جديد حداد

 
 
 
 
 

«عفواً أيها القانون»..

صرخة إحتجاج في وجه القانون

بقلم: حسن حداد

 
 
 
 
 
 
 
   
 
 
 
 
   
 
 
 
 
 
 

«عفواً أيها القانون».. صرخة احتجاج ضد قانون العقوبات المصري، أطلقتها المخرجة المصرية «إيناس الدغيدي» في أول افلامها السينمائية الذي يحمل نفس الاسم. وقد أثار هذا الفيلم عند عرضه لأول مرة ضجة كبيرة بين مؤيد ورافض للفكرة الجريئة التي طرحها، علماً بان الجميع قد اتفق على ان المخرجة إيناس الدغيدي قد نجحت في إثبات وجودها كمخرجة سينمائية، واستطاعت ان تجد لها مكاناً مرموقاً الى جانب أساتذتها في الاخراج.

فإذا كانت المخرجة «نادية حمزة» قد طرحت اسمها بشكل تجاري مباشر في فيلمها (بحر الأوهام)، و«نادية سالم» قد أشارت إلى موقفها الإيجابي من الثقافة الوطنية في فيلمها (صاحب الإدارة بواب العمارة)، فإن «إيناس الدغيدي» قد قدمت نفسها بشكل ملفت للنظر لجرأة الموضوع الذي تناولته.

****

من ضمن أهم الظواهر في السينما المصرية في ثمانينات القرن الماضي، بروز المرأة كمخرجة للفيلم الروائي. أي أن للمرأة تجارب سابقة في الإخراج.. حيث أن السينما المصرية عند ولادتها قامت على أكتاف عزيزة أمير وفاطمة رشدي وأمينة محمود وبهيجة حافظ، وقمن بإخراج بعض الأفلام الرائدة، إلا أنهن لم يواصلن وتفرغن للإنتاج والتمثيل فقط. كما أن المرأة المصرية قد برزت في مجالات سينمائية أخرى منذ سنوات طويلة، ككاتبة للسيناريو وكمساعدة مخرج فقط.

وعودة المرأة من جديد إلى عالم الإخراج السينمائي جاءت كضرورة ملحة لطرح قضايا المرأة المعاصر، حيث أن السينما المصرية ـ وعلى مدى تاريخها الطويل ـ قد أساءت إلى المرأة وقدمتها بصورة سلبية، كما أغفلت الجانب الإيجابي لدور المرأة في المجتمع، فليست المرأة المصرية هي الراقصة أو بائعة الهوى فقط، بل هي أيضاً السيدة الفاضلة القوية التي تتحمل وتواجه الحياة بكل صبر وشجاعة.

والتساؤل الذي يطرح نفسه دائماً على الساحة السينمائية المصرية.. هل استطاعت المرأة المخرجة أن تساهم في إبراز قضايا المرأة الملحة من خلال الأفلام التي قدمتها؟ وهل استطاعت أن تصنع لها مكانة بارزة في عالم الإخراج السينمائي المصري الذي يسيطر عليه الرجل منذ سنوات طويلة؟

الأفلام التي صنعتها المرأة، سواء التي ناقشت قضايا المرأة، أو التي لم تفعل ذلك. مع استعراض سريع للتعرف على المخرجات وبدايتهن في المجال السينمائي. مع ملاحظة أن الفكر أو الكلمة التي يريد أن يقولها الفيلم والسيناريو الذي يترجم هذه الفكرة، سيكونان محور تناولنا لهذه الأفلام، باعتبار أن المسائل المتعلقة بالحرفة ذاتها، مثل القدرة على تحريك الكاميرا وقيادة فريق العمل الفني وغيرهما، فمن البديهي أن تتفاوت فيها القدرات، سواء كان المخرج رجلاً أو امرأة.

 

****

 

إيناس الدغيدي: الفكر هو الأساس

بداية اتصال المخرجة بعالم السينما كان عام 1971، حيث دخلت معهد السينما وتخرجت منه في 1975، التحفت في البداية بقسم الإنتاج، ثم تحولت إلى قسم الإخراج. وأثناء دراستها في المعهد زاولت العمل في السينما، حيث عملت كمساعدة مخرج مع كبار المخرجين أمثال صلاح أبوسيف في (الكذاب، الساقامات)، وهنري بركات في (أفواه وأرانب).. كما عملت مع عدد كبير من المخرجين الشباب كمساعدة أيضاً لمدة عشر سنوات، آخرها كان مع المخرج يوسف فرنسيس في فيلم (عصفور من الشرق). وعندما أحست أنها قد استفادت من خبرة هؤلاء المخرجين الكبار، مما يؤهلها لخوض أولى تجاربها في الإخراج السينمائي، باشرت في الإعداد لفيلمها (عفواً أيها القانون) إنتاج عام 1984، والذي عثرت على فكرته بالصدفة، أثناء قراءتها لكتاب صغير لضابط شرطة اسمه (نبيل مكاوي). وعندما علمت أن القصة حقيقية، أصرت على تطويرها وتقديمها في أول أفلامها. ومن ثم بدأت مرحلة التحضير الأولى مع السيناريست (إبراهيم الموجي).

