في كتابه
عن (سينما الشخصيات والتفاصيل الصغيرة) الذي تناول
فيه الناقد السينمائي البحريني حسن حداد أعمال المخرج السينمائي محمد خان
برؤية
فنية متعمقة متخصصة في نقد المشهد وعقلنة المحتوى الدلالي، لم تكن أولى
مقالاتهمتوجهة بنظرتها النقدية الى محمد خان بشكل خاص بل انتقدت
السينما المصرية الحالية
بشكل عام وهي تحاول مواكبة ما هو جديد تقليدا للسينما العالمية فحسب، ويؤول
ذلك
الكاتب حسن حداد الى مسألة: (بالرغم من تاريخها الطويل والذي تعدى السبعين
عاما،
الا ان مخرجي السينما المصرية ومنتجيها يفتقدون للجرأة الفنية في تقديم
موضوعاتوقضايا جديدة غير مستهلكة علماً بأن هذا لا ينفي وجود عدد من
المخرجين الجادين عبر
تاريخ هذه السينما والذين حاولوا تكسير القوالب الجامدة وقدموا سينما
مختلفة
بموضوعات جريئة)..
من تلك
الرؤية النقدية فسر حسن حداد سبب اختياره لاعمال محمد خان والكتابة عنها:
(هذا
المخرج يفاجئنا دائماً مع كل فيلم يقدمه بطرح فكري وفني متميز ورؤية
سينمائيةذات اسلوب خاص ومبتكر).
ويعرج
المؤلف حسن حداد على سيرة محمد خان الذاتية وامنياته ودراسته وحصيلته
السينمائية ويسلط الضوء بعد ذلك على حياة محمد خان وتنقلاته وذكرياته التي
استقاها
المؤلف مما نشر في مجلة المستقبل في عددها (1سبتمبر 1984م).
ويستعرض
حسن حداد جملة من افلام خان يرصد فيها (تطوره الفني والتقني والتعرف على
مضامين وافكار وشخصيات كونت ما يسمى بمحمد خان) كما يقول. وهي (ضربة شمس،
والرغبة،الثأر، طائر على الطريق، موعد على العشاء..) وفي كل فيلم يكتب
عنه الناقد حسن حداديقدم لذلك بأسماء ابرز الممثلين والمنتجين وكتاب السيناريو
والموسيقيين ومن قاموا
بالمونتاج في تلك الافلام التي اشتهر ابطالها في السينما المصرية ومازال
بعضهم حتى
الآن. وهذه الدقة في رصد المعلومات السينمائية تنبئ عما يتمتع به المؤلف من
ثقافةواطلاع سينمائي. ومتابعة لتاريخ السينما وحاضرها. ويستند
المؤلف حسن حداد في كتابهعن خان
الى ما نشرته الصحافة الفنية عنه او كتبه خان نفسه عن حياته، وينتقي حسن حداد لكل فكرة ومعلومة المكان والموقع المناسب بقياس دقيق ورؤية
معمقة غذته بهافطرته وولعه بالمشهد واللقطة المصورة فهو لم يحاول ان يقدم
شروحاً لافلام محمد خانبل
سلط الضوء على حياته الخاصة وكأنها فيلم بذاته يرويه المؤلف ويصوره نيابة
عن
صاحبه وهو مايشعر بحالة من تبادل الادوار بين التأليف والعرض السينمائي
المكتوبوبين ما يقوله خان ويقصه حداد. ففي تناول حسن حداد لفيلم (ضربة
شمس) روى مسيرةالكفاح
التي بدأ مشوارها محمد خان: (باع خان كل ممتلكاته قبل عودته الى القاهرة
وما
يختمر في عقله هو ان ينتج افلامه بنفسه رغم شعوره بالخوف من دخول هذه
المغامرة وبدأعزمه على المغامرة الإنتاجية بفيلم ضربة شمس عام 1978أولى
تجاربه الروائية الفيلمية
إلا أن إعجاب نور الشريف بالسيناريو وقراره إثر ذلك إنتاج الفيلم جنب خان
خوض هذه
التجربة).
ويوجه
المؤلف نقده لسينما خان في ذلك الفيلم من نواح: (نلاحظ عدم اتصالها بالجو
المحيط بها أي اننا اذا نظرنا الى الشخصية ووضعناها في سياقها العام في
الفيلمنراها تفتقد الكثير من دلالاتها الدرامية وسبب ذلك جاء نتيجة
لوجود خلل في البناء
الدرامي للفيلم نفسه).
وعن
الفيلم الثاني (الرغبة) يتحدث المؤلف عن المرحلة الفكرية وحالة الوعي
والنضجالتي وصل اليها خان مع هذا الفيلم ويسرد قصة الفيلم بإيجاز
شديد ليبدأ معها بتحليل
شخصيات خان وما تحفل به من تناقضات، ويستثمر حداد ما رواه السينمائي خان عن
اعمالهمن
آراء نقد فيها طريقته مثل قوله عن فيلم الرغبة: (في الحقيقة انني عندما
انظر الىالفيلم اليوم اشعر انه كان منمقاً اكثر من اللازم فقد كان فيه
شغل تقني محدد جداً
وكانت كل لقطة من الفيلم مدروسة وكان التمثيل جيداً وعلى اي حال كان هذا
الفيلم
تمريناً سينمائياً مفيداً لي).
