جديد حداد

 
 
 
 

غياب حسين كمال

الوسط ـ حسن حداد

 
 
 

جريدة الوسط

 
 
 
 
 
 

بدأت ميول حسين كمال الفنية منذ الصغر بعد أن تعود أن يذهب إلى دار السينما مع العائلة، وكان إحساسه بالخوف والرهبة والانبهار من هذا العالم الغريب، قد أثر في شخصيته. وعند بلوغه مرحلة المراهقة وجه اهتمامه نحو السينما والموسيقى. وقد حاول بعد تخرجه من المدرسة دراسة السينما، إلا أن والده أجبره على دراسة التجارة، رغم مقاومته في الدفاع عن ميوله الفنية. وبعد حصوله على دبلوم التجارة المتوسطة من مدرسة الفرير، سافر إلى باريس لتحقيق حلمه القديم، والتحق بالمعهد العالي للسينما (الأديك)، لدراسة الإخراج، حيث تخرج منه عام 1954. وبعد عودته إلى مصر فوجئ بأن مجتمع السينما في مصر - كما يقول حسين كمال نفسه - كان مغلقاً على مجموعة بعينها من المخرجين والمساعدين، وكانت فترة عصيبة شعرت خلالها بإحباط ويأس لا مثيل لهما.

اكتفى حسين كمال خلال هذه الفترة بتصميم ملابس وديكورات فندق هلتون النيل. حتى جاء افتتاح التليفزيون عام 1960، ليقدم أوراقه ويجتاز امتحان القبول بتفوق. وقد قبل أيضاً لكونه دارساً للسينما ويجيد خمس لغات. حيث أرسل إلى بعثة تدريبية في إيطاليا، اكتسب خلالها الإحساس بطبيعة العمل التليفزيوني. وعند عودته ثانية عمل مخرجاً للبرامج منها (مجلة الشباب، مشاكل وآراء). بعد ذلك أخرج عدة تمثيليات تليفزيونية منها (الخط ورايا ورايا) و (البديلة) و (لمن تحيا) و (رنين) التي فازت بالجائزة الأولى في مسابقة داخلية بالتليفزيون عام 1963، ثم تمثيلية (كلنا أخوة) و(الفخ) وغيرها. وأهم أعماله التليفزيونية هو فيلم (المنعطف) عن قصة لنجيب محفوظ، والذي فاز بالجائزة الأولى للدراما في مهرجان التليفزيون عام 1964. حيث لفت هذا الفيلم أنظار النقاد والمهتمين بإمكانيات حسين كمال كمخرج تليفزيوني متمكن.

في الوقت نفسه الذي أخذت مؤسسة السينما دورها في مجال الإنتاج السينمائي، وفتحت الطريق أمام المخرجين الشباب، حيث كانت فرصة حسين كمال بإخراج أول أفلامه (المستحيل) من خلال القطاع العام. يقول حسين كمال: (مهما كان نجاحي في هذا الفيلم باقياً ويشاد به إلى وقتنا هذا، فإني لن أنسى فضل أستاذي الكبير صلاح ابوسبف الذي أعطاني فرصة عمري لأقدم هذا العمل، والذي جاء بكل المقاييس منعطفاً جديداً نحو السينما كفن قبل أن تكون تجارة!!).

ونجح حسين كمال في  كسر وتحطيم بعض القواعد التقليدية، وتقديم شكل جديد وضعه في مصاف أهم المخرجين المصريين المجددين آنذاك.. ففي فيلمه الأول (المستحيل) إنتاج عام 1965، قدم حسين كمال مشكلة اجتماعية نفسية بأسلوب فني جيد وجديد على السينما المصرية آنذاك. حيث لجأ فيه إلى تطبيق خبراته الفنية التي أكتسبها من دراسته وعمله في التليفزيون، وقدم فيلماً بطله هو التصوير السينمائي. فقد اهتم بالناحية التشكيلية فيه من تقسيم الكادر وتوزيع الظل والضوء في المشهد. وكان مدير التصوير الكبير عبد العزيز فهمي هم من ساهم بشكل أساسي في تجسيد ما أراده حسين كمال.

بعد ذلك قدم فيلمه الثاني (البوسطجي) عام 1968، ليؤكد به هذه المرة مقدرته كمخرج في التعامل مع ذلك التخلف الشديد الذي تعاني منه القرية المصرية في الصعيد. واستطاع أن يحقق استخداما متقناً للمونتاج بقيادة المونتيرة رشيدة عبد السلام، التي عملت معه في أغلب أفلامه فيما بعد. كذلك استفاد كثيراً من التفاصيل الصغيرة والشخصيات الثانوية في إغناء الخط الدرامي الرئيسي  وتعميقه.

واستطاع حسين كمال، في تقديم أسلوب سبنمائي مستحدث في السينما المصرية، وذلك في فيلمه الثالث (شيء من الخوف)، إنتاج عام 1969، حيث لجأ إلى جعل الفيلم أشبه بالحكاية الشعبية، علماً بأن الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب ثروت أباضة. وكان كمال ذكياً في لجوءه إلى أسلوب الحكايات الشعبية واستخدام الأغنيات التي توزعت طوال الفيلم للتعليق على الأحداث، حيث أكسب الفيلم نكهة خاصة جعلت المتفرج يتحمس للفيلم حتى النهاية.

