصوير المعارك، لتكون أفضل ما قدمته الشاشة العربية على هذا الصعيد، ما
الجديد الذي يمكن أن نراه؟! كان السائق المغربي الذي يقلنا يفهم بعض ما
نقوله، فتدخل محاولاً أن يشرح لنا بعض ما رآه قائلاً:«المغرب بلد كبير
وهناك أعمال سينمائية وتلفزيونية عديدة صورت هنا، وأستطيع القول إنني حضرت
تصوير العشرات من هذه الأعمال بحكم مهنتي كسائق، ولكن لم أشاهد ضخامة ما
أشاهده الآن، كنت أخاف فأبتعد عن المعركة لاعتقادي أن هناك معركة حقيقية
ستحدث أمامي».. ضحك وضحكنا معاً..
خيام و«عصيدة»: في محيط مساحته ألفا متر على الأقل، تمت تسوية
أرض المعارك، وتمت الاستعانة بمئات الشاحنات المحملة بالرمال القادمة من
الصحراء، كي تسوى بها الأرض، وتكون قريبة الصلة بالمكان التاريخي الذي تحصل
فيه أحداث العمل ، كانت الخيم موزعة توزيعاً دقيقاً فوق هذه الأرض، خيم
ضخمة وأخرى صغيرة، وببساطة يمكننا اكتشاف أن الكبيرة لسيد القبيلة والخيم
الصغيرة لأفرادها.. جمال موزعة بالعشرات فوق تلال صغيرة خلف مكان التصوير،
ويقف إلى جانب تلك الجمال طاقم مدرب من أجل الحصول عل بيئة طبيعية، وفي
الساحة جهزت القدور الضخمة وأشعلت تحتها النيران ، وفوجئنا أن ما في القدور
«عصيدة»، وهو طعام حقيقي مطبوخ بغرض التصوير!
تعرفنا على المكان الآن، من دون أن نلتقي أحداً، كان الاستعداد
للمعركة الكبرى هو ما يشغل الجميع ، أساساً لم يكن بالإمكان الاقتراب من
غرفة القيادة لأن خيولاً ضخمة تجمعت في الساحة الرئيسية، لم نشاهد من قبل
خيولاً بهذا الحجم، علمنا أنه جيء بها من اسطبلات ضخمة في أسبانيا، وقد
تحولت إلى أبطال لمشاركتها في معارك وأفلام سينمائية متميزة، جثم فوقها
فرسان لولا أن هناك تصوير مسلسل، لقلت إنهم فرسان حقيقيون ..معه حق سائق
السيارة المغربي!
أزياء
بلون الطبيعة
ألوان ملابس الرجال كانت مدروسة لم تكن واحدة بل متنوعة سواء
بالتصميم أو باختيار الألوان، ولكن وحدة اللون تجعل المرء يشعر انه لباس
أشخاص تلك الفترة التي عاشت فيها تلك القبائل ، ألوان باهتة تحمل ألوان
الأرض والتراب والطبيعة ، ربما كانت تشبه أشخاص تلك المرحلة ولكنها ستوحي
أن هناك جهداً غير قليل في تصميمها.
وهكذا علمنا أن أمين السيد الفنان البارع في تصميم تلك
الأزياء، يقف وراءها ووراء كل تفصيل فيها، هذا الفنان الذي برع في تقديم
أعمال تاريخية أخرى في السنوات العشر الماضية، ولسوف تعترينا الدهشة إذا ما
علمنا أن خلف تلك الأزياء ورشة كبيرة مجهزة بمئات الخياطين..
تفاصيل لابد أن تخوض فيها وأنت تبحث في آلية بناء كتلة العمل،
وكيف وصلت الأمور إلى هذه المرحلة، وبطبيعة الحال، يجب أن نسأل أين تمت
صناعة السيوف، وكيف تم اختيارها ومن أين جيء بهذا القماش الخاص بالخيام،
وكيف تم فرشها وأشياء كثيرة سنأتي على ذكرها حتماً في مكان آخر.
