كان العرض الخاص الأول للنسخة النهائية لفيلم بسام الذوادي الثاني "زائر"..
حدث فني هام.. وكان احتفالاً بإمكانيات الكادر السينمائي البحريني على فعل
السينما.. ليلتها كنت قاصداً أن أتتبع رد فعل الحضور من خلال وجوههم بعد
نهاية عرض الفيلم.. كانت بالطبع تجربة مفيدة بالنسبة لي.. فالوجوه كان
يملئها الفرح والقلق في ذات الوقت.. الفرح بفعل استمرارية الحلم السينمائي
البحريني، والقلق على مصير هذا الجهد المبذول في هذا الفيلم الطموح.. هل
سيلقى من يسنده ويحميه وينقذه من تلك الإحباطات الكثيرة التي من الممكن أن
تواجهه؟! الجميع في انطباعاتهم الأولى، أثنى على الفيلم.. والجميع قدّر
لبسام وطاقمه الفني والتقني، هذا الإصرار على استمرارية الحلم السينمائي
البحريني.
ماذا يمكن أن نقول عن الفيلم؟!
يكفينا في البدء أن هناك فيلم بحريني آخر.. وهذا بالطبع شيء يعطي الإحساس
بالفخر والاعتزاز، وبالقدرة على صنع السينما التي غابت كثيراً عن المجتمع
الفني البحريني.. هذا المجتمع الزاخر بكل أشكال الفنون والآداب.. من مسرح
وتشكيل وموسيقى وشعر ورواية. والسينما هي الفن الأشمل الذي يمكنه الوصول
إلى أكبر قدر من الجمهور، عبر إتاحة الفرصة للفنون للتقاطع.
"زائر" ليس فيلم بسام الذوادي بمعيّة فريد رمضان فقط.. فهو فيلمنا جميعاً.
لابد لنا من الاحتفاء به كفيلم بحريني، جاء بجهود فنانين بحرينيين. إلا أن
هذا لن يمنعني من القول بأن مشاهدتي الثانية لهذا الفيلم، كانت أكثر
اكتشافاً.. حيث كانت الأولى يشوبها الكثير من الفرح بالتجربة والتعاطف
معها، باعتبارها تجربة سينمائية بحرينية.
مضى على فيلم بسام الذوادي الأول ما يقرب من خمس عشرة سنة.. لذا كنا ننتظر
منه فيلماً أكثر إقناعاً.. فيلم يعطينا ذلك الانطباع الواضح عما اختزله
بسام الذوادي كفنان وإنسان.. ربما يكون هذا الفيلم بمثابة منفذ فقط من
الأزمة الإنتاجية التي عاناها بسام طوال هذه السنين.. وربما يكون دافع قوي
لكسب ثقة المنتج البحريني، ودفعه لخوض تجربة الإنتاج السينمائي!!..
وربما... ولكني كمتلقي للسينما ومهتم.. لا يهمني بالطبع ما يعانيه الفنان..
أريد فناً مقنعاً فقط..!!
إن أبرز ما شدني كمتلقي أثناء مشاهدتي لفيلم "زائر".. هي تلك الجرأة من صناع
الفيلم، في تقديم موضوع يتناول الغيبيات.. فكم هو جميل جداً أن نرى موضوعاً
كهذا في فيلم بحريني بالذات.. باعتبار أن السينما العربية والمصرية بشكل
خاص وما تقدمة من مواضيع استهلاكية، ظلت محصورة ضمن نطاق ضيق من الأطر، بين
الكوميدي والميلودرامي، وهما المسيطران على هذا الكم الهائل من الدراما.