أثناء مراحل التحضير تحدثت إيناس الدغيدي مع بعض أساتذة القانون للاستشارة، فوجدت البعض يعترض على هذا القانون ويطالب بتغييره، مما أعطاها دافعاً قوياً للاستمرار في تنفيذ الفيلم، بعد أن كانت خائفة ومترددة قليلاً.

تتحدث إيناس الدغيدي عن فيلمها، وتقول:

(...وجدت أن وراء القصة قانون لم أكن أعرفه، تماماً مثلما لا تعرفه ملايين النساء مثلي، لقد كان الموضوع كله مفاجأة لي، فأردت أن أفاجيء به الجميع، كي يعرفوا أن هناك قانوناً ينتمي إلى محاكم التفتيش التي تم إلغاؤها منذ عهود بعيدة، المهم أنني شعرت بالظلم بالكبير الواقع تجاه المرأة، فأردت تصحيح الأوضاع المائلة...). (1)

وبعد أن تم تجهيز الفيلم على الورق تقدمت به المخرجة إلى المنتج (واصف فايز) الذي وافق بدون تردد في إنتاج الفيلم مع علمه أن المخرج امرأة تمارس الإخراج لأول مرة.

(...لا أعتقد أن السبب عائد إلى جمالي، كما تناهى إلى مسمعي، فأنا أولاً وحسب اعتقادي لست جميلة، ومن ينظر إليّ مثل هذه النظرة فإنما ينظر للمرأة من زاوية متخلفة، إذ لا يعقل أن يدفع منتج ربع مليون جنيه من أجل شكل امرأة أو جمالها، المنتج يدفع فلوساً حتى يكسب فلوساً.. وتلك حقيقة...) (2)

يبدأ الفيلم بحفل زفاف عليّ (محمود عبدالعزيز) وهدى (نجلاء فتحي) وهما أستاذان في الجامعة.. تفاجأ هدى في ليلة الزفاف أن زوجها عاجز جنسياً، لكنها تتحمل الصدمة لأنها تحبه وتعرف مدى حبه لها. في النصف الأول من الفيلم تسعى هدى، بمساعدة الطبيب إلى علاج زوجها واكتشاف العقدة النفسية التي يحملها، وتهتدي إلى أن خيانة زوجة والده وقتل الأب لها مع عشيقها أمام عينيه وهو مازال طفلاً، هو السبب فيما أصابه، وهكذا تستطيع تخليصه من هذه العقدة.

ولكن ذلك يترتب عليه محاولة الزوج تعويض مراهقته الماضية في البحث عن علاقات نسائية جديدة، هنا يبدأ النصف الثاني من الفيلم. في حفلة إقامها الزوجان لأصدقائهما، يتعرف الزوج على زوجة صديقه صلاح (هياتم) التي تحاول جذبه إليها، فيقيم معها علاقة جنسية تصل إلى حد اصطحابها إلى منزله. حيث يضع الفيلم الزوجة في الموقف نفسه، الذي وضع فيه والد زوجها، حين تفاجيء بمشهد الخيانة الزوجية لها وفي منزلها وفوق فراشها، فتطلق النار عليهما وهي في حالة غير طبيعية من هول الصدمة. يموت الزوج في المستشفى بينما تنجو العشيقة من الموت، وتبدأ النيابة في التحقيق وتوجه إلى الزوجة تهمة القتل المتعمد. ورغم محاولات المحامية (ليلى طاهر) المستميتة لإثبات براءة الزوجة من هذه التهمة، إلا أن الحكم يصدر عليها بالسجن خمسة عشر عاماً مع الشغل والنفاذ.

لقد نجح الفيلم في إبراز التناقض في القوانين الوضعية التي تحكم مجمل العلاقات الاجتماعية، من خلال التفريق في الحكم بين الرجل والمرأة. ففي قضية معينة يصدر الحكم على المرأة بالسجن خمسة عشر عاماً مع الشغل والنفاذ واعتبارها جناية، بينما يكون الحكم في نفس القضية على الرجل شهر مع إيقاف التنفيذ واعتبارها جنحة.

وتكمن أهمية الموضوع، الذي طرحه الفيلم، ليس من منطلق الدعوات السطحية بمساواة المرأة بالرجل، بل من منطلق التشريع الإسلامي، وهو لا يهدف إلى المساواة فقط، بقدر ما يهدف إلى محاربة الجريمة ذاتها، وحماية المجتمع من أضرارها، بغض النظر إن كان المجرم رجلاً أو امرأة.

