جاء فيلم (عمارة يعقوبيان - 2006)، مصحوباً بضجة
إعلامية ضخمة، صحبته منذ الحديث عن إنتاجه.. حيث أنه ضم مجموعة من
النجوم، قل أن يتوفر في عمل سينمائي واحد.. هذا أولاً، وثانياً
شهرة كاتب السيناريو وصاحب الرصيد السينمائي المتميز (وحيد حامد)،
الذي يثق به المتفرج والناقد على السواء وذلك لنجاحه باختياراته
الدرامية.. ثم يأتي العنصر الثالث الذي أعطى للفيلم طعم آخر..
فالفيلم مأخوذ عن رواية بنفس الاسم كان لها صيت وشهرة سبقت شهرة
الفيلم بأربع أو خمس سنوات.. وتصدرت أغلى المبيعات في المكتبات
العربية أجمع.. لتميزها في الطرح الجريء لذلك الثالوث المحرم
(السياسة / الدين / الجنس)، وبشكل لافت أيضاً. وأمام كل هذا.. لابد
لنا أن نتوقع فيلماً هاماً.. على أكثر من صعيد.. فهل نجح صناع
الفيلم في إضفاء صفة المصداقية على كل ما سبق من مقدمات..؟!
مما لا يدع مجالاً للشك، القول بأن فيلم "عمارة
يعقوبيان" يعد عملاً استثنائيا بالنسبة للسينما المصرية.. بل حدثاً
هاماً سيظل تأثيره واضحاً لسنوات مقبلة. فهو إضافة إلى ضمه لخيرة
نجوم السينما المصرية، يعد أضخم إنتاج سينمائي في تاريخ السينما
المصرية، حيث تصل الميزانية التي وضعت له الستين مليون جنية مصري.
ما قرأناه في رواية الدكتور علاء الأسواني.. كان
كثير الشبه بما جاء في الفيلم.. وهذا بالطبع لا يمكن اعتباره
مؤثراً على جودة الفيلم من عدمها.. شخصياً، أرى بأن غالبية الأعمال
السينمائية المأخوذة عن أعمال أدبية.. لم تنجح في تقديم وجبة
سينمائية خاصة بها.. فتجسيد أي عمل أدبي في السينما يحتاج إلى أيدي
خبيرة تفهم في السينما كما تفهم في الأدب.. وهذا الأمر نادر
التوفر، خصوصاً في الوسط الثقافي والفني العربيين.. صحيح بأن
السيناريست وحيد حامد من هؤلاء القلة النادرة.. إلا أن اختياره هذا
قد أوقعه في موقف حرج.. فكيف يتعامل مع رواية مليئة بالأحداث وغنية
بالشخصيات الدسمة درامياً والمتفاوتة اجتماعيا وطبقياً.. لذا كان
لابد له أن يتدارك الأمر ويختار الطريق الأسهل، ويحترم رغبة
المتلقي في إعطائه أكبر قدر مما جاء في الرواية، مكتفياً بتقديم ما
قالته الرواية، دون إحداث تغييرات واضحة لما جاء في الرواية، ودون
إضفاء بعد آخر للصورة يعادل النص الأدبي المكتوب، إلا أن ذلك جاء
بأسلوب سينمائي مشوق ومؤثر في نفس الوقت.. وهذا ما جعل طول الفيلم
يقترب من الثلاث ساعات.. وهو زمن طويل جداً نسبة إلى المساحة
السينمائية الطبيعية.. وجمهورنا السينمائي هذه الأيام لا يغفر لأي
فيلم طوله غير الاعتيادي.. فما بالك أن يكون الفيلم عربياً أيضاً..
فكان على وحيد حامد أن يستفيد من خبرته ورؤيته وذوقه السينمائي
المتميز، بالسيطرة على الرواية، وتقليص زمن الفيلم.. بالسعي إلى
تكثيف الأحداث والانتقاء من الشخصيات ما يعطي للفيلم خاصية التركيز
والتعليق بالصورة السينمائية. |