وعندما كانت هذه السينما تلجأ أحياناً إلى الطابع الفنتازي أو الغرائبي،
فإن ذلك يتم في صيغة تهدف إلى الإضحاك أو إبهار المتفرج. ويرجع غياب مثل
هذا النوع من الأفلام ـ بالطبع ـ إلى أسباب، أهمها ضعف الإمكانيات الفنية
وعجز هذه السينما عن الاستفادة من التطورات التقنية والتكنولوجية في هذا
المجال، ثم انعدام روح المغامرة والتجريب لدى المنتجين. إلى جانب تردد
السينمائيين أنفسهم في طرح معالجات مغايرة جريئة، خشية أن تواجه مثل هذه
الأفلام عدم استحسان الجمهور لها. ويبدو بأن التردد والتخوف في طرح موضوعات
كهذه، جاء بسبب كون هذه الأفلام تقتضي في تنفيذها تقنية عالية في مجال
المؤثرات البصرية والسمعية وفي مجالات فنية أخرى.
وبالرغم من عدم توفر سينما بالمعنى العلمي في البحرين، إلا أن ما سبق من حديث
ينطبق على مجمل ما تنتجه الدول العربية من أفلام. ومع أن فيلم "زائر" هو
الفيلم البحريني الثاني، إلا أن ظهور فيلم بحريني يتناول موضوعاً كهذا هو
بمثابة تجربة سينمائية جريئة تحسب لصناع هذا الفيلم.
أولاً: السيناريو
سيناريو فيلم "زائر" الذي كتبه الروائي فريد رمضان.. بالرغم من عدم خلوه من
السلبيات، إلا أنه حاول أن يكون منطقياً في طرحه لموضوع يحتاج إلى تقنيات
في الخدع والتمويه.. والكاتب فريد رمضان، أنجز عدة سيناريوهات للإذاعة
والتليفزيون، لم ينفذ معظمها لظروف إنتاجية، وقد كتب فيلماً قصيراً أخرجه
الفنان خالد جناحي بعنوان "شاعر". علماً بأنه كتب سيناريو فيلم روائي طويل
بعنوان "أحلام صغيرة"، وهو مشروع بسام الذوادي السينمائي القادم.
أقول بأن رمضان في سيناريو فيلم "زائر"، قد نجح في إضفاء عنصري الإثارة
والترقب بشكل سلس، أعطى للفيلم نكهة خاصة، ساهمت في التأثير على المتفرج
وشده لمتابعة الحدث حتى آخر مشهد.. هذا بمساعدة حوار ابتعد عن الثرثرة
الكلامية، واتصف بالتركيز والمباغتة، خصوصاً الذي جاء على لسان الشابين
المدمنين (أحمد عقلان ـ أمين الصايغ). مع ملاحظة أن هناك تكرار في بعض جمل
الحوار بين البطلة وطليقها.
كما إن اختيار "قبور عالي" كمكان للأحداث، كان موفقاً إلى حد كبير، إذ ساعد
على إضافة عنصري التشويق والموضوعية عليها. وكان لبسام الذوادي، دوراً
كبيراً في هذا الاختيار، باعتباره كاتباً لقصة الفيلم ومشاركا في كتابة
السيناريو، إضافة إلى استخدامه ـ كمخرج ـ لقدرات الكاميرا الرقمية
والجرافيك السينمائي في توصيل الفكرة المطلوبة.
فكرة الفيلم تحكي عن فاطمة (فاطمة عبد الرحيم) التي تملك قدراً كبيراً من
الشفافية، وقدرة خارقة على الاتصال بالموتى، حيث تنتابها كوابيس يظهر فيها
شخص لا تعرفه (جمعان الرويعي) وتطاردها روحه دائماً، طالباً منها إغاثته
بعد أن قُتل ودُفنت جثته بين قبور عالي، مع العلم بأنها لم تره تماماً...
هذه هي الفكرة الأساسية التي صنعها الذوادي ورمضان، لتقديم أحداثاً مليئة
بالإثارة والترقب والرعب أحياناً.