ويختار
الناقد حسن حداد احياناً ان يعبر عن رؤيته لسينما خان بعبارة تتصدر
مقالته مثل تعبيره عن فيلم (طائر على الطريق) ب (التمرد ومحاولة الخروج عن
الواقع)،
وفيلم (موعد على العشاء) بقوله: (نموذج خاص ونادر للمرأة العربية).
وفي افلام
اخرى متتالية يشير المؤلف الى تحولات شخصية خان وفكره من خلاله ما
تعبر عنه رؤيته الاخراجية وهي تتناول القضايا الاجتماعية والسياسية
والمواقفالعاطفية وغير ذلك.
وفي باب
آخر عنوانه ( محاولة للدخول في عالم خان الفني والفكري) وتحت عنوان فرعي
آخر (الصورة هي الأصل) يستعرض الكاتب حسن حداد ما قد نسب الى المخرج
السينمائي محمد
خان من اتهام: بأنه مخرج شكلي يهتم بالجانب التقني (الصورة) أكثر من
اهتمامهبالمضمون (الحدوتة) وفي مقابل هذا النقد الموجه لخان يرصد
المؤلف حسن حداد موقف خانالصريح
والعلني مما يقال عن اعماله: (محمد خان نفسه لا يعتبر هذا اتهاماً بل ويعلن
صراحة حبه واهتمامه بهذا الجانب ويرى بأن السينما اصلاً هي صورة. ولابد من
تطويرهذه الصورة والبحث من خلالها).
وفي مقالة
ثانية بعنوان (المتفرج وحرية الفنان) يثني حداد على قدرة خان الفكرية
على تجاوز سيطرة فكر المتفرج عليه اثناء تنفيذه اعماله: (عامة انا لا افكر
فيالمتفرج هل الرسام يفكر فيمن ستعجبهم لوحته؟!). في مقالة أخرى
هي (أفلام ذاتية
وشخصيات غير متوائمة) تتضح ازدواجية خان بين كتابته قصصها والسيناريو لها
ايضاً
التي تأتي احياناً لتعبر عن شخصية خان. وتشيد مقالته (الكاميرا في الخارج)
بتلكالمتعة السينمائية التي تتميز بها افلام خان وهي في وجهة نظر
الناقد حسن حداد:
( لأن اهمية تجربته تكمن في انه يتناول في افلامه الشخصيات العادية البسيطة
والمهنالشعبية
والتي يتجاوزها غيره من المخرجين). وخلال بعض مقالات الكتاب تحدث حداد عن
خصائص السينما الناجحة عندما يكون فريق عملها متجانساً، ولا تبحث في الحلول
ولذلكجاءت أفلام خان ليخص بها جمهوراً مثقفاً كما يذكر المؤلف في
إحدى مقالاته عن موقف
خان من الجمهور: (أنا لا أستطيع عمل كل شيء لكي يفهمه الجميع عليهم ان
يبذلوا بعض
الجهد لا استطيع ان اصنع افلاماً لكل الناس هناك اشياء صغيرة امررها من
خلال افلاميواتمنى ان تفهم من قبل الآخرين). باب أخير يتضمن ملاحق ومصادر
عبر عنها المؤلف
بمصطلح (فيلموغرافيا) وفيها رصد عناوين وابطال والمشاركين في انتاج افلام
خان، كما
يرصد بعض الجوائز والمهرجانات التي كرم فيها خان وافلامه التي نالت
التكريم. وجاءتخاتمة حسن حداد لكتابه الوثائقي عن المخرج السينمائي محمد خان
بمجموعة من الصورالتذكارية
للمخرج شخصياً ولقطات من بعض افلامه. يبقى القول بأن كتاب (سينما
الشخصيات والتفاصيل الصغيرة) صدر في طبعته الأولى العام الماضي عن وزارة
الاعلاموالثقافة والتراث الوطني في البحرين بغلاف انيق وتصميم رفيع.
وأهداه المؤلف الى
ابنته هديل والى الممثل المصري الراحل احمد زكي. والمؤلف حسن حداد احد
الكتاب
البحرينيين المتخصصين في النقد السينمائي وهو من مواليد المحرق 1958ونشر له
العديدمن
الدراسات والمقالات عن السينما، وهو عضو في نادي البحرين للسينما منذ عام
1985م
شارك في عدد من المهرجانات وأعد برامج عن السينما لإذاعة البحرين، يشرف
حالياً علىموقع سينمائي الكتروني شخصي باسمه أطلقه قبل ثلاثة اعوام، صدر
له عن ثنائية القهر/ التمرد في
أفلام المخرج عاطف الطيب).