بعد هذه الثلاثية الهامة، يأتي فيلم (أبي فوق الشجرة ـ 1969).. هذا الفيلم الذي حطم الأرقام القياسية في شباك التذاكر في مصر، فقد إستمر عرضه في دار سينما واحدة مدة ثلاثة وخمسين أسبوعاً.

أما بالنسبة للمخرج حسين كمال، فيعتبر فيلم (أبي فوق الشجرة) بمثابة نقطة تحول خطيرة في مسيرته السينمائية، الفنية والفكرية على السواء. بإعتبار أنه آثر أن يكون مخرج شباك وينخرط ضمن تيار السينما التجارية.

ولا يفوتنا الإشارة الى أنه من الصعب ـ كما هو معروف ـ الجمع بين النقيضين.. إرضاء الجمهور وإرضاء النقاد في آن واحد، فهي معادلة صعبة، قال عنها الناقد والمؤرخ السينمائي الفرنسي "جورج سادول" بأنها محاولة إخترق المستحيل، وبالتالي فالمسألة تحتاج ـ فقط ـ الي وقت.. وقت يحاول فيه المتلقي أن يرتقي ويطور من قدراته التذوقية للعمل السينمائي والفني بشكل عام. إلا أن مخرجنا حسين كمال لايستطيع الإنتظار طويلاً، فهو يريد من أفلامه أن تدر عليه أعلى الإيرادات بعد إنتاجها مباشرة. وهذا ما حققه مخرجنا بالفعل، حيث إن أغلب أفلامه التي قدمها فيما بعد، والتي تجاوزت الثلاثين فيلماً، قد لاقت نجاحاً جماهيرياً تفاوت من فيلم الى آخر. فمن بين ما نجح له من أفلام  ثرثرة فوق النيل ـ 1971، إمبراطورية ميم ـ 1972، مولد يادنيا ـ 1976، إحنا بتوع الأتوبيس ـ 1979،  أرجوك إعطني هذا الدواء ـ 1982.

إن السينما التي قدمها حسين كمال، هي بالطبع سينما تجارية تقليدية، إلا أنه وفي نطاق الأفلام التجارية، قدم نماذج أفضل بكثير مما قدمها غيره من مخرجي هذه النوعية من الأفلام. ولعل أهم العوامل التي ساعدته لتحقيق ذلك، تكمن في حرصه الشديد على اختيار روايات وقصص معروفة لأشهر الكتاب المصريين، أمثال (إحسان عبد القدوس، نجيب محفوظ، يوسف إدريس، يوسف السباعي، مصطفى محمود)، وتحويلها إلى أعمال سينمائية: هذا إضافة إلى قدراته الحرفية والتقنية في اختيار بقية عناصر الفيلم الأخرى. كما لا يفوتنا أن نذكر بأن اهتمام حسين كمال بعنصر التمثيل والممثلين، كان في صالح العمل السينمائي جماهيرياً. فقد كانت أفلامه دائماً تحمل أسماء نجوم الشباك في السينما المصرية، أمثال (فاتن حمامة، عادل إمام، محمود ياسين، شادية، نور الشريف، نادية لطفي، ماجدة، محمود عبد العزيز، نجلاء فتحي، نبيلة عبيد)، هذا إضافة إلى دوره في إكتشاف مواهب تمثيلية جديدة، أصبحت فيما بعد نجوماً يشار لها بالبنان.

هكذا بدأ حسين كمال مشواره السينمائي، وهكذا أنهاه. إنها ـ حقاً ـ إنتكاسة كبيرة لمخرج جاد ومبدع ذو موهبة فنية بارزة، خسرته السينما المصرية الهادفة، وليصبح بعد ذلك من أهم مخرجي السينما المصرية التجارية.  

 حسين كمال.. فيلموغرافيا:

1965 ـ المستحيل ـ 1968 ـ البوسطجي ـ 1969 ـ أبي فوق الشجرة ـ 1969 ـ شيء من الخوف ـ 1970 ـ نحن لا نزرع الشوك ـ 1971 ـ ثرثرة فوق النيل ـ 1972 ـ إمبراطورية ميم ـ 1972 ـ أنف وثلاث عيون ـ 1975 ـ الحب تحت المطر ـ 1975 ـ النداهة ـ 1975 ـ على ورق سيلوفان ـ 1975 ـ مولد يا دنيا ـ 1975 ـ لا شيء يهم ـ 1976 ـ بعيدا عن الأرض ـ 1979 ـ إحنا بتوع الأتوبيس ـ 1980 ـ حبيبي دائما ـ 1983 ـ العذراء والشعر الأبيض ـ 1984 ـ أرجوك أعطني هذا الدواء ـ 1985 ـ أيام في الحلال ـ 1986 ـ آه يا بلد آه ـ 1986 ـ قفص الحريم ـ 1988 ـ كل هذا الحب ـ 1989 ـ حارة برجوان ـ 1991 ـ المساطيل ـ 1991 ـ نور العيون ـ 1992 ـ ديك البرابر ـ 1993 ـ الواد سيد الشغال.

 

الوسط البحرينية في

06.04.2003

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)