في موقع خيمة القيادة، كان أحمد الشيخ المرافق الإعلامي لصاحب
السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم موجوداً فيها يتابع التصوير ويهتم بما
يشاهده، ويسأل عما يمكن ان يحتاجه العمل باستمرار، وقد شهد تنقلات هذا
العمل الجغرافية في كل من سوريا ودبي والمغرب، وكان المخرج حاتم علي يجلس
خلف «المونيتور» يتابع تفاصيل التصوير، تغيرت ملامح بشرة حاتم من جراء غبار
المعارك التي يثيرها في المسلسل، الجميع يرتدي نظارات شمسية سوداء لكي تكون
العيون المكان الآمن الذي لا تصله الرمال.
سألنا أحمد الشيخ عما يميز هذا العمل إنتاجياً عن غيره، فأشار
إلى موقع التصوير كي يكون الجواب جاهزاً على أرض الواقع مضيفاً:«العمل
يعتبر إنتاجاً ضخماً فيه كل ما يمكن أن يساعد على الخروج بأفضل صيغة فنية
وفكرية، والمكتب الإعلامي (جهة الإنتاج)، حريص على توفير كل ما من شأنه
تقديم عمل كبير متفرد يحاكي أفكاراً ومواضيع ذات أبعاد إنسانية.
ونحن حينما فكرنا بتقديم هذا العمل كان توجهنا واحد، ورؤيتنا
واحدة، ولا شك بأن الرقم واحد هو ما ننظر إليه، لن ننظر إلى الإنتاج كرقم ،
بل كمعطيات وكإنجاز على أرض الواقع، أرقامنا مفتوحة وميزانيتنا لن تقف عثرة
أمام إنتاج ضخم يجعل المشاهد يفخر بمشاهدته، و يتعامل معه على أنه قريب منه
بشكله ومضمونه».
بدوره، قرر المخرج حاتم علي أن يقوم بتحويل قصة «صراع على
الرمال» إلى ملحمة تلفزيونية جديدة، بل إلى قصيدة بصرية تنسجم مع روح
القصيدة النبطية، في لعبة ساحرة يخوض غمارها بعد مغامرات فنية أخرى، وصفت
بأنها مغامرات فنية محفوفة بالمخاطر بدءاً من «الزير سالم»، و«ربيع قرطبة»،
و«صلاح الدين»، ومروراً بمسلسل «التغريبة الفلسطينية» وانتهاء ب«الملك
فاروق».
وفي حديثه لـ «البيان» أشار حاتم إلى أن العمل بدأ ينضج، وبدأت
ملامحه تتضح، حيث تجري الآن في منطقة صحراوية تبعد حوالي 40 كيلومتراً عن
مدينة مراكش المغربية، عمليات تصوير المرحلة الرابعة من المسلسل، مشيدا
بالجهود الكبيرة التي يبذلها الجميع للخروج بنتائج استثنائية، مشيرا إلى
أنه خلال عمله في المسلسلات العشرة ذات الإنتاج الضخم التي قدمها على مدار
عشر سنوات، لم يجد جهة إنتاجية تقدم هذا السخاء الإنتاجي الأمر الذي انعكس
إيجاباً على أداء الجميع، ووجد الفنانون أنفسهم مطالبين بتقديم أفصل ما
لديهم إزاء هذه الحالة المثالية.
ولا يخفي حاتم علي أنه أمام مسؤولية كبيرة، لأن هذا العمل هو
الأضخم إنتاجياً الذي ينفذه منذ أن بدأ بالإخراج قبل أكثر من عشر سنوات من
الآن. وقال علي:جذبني إلى هذا العمل طبيعة العلاقات بين شخصياته، وأيضاً
أفكاره الفنية التي يطرحها، إضافة إلى الشكل الفني الذي هو برأيي واحد من
الإغراءات التي يواجهها المخرج في أي عمل سيقدمه.
ربما سيكون إغراء مهماً تماماً كأهمية المحتوى والمضامين التي
يطرحها العمل الفني، حاولت في هذا العمل أن أقدم إضافة بصرية انطلاقاً من
النص وضرورة ان يحفل العمل بمسحة جديدة تكون لعبة الحب والحرب أساساً لها ،
والمسلسل يطرح أسئلة كبيرة حول قدرة الحب على أن يعيد للطبيعة توازنها، وهل
يمكن للحب بكافة أشكاله أن ينمو تحت وقع صوت السيوف، وفي مناخ تشوبه
الكراهية؟.