وبهذا اختار فيلم "الزائر" أن يختلف ويفاجيء في موضوعه وأسلوبه عن مجمل
الدراما التليفزيونية البكائية المحلية والعربية والتي سيطرت على المتفرج
أكثر من عقدين من الزمن. فالفيلم يطرح موضوع ظاهرة التخاطر أو (استقبال
رسائل من الموتى). وهي ظاهرة علمية تدعى (علم نفس الخوارق).. علم يتوقع له
العلماء والباحثين النفسانيين بأنه سيحل في المستقبل محل (علم نفس
البشرية)، كما ستسيطر الروحانيات على علم نفس المستقبل.
فيلم "زائر" قادر على جذب المتفرج.. وأرى بأن حكاية الفيلم وفكرته البسيطة،
اتصفت بقدرة على احتواء الجو النفسي والدرامي المطروح في الفيلم. أرى أيضاً
بأن هناك حماس فياض لدى صناع الفيلم، أغفلهم عن تحاشي بعض السلبيات
الدرامية والفنية البسيطة.
نبدأ بالعناوين الأولى للفيلم.. حيث أن الصورة والصوت (اللقطات الكبيرة مع
الموسيقى والمؤثرات الخاصة اللذان صاحبا العناوين)، كانتا في تناغم فني
جميل.. تعطي ذلك الإحساس بأننا أمام فيلم متميز.. يدخلنا الفيلم منذ لقطاته
الأولى في الحدث، عندما يخبرنا بأن هذه البنت الصغيرة تعاني من مشكلة. وهذا
بحد ذاته يدخلنا في ترقب حذر لما سيحدث.. نتعرف على البطلة بعد عشرين
عاماً.. لنتابع في لقطات متتابعة، إمرأة عاملة ومطلقة تربي ابنها ذو السنين
الأولى من عمره.. لكنها تعاني هذا القلق والخوف من النداء الذي يلاحقها في
كل مكان. يقول الفيلم بأن هذا النداء استمر لسنين طويلة.. منذ طفولتها
المبكرة، ولم تجد له أي حل.. وهذا بالطبع بعيد عن المنطق.. باعتبار أن أي
إنسان لا يمكن أن يتحمل ما حصل للبطلة في الفيلم، من هواجس ورعب وخوف طوال
هذه السنين.. فكيف استطاعت بطلة الفيلم تحمّل هذا القلق والخوف كل هذه
السنين؟! فمن المعروف بأن ظاهرة التخاطر، كما يحددها علم النفس، ممكن
حدوثها في لحظة من الزمن ـ أي زمن ـ حتى بعد الحادث بسنوات طويلة.
هناك أيضاً مشهد تعرف البطلة على الرابط بينها وبين جريمة حدثت منذ زمن طويل.
حيث وجود عدم تراتب زمني للسرد الدرامي.. فعندما يعرف (أحمد مبارك) بأن
فاطمة هي ابنة صديقه عمر.. تلاحظ هي ارتباكه.. ولكنها لا تسأله عن إذا كان
يعرف والدها أم لا.. بل نراها تسأله عن صاحب الصورة الموجودة في الصحيفة
التي وجدتها في حاجيات والدها.. ثم ـ وفي مشهد آخر ـ نراها تسأله عن معرفته
بوالدها.. يخرج الفيلم من الحالة المنطقية في تراتبية الحدث. فمن المنطقي
جداً حدوث العكس.. معرفته بوالدها ثم بصاحب الصورة.
كمتفرجين، نشعر بذلك الخطأ الدرامي في السرد، باعتباره خلل يفقد المشهد
مصداقيته.. بل ويفقد الفيلم الكثير من التركيز.
ثانياً: الإخراج والعناصر الفنية الأخرى
تتوضح قدرات أي مخرج سينمائي، من خلال الخبرة الفنية والعملية التي يتمتع بها..
من خلال عمله في السينما التسجيلية أولاً، أو كمساعد مخرج لسنوات طويلة
ثانياً، تؤهله لإخراج فيلمه الروائي الأول.. والأمثلة على ذلك كثيرة..
