جديد حداد

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

«دي بالما»

وسينما الأكشن والإثارة

بقلم: حسن حداد

 
 
 
 
 
 
 
   
 
     
 
 
   
 
 
 
 
 
 
 

المخرج الأمريكي "بريان دي بالما"، واحداً من عمالقة الإخراج في السينما العالمية، استحق لقب »ملك أفلام الرعب«، وذلك لأن أفلام الرعب التي يقدمها تتميز بإيقاع متوتر ومتصاعد يشد الأنفاس ويحبسها، ويسيطر على مشاعر المتفرجين حتى اللحظات الأخيرة من الفيلم. أفلامه عنيفة ودموية ومليئة بالقتل، في جرعات محسوبة بدقة وموزعة بحذر وإتقان. من أبرز أفلامه (الوجه ذو الندبة SCARFACE) و(المعصومون THE UNTUCHABLE).

نحن هنا أمام مخرج ذو مقدرة كبيرة على تجسيد أفكار غير تقليدية، كما أنه مخرج حرفي جيد في اختيار زواياه الخاصة بلغة التصعيد الدرامي. فهو الذي قدم أفلاماً مثل (كاري CARRIE) و(درب على القتل DRESSED TO KILL) و(غضب ANGER) و(انحسار BLOW OUT) وغيرها من الأفلام الناجحة.

أسلوب دي بالما، في أفلام الرعب والإثارة التي أنجزها، يعتمد على عنصر الإيحاء في خلق الإحساس الدرامي المتوتر، أكثر من اعتماده على الإثارة واستخدام المشاهد التي يسيل فيها الدم بجرعات كبيرة ومغززة. إنه يثير نوعاً من التوجس المشحون بالقلق لدى المتفرجين. ثم أنه يعتمد في خلق عنصري التشويق والإثارة على استخدامه للموسيقى التصويرية بشكل بارع وذكي.

 
 

The Untouchables

1987

المعصومون

تمثيل: كيفين كوستنير + شين كونيري + جارلس مارتن سميث + أندي غارسيا + روبرت دي نيرو + ريتشارد برادفورد + جاك كيهوي + براد سوليفان ـ إخراج: براين دي بالما ـ سيناريو وحوار: ديفيد ماميت ـ تصوير: ستيفن إتش. بوروم ـ موسيقى: إنيو موريكوني ـ  مونتاج: جيري جرينبيرج، بيل بانكو ـ إنتاج: آرت لينسون

 

فيلم دي بالما (المعصومون ـ 1987)، والذي يتميز بضخامة إنتاجه. قام ببطولته مجموعة من خيرة الممثلين، وعلى رأسهم العبقري روبرت دي نيرو في دور «آل كابون»، إضافة الى الأمريكي كيفن كوستنر والبريطاني شين كونري.

فيلم (المعصومون) يأتي ضمن سلسلة أفلام العصابات الأمريكية، مثل فيلم (الأب الروحي) بجزئيه، وفيلم (حدث ذات مرة في أمريكا)، وغيرها. تلك الأفلام التي تبرز كونكري المبادىء والقيم داخل الشخصية الأمريكية المثالية، والتي تركز عليها هذه الأفلام في محاولة لإقناع المتفرج بوجود هذه الشخصية الخرافية.

والفيلم يعيد الى الذاكرة المسلسل التليفزيوني (القاهرون) الذي عرض في مطلع الستينات، ويتناول موضوع العنف والمافيا في شخصية «آل كابون» الذي قدمت عدة مرات، حيث يرى صناع السينما بأن هذه الشخصية والظروف الموضوعية المحيطة بها مادة خصبة للبحث والدراسة والتحليل. لذا تم استحضارها أكثر من مرة، فكانت كما هي دائماً، رمزاً للعنف والقسوة والدمار الأخلاقي والاجتماعي من أجل تحقيق أغراضها وأهدافها الخاصة، حتى ولو أغرقت الدماء الحمراء الشاشة البيضاء بالكامل.

وها هو دي بالما يعود بشخصية آل كابون «روبرت دي نيرو» التقليدية الى الشاشة من جديد، ليجسد ـ من جديد ـ صورة الإرهاب والعنف المتجاوز لكل قانون، وليجسد ـ أيضاً ـ تلك الظروف الاقتصادية لمدينة شيكاغو الأمريكية وأزماتها في العقود الأولى من هذا القرن، والتي ساهمت في تكوين نماذج إنسانية مشوهة تتحرك للهيمنة على مقدرات هذه المدينة.

