في فيلم (دماء على الإسفلت) نحن أمام فكرة جادة وجريئة تدور حول التغيرات
الطارئة والمفاجأة التي حدثت في المجتمع المصري في التسعينات، ويناقش تلك
الظواهر والتحولات الإقتصادية والطبقية والأخلاقية التي تركت جروحاً عميقة
في النفس البشرية. كما أنه يستعرض تاريخ أسرة تنتمي للطبقة المتوسطة،
راصداً ما تعرضت له في خضم المتغيرات الجارية منذ منتصف الثمانينات وحتى
الآن. وكيف أثرت هذه المتغيرات على تكوين الأسرة بشكل جذري.
يبدأ الفيلم بإتهام رب الأسرة (حسن حسني) الباشكاتب المسؤول عن الأرشيف
بوزارة العدل، بسرقة ملف قضية هامة تشغل الرأي العام، حيث يؤكد هذا الإتهام
عثور رجال الأمن على مبلغ نقدي كبير بحوزة الأسرة عند التفتيش، لا يتناسب
ومستوى دخل الأسرة المعيشي. وهذا الإب المتهم، له من الأبناء ثلاثة أشقاء،
الإبن الأكبر سناء (نور الشريف) الدكتور في القانون والذي يشغل وظيفة
مرموقة في وزارة الخارجية خارج البلاد. والأخت ولاء (حنان شوقي) التي تعمل
مرشدة سياحية في أحد فنادق الدرجة الأولى. والأخ الأصغر علاء (طارق فهمي)
الموسيقي الموهوف الذي يشترك في فرقة شبابية تعزف في سهرات الفنادق
الليلية.
وفي ظل الظروف المستجدة على صعيد هذه العائلة، وهي إتهام الأب بالسرقة،
يقرر الإبن سناء العودة الى القاهرة، ليفاجأ بحدوث شروخ خطيرة في الأسرة.
فشقيقته ولاء تمارس بجانب وظيفتها أعمالاً تتنافى والآداب العامة. وشقيقه
الأصغر علاء يسقط في هاوية الإدمان، وبالتالي يلجأ الى الإتجار في
المخدرات. إضافة الى ذلك الأب الذي إختفى دوره القيادي في توجيه الأبناء
وإسداء النصيحة ونهيهم عن سلك الطريق الغير سوي. وهكذا تبدأ رحلة سناء في
البحث عن دلائل وبراهين تثبت براءة الأب، بمساعدة إبنة عمه (إيمان الطوخي)
الباحثة في المركز القومي، والتي أحبها في يوم من الأيام قبل سفره للخارج.
وبالتالي تصبح هذه الرحلة غوصاً في في أعماق المجتمع، وإكتشاف الفساد
المستشري الذي طال حتى شقيقيه.
إن فيلم (دماء على الإسفلت) كتبه السيناريست أسامة أنور عكاشة في ثاني
تعاون له مع عاطف الطيب، بعد فيلمهما (كتيبة الإعدام). وقد بدا واضحاً بأن
عكاشة في الفيلم الجديد قد كان أكثر تطوراً وقدم مستوى أكثر تعمقاً من
فيلمه الأول. ولو أن سيناريو فيلم (دماء على الإسفلت) لم ينجح في معالجة
الفكرة الجيدة والجريئة المطروحة، بل أن السيناريو قد جاء تقليدياً ولم
يخرج عن نطاق السينما التجارية، المشحونة بالجنس والعنف والدماء. فقد إحتوى
السيناريو على كم كبير من المطاردات والتشويق البوليسي المفتعل، ومشاهد
العنف والدماء التي غطت على الفكرة المحورية وطمستها.
أما بالنسبة للإخراج فقد كان سريع الإيقاع لاهث وراء التشويق والمطاردات.
هذا إضافة الى أن عاطف الطيب قد إستطاع توفير إدارة جيدة لفريق العمل من
فنيين وفنانين. فالتصوير كان جيداً في أحيان كثيرة، وحركة كاميرا موفقة
معبرة عن الحدث، هذا بالرغم من ندرة التكوينات الجمالية للكادر. وهناك
مونتاج سريع متناسب والحدث الدرامي التشويقي. وموسيقى جيدة موحية ومعبرة.
إضافة الى الأداء التمثيلي الجيد واللماح الذي أعطى مصداقية للكثير من
الأحداث والمواقف. |