منذ سنوات بعيدة تجاوزت العقدين، والناقد والزميل والصديق البحريني حسن حداد،
يعكف في محراب موقعه الشهير "سينماتك"، كراهب بوذي أوتي صبر أيوب، يُؤرشف كل ما
يجده من مواد مُتعلقة بالسينما، تنشر على امتداد الوطن العربي، في مُختلف
المطبوعات والمواقع. جهد ودأب ومُثابرة، وعزيمة لا تلين، امتد لعشرين سنة
تقريبًا. مؤكدًا على صفاته الرواقية الخالصة، المُتناسبة تمامًا وشخص حسن حداد
النبيل. المُرسخة والمُبرزة، قبل كل شيء، لمدى حبه وإخلاصه لفن السينما. كثيرًا
ما حسدنا الحداد، من صميم قلوبنا، على هذه الصفات النادرة.
كم راهنا، بمكر وخبث، على أن عزيمته سوف تلين، وصبره سينفد، مع مرور الوقت. وأنه لن
يطيق جمع هذا الكم من المواد السينمائية المنشورة يوميًا، بنفس النشاط والحيوية
والدأب، لسنوات قادمة. خاصة، بعدما كثرت المواقع على شبكة الإنترنت، وعدم اقتصار
الأمر على الجرائد اليومية أو المطبوعات الأسبوعية أو المجلات الشهيرة. خيب حسن
حداد ظننا، ومضى بثبات ورسوخ في استكمال مشروعه، وهو بمثابة الابن الخامس له، دون
هوادة أو كلل.
إمعانًا في الإخلاص والثبات والتدليل على حب السينما، راح حسن حداد يُصدر، عبر
موقعه الذي استضاف فيه أيضًا نُخبة من نُقاد السينما، الإصدار تلو الآخر. إذ دائمًا
ما يُفاجئنا بإصدار عن مُخرج أو فنان أو فنانة أو مُجموعة مُخرجين أو أفلام، تجمع
بينهم وحدة أفكار أو موضوع أو جماليات، إلخ. وذلك دون أن يكترث إلى أمر دور النشر
أو الوقوف في طابور دور انتشار، وانتظار آليات السوق والتسويق والتوزيع. بعد إصداره
لأكثر من كتاب مطبوع. مُفضلا الحرية التامة والاستقلال على فضاء الإنترنت. وإتاحة
ما لديه للجميع مجانًا، وبكرم بالغ، حبًا في السينما، ودون ابتغاء أي شيء. ليصل عدد
الإصدارات أو كُتب السلسلة التي أصدرها في الموقع، تحت عنوان "كتاب سينماتك"، 13
تقريبًا. والمُؤكد أن حسن حداد لن يتوقف عند هذا الرقم، وسيُواصل العطاء بسخاء،
كعهدنا به.
في جديده، "سعاد حسني السندريلا"، يُحاول حسن حداد الولوج إلى عالم سعاد حسني
المحفوف بالكثير من الصعاب والمشاكل والتعقيدات. من ناحية، حياة سعاد حسني لم تكن
سهلة، خاصة في الجزء الأخير منها. وأغلب الكتب الصادرة عنها، لم تتناول أعمالها
بقدر من الجدية وكثير من النقد. ويندر جدًا القول إن هناك ما صدر عنها، ويمكن
اعتباره الأكمل عنها. وبخلاف هذا، فالصادر عنها، في أغلبه، سطحي ترويجي أو عادي،
بأبسط الأوصاف، ناهيك بتك عن ملابسات موتها، وما واكبه من إشاعات وتخمينات وفظائع،
اختلطت فيه الحقائق بالأكاذيب بالخيالات والأوهام.
يبتعد الحداد عن كل هذا، ويتجنبه كلية. منهجه في الكتاب يستهدف تناول شخصية سعاد
حسني وفنها، والمُضي صوب هذا من مُنطلق فني بحت. في "سعاد حسني السندريلا" يستعرض
الناقد، برصانة واختصار وتكثيف، البداية، والانتشار والظهور السريع. ثم مرحلة
الاختيار والنضج الفني، كما يُسميها. مرورًا بمحطات أخرى، وانتهاء بالجوائز
والتكريمات. ووسط هذا كله، يُعطينا حسن حداد خلاصة رأيه، الصادق والأمين والمُكثف،
في مشوارها الفني، ومُستويات الأفلام التي شاركت فيها. وذلك، قبل أن يتطرق بالتحليل
والنقد إلى أهم –وليس كل– الأفلام التي قامت فيها سعاد حسني بأدوار ثانوية أو
بطولة، على امتداد حياتها المهنية.
