جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

أهل القمة ( 1 )

 
 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

فيلم (أهل القمة ـ 1981) هو الخامس للمخرج علي بدرخان، بعد أفلامه (الحب الذي كان ـ 73، الكرنك ـ 75، شيلني وأشيلك ـ 77، شفيقة ومتولي ـ 1978). ويأتي هذا الفيلم ليكون إضافة كبيرة وهامة لرصيد بدرخان الفني. حيث قفز به إلى الصفوف الأولى في دنيا الإخراج في مصر. كما يعتبر (أهل القمة) من أهم الأفلام المصرية التي تناولت مرحلة الانفتاح الاقتصادي، بل وأنضجها، حيث يشكل إدانة مباشرة لهذا الانفتاح المشوه.

والفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة لنجيب محفوظ، حولها بدرخان، مع السيناريست مصطفى محرم، إلى فيلم جريء ومثير حقاً، يمس قطاع كبير من المجتمع المصري، ويتعرض بالنقد والتحليل لقطاع اجتماعي أوجدته الظروف الاقتصادية الجديدة في الشارع المصري المعاصر، ألا وهو قطاع التجار المهربين.

يتناول الفيلم ثلاث شرائح أو أنماط من المجتمع المصري، وذلك من خلال ثلاث شخصيات رئيسية.. الأولى: زعتر النوري (نور الشريف) ويمثل نمط النشالين. والثانية: زغلول بيك (عمر الحريري) ويمثل نمط الحرامية الكبار المتسترين برداء البر والتقوى الذين تحميهم السلطة. أما النمط الثالث فهو الضابط الشريف المخلص لوظيفته، ويمثله محمد فوزي (عزت العلايلي). والفيلم يركز على التحول الذي يحدث للنمط الأول، وذلك لأن النمطين الآخرين واضحان، أما الأول فهو الذي يتشكل بالتدريج ليتحول إلى طبقة اجتماعية جديدة، أكثر خطورة في مجتمع الانفتاح.. طبقة تجمع بين النمطين. لذلك نرى بأن الفيلم قد أوحى بذلك، عندما استبدل اسم «زعتر النوري» بـ «محمد زغلول». ومحمد زغلول هذا ـ المنبثق من الجهل والانتهازية والذي يطمح لإثبات وجوده على الساحة ـ يشكل أساساً لطبقة جديدة هجينة، ليست لها أية مبررات أو مقومات للظهور سوى أسلوبها في الكسب المادي الغير مشروع، والذي حصلت عليه في عصر الانفتاح. صحيح بأن الفيلم يكاد لا يدين هذه الطبقة الجديدة، وصحيح بأنه يسعى لكسب تعاطف المتفرج نحوها، بل وينجح في ذلك.. إلا أنه، ومن خلال أحداثه مجتمعة، يكشف مدى خطورة هذه الطبقة وتأثيراتها المستقبلية على المجتمع. ويعلن صراحة، بأن الوضع الاجتماعي إذا بقى على ما هو عليه، سيصبح مجتمعاً تسوده الفوضى والانتهازية ويتحكم فيه هؤلاء الحرامية والمهربين، من هذه الطبقة الاجتماعية الجديدة.

يتحدث بدرخان عن فيلمه هذا، ويقول: (...بالنسبة لأهل القمة، فأنا أناقش فترة التحول الإقتصادي والمفاهيم الاشتراكية ، وظهور مفاهيم جديدة. أصبح هناك قيم جديدة تحارب القيم الأصلية الموجودة. الناس بدأت تعتقد بأن الشاطر هو الذي "يهبر"...).

إن فيلم (أهل القمة) لا يحوي أحداثاً شديدة الإثارة، وإنما الأفكار التي يناقشها مثيرة حقاً وواقعية جداً، بحيث لا يتخللها الملل، هذا بالرغم من بعض الرتابة التقليدية في الإخراج.. رتابة تقليدية لكنها حافظت على هدوء المشاهد وتسلسلها، وأتاحت للحوار ـ الذي اعتمد عليه الفيلم كثيراً ـ أن يأخذ حقه في الظهور.. حوار ساخن متدفق وغير مفاجئ، ساهم في توصيل الصورة المرسومة بهدوء دون إثارة أو افتعال. إن بدرخان في فيلمه هذا قدم أسلوب السهل الممتنع، وذلك باعتماده على الأسلوب الواقعي البسيط، والمعتمد أساساً على إبراز التفاصيل الصغيرة والشخصيات الثانوية، وذلك لإغناء الخط الدرامي الرئيسي وتعميقه. فمن المشاهد الجيدة التي تألق فيها بدرخان كمخرج، تلك المشاهد التسجيلية لسوق ليبيا، سوق البضائع المهربة، والتي نفذت بتقنية عالية، أثبت فيها قدرته على تحريك الكاميرا بخفة وسلاسة ملحوظة بين الجموع المحتشدة في السوق، وإطلاقها وسط الزحام انتقل لنا عشرات الوجوه المتعبة. كما أن هناك مشاهد أخرى تدل على تمكن بدرخان في إدارة أدواته الفنية والتقنية، كمشهد وداع »سهام«لحبيبها في المطار، والذي بدا أقرب لمشاهد وداع الموتى. كذلك مشهد حديث »سهام« عن حياتها لزعتر النوري، والذي نفذه بدرخان في لقطات قصيرة وسريعة معبرة، أخذها من عدة زوايا موفقة وجميلة لمدينة القاهرة. هناك أيضاً مشهد النهاية المؤثر لذلك الزفاف المأساوي، وسط جو مليء بالحرامية والنشالين والمهربين في قلب سوق البضائع المهربة، والحيرة والقلق تبدوان على وجه الضابط الذي أجبر بالطبع على قبول هذا الوضع الشاذ، حيث نراه ـ في لقطة قوية ومعبرة ـ يغوص وينغمس في زحام سوق الانفتاح، معلناً هزيمته أمام هؤلاء الحرامية.

 

أخبار الخليج في

10.03.2015

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)