وفي الجانب الآخر، هناك من يحاول الوقوف ضد كل هذا العنف ويعارض كل هذا الفساد المتجذر. هناك شخصية المحقق الفيدرالي أليوت نيس «كيفن كوستنر»، وهو الذي يقف في وجه آل كابون ويوقف نزيف العنف والجريمة، بمساعدة بعض العناصر الشريفة التي اختارها للعمل معه. إن شخصية هذا المحقق شخصية حقيقية، استطاعت أن تغير عجلة التاريخ وحركة الجريمة في هذه المدينة الأمريكية. بعد سيل من المواجهات والمعارك الدموية في مشاهد مرسومة بعناية وتمتاز بالدقة والجودة في الكتابة والتنفيذ.

في هذا الفيلم ـ بالذات ـ تبرز الإمكانيات التمثيلية الهائلة. فالعبقري روبرت دي نيرو ـ كما عودنا ـ يغير جلده في كل مرة ومع كل دور جديد يقدمه، فهو يظهر في الفيلم في ستة مشاهد فقط مقابل مليون ونصف دولار، إلا أنه يملأ الشاشة بحضوره الطاغي في شخصية آل كابون. ولمعايشة الدور وتقمصه، قام بزيادة وزنه ثلاثين كيلو جراماً على مدى شهرين، قام خلالها بالتهام كميات كبيرة من النشويات والبطاطس والبيض والحلويات وشرب الحليب والإكثار في النوم والإقلال من الحركة، حتى تحول الى كتلة بشرية ضخمة قريبة الشبه من شخصية آل كابون الحقيقية. أما شخصية المحقق نيس فقد فاز بها الممثل كيفن كوستنر، بعد منافسة حادة مع كل من ويليام هيرت وهاريسون فورد، وكانت سبباً لنجوميته وشهرته بعد أن ظل سجيناً للأدوار الثانوية في الكثير من الأفلام.

ولا يمكن أن ننسى الممثل شين كونري، والذي قام بدور الشرطي مالون. حيث قدم دوراً يعد من أفضل أدواره، بعد خبرة سنوات طويلة بالعمل في السينما والمسرح.

أخيراً .. فإن (المعصومون) من الأفلام الهامة التي تجمع بين المتعة والمستوى الفني العالي والأداء التمثيلي الأخاذ. فيلم لا يمكن إلا أن يبقى في الذاكرة فترة طويلة.

 
 

Scarface

1984

الوجه ذو الندبة

تمثيل: آل بتشينو + ستيفن باير + ميتشيل بفيفير + ماري إليزابيث + روبرت لوجيا + ميريام كولن + إف. موراي إبراهام + بول شينار + هاريس يلن ـ إخراج: براين دي بالما ـ سيناريو وحوار: أوليفير ستون ـ إنتاج: مارتن بريجمان 

 

الفيلم الآخر للمخرج المهم «دي بالما» هو (سكارفيس SCARFACE) الذي أنتج عام 1984. وقام ببطولة الفيلم الفنان الكبير «آل باتشينو»، وكتب له السيناريو أليفر ستون، المخرج والكاتب الذي فاز بأوسكار أفضل سيناريو عن الفيلم الشهير (قطار منتصف الليل).

يقدم فيلم (Scarface) وجهاً جديداً ومعاصراً لفيلم قديم قدمه المخرج «هوارد هوكس» بنفس الاسم، وكان هذا الفيلم هو البداية الحقيقية لأفلام العصابات، إلا أن «دي بالما» و «ستون» كانا حريصين على أن يكون فيلمهما الجديد معاصراً. فالفيلم في مشاهده الأولى، يكاد يكون فيلماً تسجيلياً، حيث يبدأ ـ وقبل العناوين ـ بوجه الرئيس الكوبي «فيدل كاسترو» يخطب في جماهير شعبه: »نحن لا نريدهم.. نحن لا نحتاجهم»، وهو بالطبع يقصد تلك العائلات الكوبية المهاجرة التي تركت الجزيرة الصغيرة وآثرت العيش في أمريكا. 150 ألف كوبي، سمح لهم كاسترو بالخروج للحاق بذويهم الذين هاجروا الى العالم الجديد.. الى أمريكا .