ونظرًا لتجنبه الوقوف، عن عمد، عند مرحلة الانتشار وتناول كل فيلم شاركت فيه سعاد
حسني، فإنه يبدأ تناوله النقدي والتحليلي بفيلم "القاهرة 30" (1966) لصلاح أبو سيف.
أي بعد 10 سنوات تقريبًا من انطلاق مسيرتها، وأكثر من 30 فيلمًا تقريبًا. إذ يرى
أنها بداية من هذه المرحلة خطت خطوات جديدة ومُختلفة ومُميزة، وقد نضجت وتألقت
وتجلت موهبتها. ثم يتوقف عند "زوجتي والكلب" (1971) لسعيد مرزوق، رغم صغر دورها،
وذلك نظرًا لأهميته الشديدة. ثم، يُواصل استعراض المزيد من الأفلام المُميزة جدًا
في مسيرة سعاد حسني. مرورًا بأبرز وأهم أفلام فترة تألقها في السبعينيات
والثمانينيات، وصولا إلى "الراعي والنساء" (1991)، لعلي بدرخان.
عند التصدي بالرصد والتحليل والنقد لأعمال فنان أو فنانة بحجم وقيمة وموهبة سعاد
حسني، يستحيل، بالطبع، على أي ناقد تناول كل أعمال الفنان، من البداية إلى النهاية.
سيما لو كانت المسيرة حاشدة بالأعمال، على اختلاف مستوياتها وأهميتها وقيمتها
وتنوعها. وهذا ما فعله حسن حداد. إذ اختار مجموعة من الأفلام رأى أنها تُمثل مراحل
أو محطات مُهمة، تميزت بالنضج والتألق والإبداع، ضمن مسيرتها الإبداعية الحافلة.
وإن كان الناقد قد بخل علينا بالتوقف قليلا أمام بعض أفلامها الكوميدية الخفيفة،
وهي محطات مُهمة في مسيرة سعاد مثل، "عائلة زيزي" أو "أضواء المدينة"، وأيضًا ما هو
جاد وناضج، مثل "الزوجة الثانية".
من ناحية أخرى، عند استعراضه النقدي لأهم الأفلام المُختارة، ويبدو أنها من الأفلام
المُحببة جدًا لديه، مُقارنة بغيرها، لم يتطرق لأدورها بتعمق بالغ، بل تناولها
بتفاوت. تارة يتوقف عند أهمية الفيلم، القصة والإخراج، وغيرها. وتارة أخرى، فيما
يتعلق بدور سعاد حسني وأهميته. ولم يمض كثيرًا إلى ما هو أبعد وأعمق من هذا، فيما
يتعلق بمدى فعالية وتأثير الدور والشخصية. وإلى أي حد، أيضًا، نضج أداء سعاد أو ضعف
أو تفاوت من فيلم لآخر، ومن شخصية لأخرى، وما الأسباب. مع إمدادنا بمعلومات سيرية
من حياة سعاد، مُضفرة مع الأفلام، لتبيان تأثير ما وراء الكواليس على أداء سعاد أو
اختيارها للشخصيات أو غيرهما. بالرغم من أن الناقد قام بهذا فعلا عندما توقف عند
وفاة الفنان الراحل صلاح جاهين، صديق سعاد المُقرب، ومدى تأثرها بالأمر.
في النهاية، لا شك أنه يشق للغاية على أي فرد كان الوصول إلى الكمال. مهما اجتهد
وخلصت النوايا، دائمًا سيظل هناك ما هو بحاجة ليكتمل أو يُؤسس عليه. وفي كتابه
الأحدث "سعاد حسني السندريلا"، ورغم صعوبة المُهمة، بذل حسن حداد أقصى جهد ليخرج
بدليل جدي مُوسوع عن أهم وأبرز محطات سعاد حسني الفنية. يصلح فعلا كأساس أو نواة
لكتاب مُوسوعي، يُمكن انطلاقًا منه، استكمال جوانب أخرى من حياة السندريلا الثرية
للغاية، فنيًا واجتماعيًا.