جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

الراعي والنساء ( 2 )

 
 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

بدخول شخصية حسن (أحمد زكي) ـ في فيلم (الراعي والنساء) ـ عالم الثلاث نساء المعزول، تتغير الكثير من معالم الفيلم. فهو يعمل في الأرض.. يقلبها.. ينتزع الحشائش البرية منها.. يغسلها.. يلقي فيها بالبذور لتنمو وتكسي تلك التربة القاحلة باللون الأخضر. وكما ينجح حسن في تغيير معالم المكان ولون الأرض، ينجح أيضاً في تغيير النساء الثلاث وتغيير شكلهن. فقد أتى حسن إلى هذا المكان باحثاً عن الأمان والحب الذي افتقده في حياته. فهو يملك مقومات الراعي، وهن يفتقدن إلى ذلك الراعي.. يدلف حياتهن ويطرق حياتهن في وجل، حاملاً في داخله شحنات دافئة من الحب والحنان، لعائلة صديقه.. حيث كانت وفاء وسلمى وعزة هن محور حياة صديقه وموضوع أحاديثه، حتى كاد حسن أن يكون جزءاً من هذه العائلة.. يعرف أدق التفاصيل عن حياة وأحلام النساء الثلاث .

يدخل حسن عالم الثلاث نساء وقلبه يخفق بحب وفاء، أرملة زميل الزنزانة، ذلك أنها عاشت في خياله من خلال عشرات القصص التي سمعها من زوجها. فمن الطبيعي أن يهيم بها وهو يراها أمامه الآن بروحها وجسدها. كما أنه يعلن أكثر من مرة، بأنه كان مرشحاً من قبل رب الأسرة بأن يكون أحد أفرادها، أي أنه كان مرشحاً للزواج من عزة. لذلك تتعلق عزة بهذه الأمنية الآن وتسعى إلى تحقيقها. أما سلمى الصغيرة الضائعة نفسياً، فتشعر نحو هذا القادم بمشاعر مختلطة وغامضة نتيجة تلك الأزمة النفسية التي تعيشها، فتجده الأب والأخ والصديق، ولكنها كمراهقة تحبه، أو على الأقل تتصور بأنها تحبه.

وتتجه الدراما إلى مرحلة التشابك، وذلك عندما يجد حسن نفسه محاطاً بحب النساء الثلاث. فهو يفتح نافذة الأمل أمام وفاء عندما يعلن لها عن رغبته بالزواج منها، وهي بالتالي تعبر عن سعادتها وإحساسها ـ بصوتها المتهدج ونظراتها الهائمة ـ بإمكانية أن تبدأ حياتها من جديد. وبالرغم من أنه يحب وفاء ويهيم بها وهي تبادله هذا الشعور، إلا أن عزة كانت قد قررت أن تستحوذ عليه كبديل للزوج المفتقد والأخ المفقود، فقد فجر وجوده في حياتها طاقاتها الحسية والجسدية، واندفعت ترتوي منه رغماً عن مشاعره. أما سلمي، فهي تدخل حلبة هذا الصراع على حسن، كارهة اندفاع عمتها وعشق أمها له. تصفعها أمها في غضب عارم عندما تستثيرها، لتهيم على وجهها منهارة والارتباك مسيطراً على مشاعرها.

في هذا الفيلم الأخاذ، نجح على بدرخان في تقديم نسيج من المشاعر والأحاسيس التي غلفها بقدر كبير بالتفاصيل الصغيرة التي ساهمت كثيراً في تطور الدراما، من غير السقوط في براثن الميلودراما الفجة. هذا إضافة إلى أن السيناريو لم ينزلق إلى التفسير الجنسي الغرائزي لسلوك أبطاله، وإنما تابع تصرفات شخصياته وعلاقاتهم وهي تنمو على مهل وعلى نحو شاعري يميل إلى الواقعية. فعلي بدرخان هنا لا يدين شخصيات فيلمه بقدر ما يحنو عليهم ويتفهم دوافعهم ويترفق بمصائرهم ويتعاطف مع سلوكياتهم ويبرر تصرفاتهم. هكذا عبر علي بدرخان عن مشاعر شخصياته من خلال بناء بصري أخاذ، كان للكاميرا دوراً كبيراً في خلق روح شاعرية تناغمت مع الموسيقى ذات التعبير الدرامي والمونتاج المتميز بالإيقاع الحيوي والمزج الناعم الذي حافظ على وحدة الإيقاع داخل اللقطة والمشهد. كما نجح علي بدرخان إلى حد كبير في إدارة ممثليه الذين قدموا طاقات إبداعية هائلة في الأداء.

 

أخبار الخليج في

21.06.2015

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)