أبرزها نجوم الإخراج في تيار السينما المصرية الجديدة التي انبثقت مع بداية
الثمانينات من القرن الماضي، على يد فرسان أمثال: محمد خان، خيري بشارة،
عاطف الطيب، داود عبد السيد وغيرهم. فجميعهم مخرجون، أكسبتهم الخبرة
العملية، رؤية فنية وتقنية قدموها في أفلامهم الروائية المتأخرة.
والمخرج بسام الذوادي، الذي أعرفه عن قرب كصديق وفنان، بالرغم من خبرته في
التليفزيون، وعمله المتقطع على الدراما التليفزيونية، إلا أنه يفتقد الخبرة
السينمائية، نتيجة عدم توفر إنتاج سينمائي محلي يمكن الاستفادة منه.. هذا
بالرغم من أن بسام فنان مجنون سينما.. أي أنه ـ بالإضافة إلى عشقه لفن
السينما ـ فهو مطّلع وعارف بكل أساليب الإخراج الفنية والتقنية، من خلال
المتابعة والدراسة وحضور الملتقيات والمهرجانات السينمائية والإطلاع على
أغلب ما ينتج في السينما العربية والعالمية. إلا أن كل هذه الأمور لا تشكل
الخبرة العملية.. فالعمل السينمائي المتواصل هو الذي يكسب الخبرة.. حتى أن
بسام الذوادي، منذ فيلمه الأول، وعلى مدى خمس عشر سنة لم يعمل في السينما
إطلاقاً، لا مساعداً ولا مخرجاً للأفلام التسجيلية أو الوثائقية.
وقولي هذا، لا يأتي للتقليل من قدرات بسام الذوادي كفنان، بقدر خوفي على
موهبته المتألقة من التعطل.. ففي ظل غياب السينما المحلية، فإن محاولة خلق
أو البحث عن جو سينمائي مناسب لممارسة فعل السينما يعد أمراً ضرورياً.
وبالرغم من هذا، فنحن، في فيلم "زائر"، أمام مخرج حساس وطموح، يحاول الانطلاق
بالتجربة السينمائية البحرينية إلى أفاق فنية رحبة.. دون التقيد بما هو
مقرراً أن يقوم به، نتيجة هذا التجاهل من المؤسسات الرسمية والحكومية تجاه
فن السينما.
نجح الذوادي في تجربته السينمائية الثانية، في التصدي لإخراج موضوع درامي
جيد، واستطاع توصيله بشكل فني متقن.. ربما لم نكتشف تلك السلبيات التي يمكن
أن يحملها أي عمل فني أو سينمائي.. لكننا لاحظنا بأن هناك خطأ فني واضح في
الإخراج.. وذلك عندما تتأزم الأحداث ويفشل أبطال الفيلم في محاولة خروجهم
من هذه المتاهة.. كيف يريدنا الفيلم الاقتناع بعدم قدرتهم على الخروج
ومصابيح الشوارع المحيطة بالمقابر ظاهرة للمتفرج في أكثر من مشهد.. ومن
الممكن أن تكون دليلاً لهم في أي لحظة. كان من الممكن تحاشي هذا الخطأ بأي
طريقة ممكنة.. فهو شي أفقد المشهد ـ وهو من بين أهم مشاهد الفيلم ـ
مصداقيته.