تقول المحرجة في هذا الصدد: (...في الشرع لا تفرقة بين الرجل والمرأة في الخيانة.. كلاهما يقع في جريمة الزنا، لكن القانون يقف مع الرجل ولا يساند المرأة.. أنا لا أطالب بحرية الخيانة للمرأة، لكنني أطالب بالمساواة.. باحترام المجتمع لأحاسيس المرأة، التي مازالت مظلومة في المجتمع...). (3)

فالمخرجة التي شاركت في كتابة الرؤية السينمائية، والسيناريست إبراهيم الموجي، قد اتبعا عدة وسائل للوصول إلى الهدف الذي يرمي إليه الفيلم، لكنهما لم ينظرا بعين الاعتبار لبعض الأخطاء الواضحة التي حملها السيناريو، وأهمها هو اعتراف الزانية بواقعة الزنا علناً في المحكمة، والملابس الداخلية التي أحضرتها النيابة لزوجها، وهما دليل إثبات قوي لم يستعملهما السيناريست في الدفاع عن المتهمة، وذلك دون إعطاءنا مبررات مقنعة.

لقد نجح السيناريو في تقديم نموذج الرجل الشرقي الجاهل والغير مثقف (بدور فريد شوقي)، والذي يحمل في أعماقه مفاهيم وموروثات دينية ودنيوية خاطئة. غير أنه لم ينجح في إنهاء الفيلم بشكل مناسب، حيث أن الفيلم انتهى فعلاً بعد النطق بالحكم في المحكمة، وبعد خلوها إلا من المحامية المحبطة أمام خسارتها لقضيتها. فالمشاهد التي تلت ذلك لم تعط أي إضافة لفكرة الفيلم الرئيسية.

ومثلما نجح الفيلم، نجحت المخرجة في قيادة فريق العمل من فنانين وفنيين بشكل موفق. وقدمت فيلماً جيداً يطرح قضية جريئة جداً من خلال الصراع بين الشريعة والفانون والمجتمع. ورغم أن الفيلم يعالج قضية الزنا، إلا أن المخرجة ابتعدت عن الإسفاف والابتذال، وقدمت مشاهد الفراش بين الزوجين في لقطات قصيرة وعابرة، كذلك لقطات الجنس بين الزوج والعشيقة كانت سريعة. إلا أن المتفرج استطاع أن يستخرج المقصود في كل لقطة وكل مشهد، دون الحاجة إلى مشاهد جنسية مبتذلة.

إن المخرجة إيناس الدغيدي في فيلمها الأول، استطاعت تفادي أخطاء فنية، كثيراً ما يقع فيها المخرج في أول أعماله. وقدمت أسلوب بسيط في التقنية وتجنبت إبراز تكنيك جديد قد يخدم العمل بشكل أكبر.

فعن استخدامها للأسلوب السينمائي، تقول المخرجة: (...أعتقد أن الفكر يجب أن يكون هو الإساس، أما التكنيك السينمائي فسأتخذ الأسلوب العادي والتقليدي، لكن بطريقة خاصة بي، إنما كشكل غير عادي ـ مثل أشكال يوسف شاهين مثلاً ـ فلا أظن أنني سأنحو إلى هذا الشكل.. بالرغم من أنه اتجاه وشكل متقدم ومبهر، إلا أنني أريد أن أصل إلى الناس أولاً وبسهولة (...) وأعتقد أن أفلامي في البداية ستكون كلها عن المرأة وحقوقها، لأنني أعتقد أن هناك أشياء كثيرة جداً عن المرأة لم تناقشها السينما حتى الآن...). (4)

ولقد تأثرت المخرجة بثلاث اتجاهات سينمائية، عايشتها وتفاعلت معها أثناء عمله الطويل كمساعدة مخرج. لذلك ليس من الصعب أن نلاحظ في أولى تجاربها الإخراجية ملامح من واقعية صلاح أبوسيف في مشهد تهجين الثور والبقرة في الريف، ومن رومانسية بركات في المشاهد الغرامية، كذلك تأثرت بإيقاعية ورشاقة كمال الشيخ في مشاهد إطلاق الرصاص والانتقال إلى المستشفى.

والتأثر بمن سبقونا ليس عيباً، وإنما كان على المخرجة أن تتخذ لفيلمها أسلوباً محدداً تنفرد به، لإبراز شخصيتها السينمائية المستقلة.

 

بطاقة الفيلم:

محمود عبد العزيز + نجلاء فتحي + فريد شوقي + ليلى طاهر + هياتم 

إخراج: إيناس الدغيدي ـ تصوير: سمير فرج ـ  سيناريو وحوار: إبراهيم الموجي ـ قصة: نبيل مكاوي , إبراهيم الموجي , إيناس الدغيدي ـ مناظر: ماهر عبد النور ـ موسيقى: عمر خيرت ـ مونتاج: سلوى بكير ـ إنتاج: أفلام مصر العربية

 

_________________________________________

(1) ملحق جريدة القبس الكويتية بتاريخ 13/01/1986

(2) مجلة ألوان بتاريخ 24/01/1986

(3) مجلة الفيديو العربي أبريل 1985

(4) ملحق جريدة القبس الكويتية بتاريخ 13/09/1983

 
 

مجلة نقد21 المصرية

عدد فبراير 2023

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004