وحول أهمية تقديم هذا العمل وثيقة تاريخية عن تلك الفترة، أوضح
حاتم علي:هذا العمل محاولة لرد الاعتبار لنوع هام من الدراما التي تابعناها
في الماضي، إنه الدراما البدوية، وعلى اعتبار أن العمل يجري في مطلع القرن
الثامن عشر في منطقة تنتمي لشبه الجزيرة العربية، فإن العمل يحمل صفة
التاريخي انطلاقاً من توثيقه لبعض العادات والتقاليد التي كانت تجري آنذاك
، والعمل لا يدعي أنه يقدم وثيقة موثقة مئة بالمئة.
ولكنه يحرص على أن لا تكون هناك مادة مجانية أو غير دقيقة، من
خلال توفير كل ما يتطلبه العمل الفني من ممثلين ومن ديكورات وملابس وطاقم
فني في التصوير والماكياج والمعارك، إضافة إلى نص جيد ومتماسك ومبني على
فكرة وأشعار لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. أنا أؤمن بأن توافر
كل هذه العناصر، لابد وأن يكون مقدمة لعمل نطمح أن يكون عملاً جيداً يحظى
بإعجاب المشاهدين وتقديرهم.
خيول
عالمية
وبرز اعتماد المخرج على الخبرات الإسبانية في تنفيذ المعارك
الحربية التي جمعت القبائل العربية في القصة، وقد تم إحضار أهم الخيول
العالمية وأمهر الفرسان الذين سبق وقدموا أفلاماً وتجارب عالمية كبيرة في
أعمال تاريخية اشتهرت بمعاركها الكبيرة، لتنفيذ معارك «صراع على الرمال»
على أكمل وجه.
الأمر الذي تحدث عنه مصمم المعارك الأسباني الشهير ريكاردو
كروز الذي وصف إمكانيات تصوير هذا العمل بالهائلة والمتميزة والتي تبشر
بعمل ضخم على مستوى عالمي واسع ، والذي قدم تجارب هامة عالمياً حينما صمم
معارك أفلام كثيرة منها «المصارع» و«الساموراي الأخير» مشيراً إلى أنه فوجئ
بالإمكانيات الفنية العالية الموجودة في هذا العمل، ومشيداً في الوقت ذاته
بإنتاج العمل الذي وفر أرضية متميزة لمسلسل درامي كبير، وما حققه في هذا
العمل التلفزيوني يقارب النتائج التي أثمرت أعمالا عالمية كثيرة .
وأحضر ريكاردو معه عدداً كبيراً من أهم الخيول والفرسان من
إسبانيا من أجل تنفيذ المعارك التي انتهت مراحلها قبل أيام قصيرة . ويعمل
طاقم العمل في ظروف جوية متباينة ، فحيناً تسطع الشمس، وحيناً آخر تنهمر
بعض قطرات المطر، وهذا يتطلب تعديلاً سريعاً في ظروف الإضاءة والتصوير.
ويقول مدير التصوير والإضاءة أحمد إبراهيم الأحمد:إن العمل
يقدم بأفضل معدات التصوير والإضاءة وبأحدث التقنيات العالمية التي تتيح
مشاهدة متميزة، مشيراً إلى أن المشاهد سيلمس ذلك وهو يتابع تفاصيل العمل.
والمعروف عن احمد أنه شريك إبداعي لحاتم علي في كل الأعمال التي قدمها حاتم
كمخرج، باستثناء عمل واحد فقط، وهو يشيد بهذه الشراكة وبالانجاز الذي حققته
في الأعمال السابقة، مؤكداً أن قمة هذه الشراكة ستتجلى في هذا العمل.
المخرج المنفذ علي العلي أو كما يطلق عليه الساعد الأيمن
للمخرج حاتم علي يحمل مكبراً للصوت كي تصل تعليمات المخرج إلى اكبر عدد
ممكن من طاقم العمل المشاركين ، يؤكد أن هذه التجربة هي الأضخم التي يعمل
بها مع حاتم، وبأن المعارك التي تنفذ فيها الكثير من التفاصيل والإقناع
الفني، ولا يبدو أن المخرج يتوانى تجاه إعادة أي مشهد، مهما كان التعب فيه
من أجل الخروج بنتائج ايجابية ومتميزة .