مع أول مشهد بعد العناوين، تمتلىء الشاشة بوجه توني مونتانا «آل باتشينو» واسم شهرته «كارا كورتادا» ومعناه «الوجه ذو الندبة»، وهو أحد جبابرة الإجرام، من بين 25 ألف مجرم، اعتزم كاسترو التخلص منهم، فكان أن أطلق سراحهم وقدمهم هدية الى الولايات المتحدة، مع مجموع المهاجرين. تحقق الشرطة الأمريكية مع توني بمجرد وصوله الى جنوب فلوريدا. يعطى ترخيص بالإقامة في معسكر اللاجئين، بالرغم من أن إجاباته في التحقيق تنطوي على أكاذيب في محاولة منه إخفاء ماضيه الإجرامي. وبعد أن يقتل عميلاً سابقاً لكاسترو، يمنح بطاقة عمل، لتكون جواز العبور الى الفردوس .

هنا تبدأ التراجيديا المأساوية لصعود مجرم صغير الى عرش إمبراطورية الكوكايين، ثم كيف هوى. إن توني تتوفر لديه كل الصفات التي تؤهله لأن يصل الى مبتغاه، الى هذا العرش. فهو محباً للمال بل أنه يعبده، وهو شجاع وجريء ظاهر الفتوة.

هذه الشخصية التي رسمها كاتب السيناريو «أوليفر ستون»، لم يكتبها من الخيال أو من خبرته بعالم المخدرات وغرائبه (حيث أن تجربته السابقة في فيلم «قطار منتصف الليل «كانت عرضاً لحياة مهرب مخدرات). أثناء كتابته لفيلم SCARFACE تقابل مع حماة القانون (رجال مكتب المباحث الاتحادي) محققي جرائم المخدرات ومخبري جنايات القتل. هذا إضافة الى أنه ذهب الى الجانب الآخر الخارج على القانون، استمع الى أولاد الشوارع، التجار الصغار، الممولين الكبار. بل إنه ـ في سبيل استكمال سعيه بحثاً عن الحقيقة ـ تابع كيف يصنع الكوكايين، وكيف ينقل من أدغال أمريكا اللاتينية الى الضحايا بالملايين. حيث زار جزيرة «بيميني» التي تعد واحدة من عدة حلقات في سلسلة تهريب المخدرات بالبحر الكاريبي، وكانت ـ بالطبع ـ مغامرة محفوفة بالمخاطر .

وهكذا كان هذا الفيلم ثمرة مشقات ومخاطر احتملها كاتب السيناريو ليصل الى واقعيته التي شاهدناها على الشاشة. حتى مشاهد العنف الدموية في الفيلم قد جرى تصويرها بأسلوب واقعي، لا يشبه ـ من حيث الشكل ـ أياً من أفلام «دي بالما» السابقة. فقد أحدث أول مشاهد الفيلم العنيفة صدمة رهيبة للمتفرج. في هذا المشهد نرى توني مجبراً على رؤية أحد رفاقه مربوطاً ومكمماً في غرفة استحمام ـ بأحد الفنادق القذرة المطلة على شاطئ ميامي ـ يمزق أمام عينيه شر تمزيق بواسطة منشار كهربائي. إنه حقاً مشهد عنيف جداً، كان سبباً في قرار الرقابة الأمريكية الى قصر مشاهدة الفيلم على الكبار فقط. وقد راعى دي بالما ـ عند إخراج هذا المشهد ـ أن يكون منطوياً على شخصية مهولة من العنف، غارقاً في كمية هائلة من الدم بحيث يكون له وقع الصدمة الداهمة على المتفرج، يعتاد بعدها على مذاق الفيلم بكل ما فيه من مشاهد تزدحم بالعنف الدموي. فالمتفرج من بعد هذا المشهد ـ وطوال ساعات الفيلم الثلاث ـ لا يهتز ولا يصدم لجثث القتلى المبعثرة والدماء المتناثرة. لا يفزع عندما يقرر توني أن يقتل غريمه ومنافسه على عرش الكوكايين.. لا يفزع عندما يقتل رفيقه «ماني» لمجرد إنه عاشر شقيقته «جينا».. لا يفزع عندما يمسك توني بمدفع رشاش ويصوبه الى قلبه لينطلق منه وابل من الرصاص وينهار به الديكور وينتشر الدمار في مجمل القصر، بعد معركة حامية الوطيس مع الفرقة الانتحارية البوليفية التي أرسلها أباطرة الكوكايين للخلاص من توني .

بعد هذا الختام الدموي، يصل الفيلم برسالته الى المتفرج. فهو يشجب مجتمعاً مريضاً بالطموح والنجاح، والعنف فيه قد أصبح وسيلة وغاية، حيث جعل من توني مونتانا وطموحه المجنون للسلطة والمال عبرة الزمان .

 

مجلة نقد21 المصرية

عدد يناير 2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004