جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

إنقاذ ما يمكن إنقاذه ( 1 )

 
 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

عندما عرض فيلم (إنقاذ ما يمكن إنقاذه) عام 1983، كان قد جلب معه أكبر ضجة رقابية تعرض لها فيلم سينمائي في تاريخ السينما المصرية. الفيلم من بطولة محمود ياسين وميرفت أمين وحسين فهمي، ومن إخراج سعيد مرزوق.

لقد أصبح مقدراً للمخرج سعيد مرزوق ـ دون قصد طبعاً ـ أن يقوم بفضح ذلك المستوى العقلي والفكري المحدود الذي وصلت إليه الرقابة المصرية، والتنبيه إلى جوانب إدارية سلبية عديدة في هذا الجهاز الخطير. فتجربة سعيد مرزوق مع الرقابة في فيلميه (الخوف، المذنبون، إنقاذ ما يمكن إنقاذه)، ليس إلا دليل على قولنا هذا.

فبعد العرض الخاص لفيلم (إنقاذ ما يمكن إنقاذه)، أعلن النقاد ـ في قاعة العرض وفي الصحافة فيما بعد ـ سخطهم علي الفيلم وصانعوه وطالبوا بمنع عرضه ومحاكمتهم، كما طالبوا بتدخل اللجنة العليا للرقابة وإعادة النظر في عرض هذا الفيلم جماهيرياً. علماً بان المخرج والمنتج قد حصلا على كل الموافقات القانونية المسبقة على السيناريو وتعديلاته ومن ثم الموافقة على عرضه الجماهيري.

وأمام هذا الهجوم الشرس على الفيلم، ما كان من الرقابة ومن وزير الثقافة شخصياً إلا إعادة النظر مرة أخرى في تصريح الإجازة للفيلم بالعرض. وبدأت رحلة مريرة للفيلم، بتنقله بين ردهات الرقابة واللجنة العليا للرقابة ولجنة التظلمات. واستمرت هذه الرحلة ما يقارب الثلاث سنوات، وهي الفترة ما بين إنتاج الفيلم والسماح له بالعرض الجماهيري.

قضية فيلم (إنقاذ ما يمكن إنقاذه) الرقابية، هي بمثابة تجسيد صارخ عن مدى الإجحاف والظلم الذي يتعرض له الفنان والمبدع، والذي يضطره إبداعه للتعامل مع هذه التناقضات الفكرية والإدارية الشكلية.

فهذا الفيلم الذي كتب له السيناريو والحوار المخرج نفسه، يطرح نماذج كثيرة للفساد والانحراف، كما يطرح فكره السياسي والاجتماعي المتعلق بالواقع الاقتصادي وإفرازاته. وهو بذلك يفترض انهيار القيم الأخلاقية وسيطرة رجال الانفتاح على مجريات الأمور. وهو بذلك يدعو لمحاربة هذا الفساد وتدارك الأمر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان. وهذا بالطبع هدف إيجابي قدمه سعيد مرزوق. كما إن أسلوبه الفني الذي اختاره لتجسيد ذلك هو أسلوب علمي كأحد مناهج الفن السينمائي، وهو تعرية السلبيات والتنبؤ بالأخطار التي تهدد كيان المجتمع. وهذا أيضا من حقه كفنان يقدم وجهة نظره فيما يدور من حوله. وعلينا نحن كمتلقين احترام وجهة النظر هذه حتى لو اختلفنا معها. فمجمل الاتهامات التي وجهت للمخرج وفيلمه هذا والتي مفادها بان الفيلم يسيء إلى مصر والى الثورة، جميعها اتهامات باطلة. فسعيد مرزوق قد أوضح موقفه وأكد على عدم التعميم، حيث جاء ذلك على لسان إحدى شخصياته في الفيلم. ثم أن مقولة (الإساءة إلى مصر) أصبحت متداولة كثيراً في تلك الفترة، بل واتخذت كسلاح فكري وإرهابي استخدمه البعض لمحاربة المختلفين معهم في وجهة النظر.

 

أخبار الخليج في

01.05.2016

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)