الممثلون
وتحدي اللهجة
ولا بد من الإشارة إلى جهود الفنان السوري هشام كفارنة، في
تحويل لغة العمل إلى اللهجة البدوية التي تنتمي إلى مكان وزمان الأحداث،
بما ينسجم وروح العمل، مما أدى إلى صعوبة في تواصل الممثلين مع هذه اللهجة
الجديدة عليهم. وإذ أشارت الفنانة صبا مبارك إلى أن اللهجة لم تقف عائقاً
أمامها رغم فرادتها وصعوبتها نظراً لأنها ممثلة أردنية.
قال عبد المنعم العمايري إن اللهجة صدمته في البداية، إلى أن
استطاع التأقلم معها بحيث ذللت مشكلات مصطلحاتها، وترى رنا أبيض أن رغبة
الجميع في تجاوز أزمة اللهجة جعلهم يتحدثون بها في لقاءاتهم اليومية خارج
أوقات التصوير مما جعلها قريبة منهم، ويتحدث الممثلون متندرين عن الخبرة
التي اكتسبها المخرج في هذا المجال، الأمر الذي جعله يوقف التصوير مراراً
من أجل إعادة نطق كلمة ما بطريقة صحيحة.
خبرات
عربية
ويعتمد العمل على خبرات عربية هامة و متميزة في صناعة الدراما
التلفزيونية، وقد بات تبادل الخبرات والاستعانة بأهمها مطلباً جوهرياً في
الدراما الجادة، فيما إذا كان الهدف فعلاً الحصول على عمل متميز، مع ما
تقدمه هذه الصناعة كل يوم من منجزات تقنية وفنية جديدة.
وبالإضافة إلى أن المعارك صممها وشارك في تنفيذها فريق إسباني،
والماكياج من إيران، يقدم الفنان الأردني طارق الناصر تصوراً جديداً
للموسيقى الدرامية، بينما يبرز لون الأزياء وتصميمها براعة الفنان السوري
أمين السيد، وثمة ممثلون وفنيون من سوريا والمغرب والأردن والإمارات.
وهنا لا بد من الإشارة إلى جهود الفنان السوري هشام كفارنة في
تحويل لغة العمل إلى اللهجة البدوية القريبة، وبالتالي يعتبر العمل جامعاً
لمعظم الخبرات العربية الموجودة على الساحة، وكل هذا برسم العمل العربي
الأضخم الذي ينتظره المشاهد العربي خلال شهر رمضان المقبل .
أحمد
الشيخ يواكب العمل لحظة بلحظة
ثلاثة أيام أمضاها أحمد الشيخ المرافق الإعلامي لصاحب السمو
الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي،
في تصوير «صراع على الرمال» من خلال متابعته لمختلف المناطق التي تم
التصوير فيها، وأشرف على إنجاز العمل منذ بداية التحضير له من قبل المكتب
الإعلامي (الجهة المنتجة)، ووصل إلى مراكش لمتابعة تنفيذ المرحلة الجديدة
بكثير من الإحساس بالمسؤولية، وكان أحمد الشيخ حريصاً على سؤال الجميع عن
متطلباتهم، وما يحتاجون إليه قبل أن يغادر المكان.
الحكاية
وأبطالها
«صراع على
الرمال» دراما تاريخية في ثلاثين حلقة، تقدم في إطار المجتمعات البدوية
رؤية ملحمية زمن أحداثها يعود إلى مطلع القرن الثامن عشر. ويشارك في العمل
الذي من المقرر عرضه في شهر رمضان المقبل عدد كبير من نجوم الدراما العربية
منهم: تيم حسن وصبا مبارك ومحمد مفتاح وعبد المنعم عمايري ومنى واصف وعبد
الرحمن أبو القاسم وزيناتي قدسية ورنا أبيض وباسل الخياط ومهند قطيش وقمر
خلف وطلحت حمدي وغيرهم...
أرقام
ومعلومات
يرجح أن تصل ميزانية العمل إلى ستة ملايين دولار والمبلغ ليس
نهائياً، وهناك ألفا شخص يتواجدون يومياً في مسرح الأحداث، ناهيك عن حوالي
أربعين ممثلاً ، ويضم العمل أضخم عدد من الخيول المشاركة في أعمال كهذه،
حيث وصل العدد إلى مئة حصان ومثلها من الجمال وكلها مدربة وبكامل جهوزيتها
للقيام بدورها في المعارك المقررة في أحداث العمل .
البيان الإماراتية في 16
فبراير 2008
|