1ـ التصوير:
أول ما يلفت نظرنا، أثناء المشاهدة المركزة لفيلم "زائر" هو "أحمد الذوادي"
اعني التصوير، حيث أن الكاميرا كانت بالفعل هي البطل الحقيقي.. فلهذه
الكاميرا الحساسة الفضل في خلق صور جميلة معبرة، كان لها شأن كبير في تحمل
الأعباء الفنية والارتقاء بمستوى الفيلم الفني والتقني. فقد تكفلت عدسة "الذوادي"
بإبراز اللون والإضاءة بشكل يوازي الحدث الدرامي في الكادر، والذي نجح فيه
إلى حد كبير. فقد كان ذلك واضحاً من خلال مشاهد الكوابيس التي أظهرت قدرات
"الذوادي" في استخدام العدسات الخاصة والزوايا الصعبة للكاميرا، وخصوصاً
تلك الكاميرا المحمولة التي نجح المخرج في استغلالها بشكل مناسب وموفق
أيضاً، ويرجع هذا التمكن، بالإضافة إلى توجيهات بسام الذوادي كمخرج، عمل
"أحمد الذوادي" الدائم في الدراما التليفزيونية، الذي اكسبه خبرة كافية
ليكون إضافة موضوعية على كل عمل فني يشارك فيه.
2ـ المونتاج:
يعد المونتاج من أهم العناصر في أي فيلم، وخصوصاً في فيلم كهذا، يقدم الإثارة
والترقب، لذلك كان من الصعب على المتفرج أن يقبل أي نوع من التهاون في
القطع بين المشاهد.. ذلك ما لاحظناه في الكثير من مشاهد الفيلم.. التي بدت
مطولة أخشى أنها كانت مملة بعض الشيء. كما لم ينجح المونتاج في إضفاء بصمة
فنية واضحة على العمل بشكل عام على أحداث الفيلم، حيث التناغم بين المشهد
والآخر لم يكن متوفراً.. هذا إضافة إلى التوازن بين المؤثرات الصوتية
والمونتاج، الذي أخفق في أحيان أخرى.
3ـ الموسيقى والمؤثرات الخاصة:
وبالرغم من أن واضع الموسيقى التصويرية للفيلم قد استفاد من قدرات الموسيقى
الإلكترونية، إلا أن هناك عدم انسجام وتآلف بين الموسيقى والحدث في أحيان
كثيرة. فعلى سبيل المثال، كانت الموسيقى المصاحبة للكوابيس التي تنتاب
فاطمة موفقة إلى حد كبير في التعبير عن الحدث الدرامي وشد المتفرج إلى
اللقطات المتلاحقة. بينما لا نجدها متواجدة ومؤثرة تماماً في مشاهد كان
وجودها سيعطي الحدث تعبير وتأثير أقوى على المتفرج. هذا إضافة إلى الإخفاق
في التعبير عن مشاهد أخرى.
4ـ التمثيل:
كان الأداء الذي قدمته بطلة الفيلم فاطمة عبد الرحيم مع علي الغرير، جمعان
الرويعي، أحمد مبارك، أحمد عقلان، أمين الصايغ، مصطفى رشيد، الذين قاموا
بالشخصيات الأخرى.. عاملاً مهماً في نجاح هذا الفيلم. كان الأداءً في مجمله
تلقائياً وبعيداً عن التشنج والمبالغة. حيث نجح المخرج تماماً في إدارة
ممثليه، وتخليصهم من ذلك الأداء المسرحي الإنشائي المتوقع، والذي بالطبع لا
يتناسب وفن السينما.
اختيار المخرج للممثلة فاطمة عبد الرحيم للقيام بدور البطلة، موفقاً إلى حد
كبير، كانت في حالة أدائية متألقة.. لفتت الأنظار إليها كممثلة سينمائية
بحرينية.. كما نجحت في تقديم قدرات أدائية مكبوتة، لم يتسنى لمتفرجي
الدراما التليفزيونية الإطلاع عليها فيما قدمته من أدوار تليفزيونية.
كما كان أداء الفنان أحمد عقلان ملفتاً.. حيث كان ملك التلقائية في هذا
الفيلم.. نبرات صوته كانت صادقة وتعبيراته كان لها وقع شديد الأثر على
نفسية المتفرج.
وهذا لا ينفي من أن الأداء في أحيان قليلة قد جاء مبالغاً، خصوصاً في نوبة
البكاء التي انتابت أحمد مبارك جراء فقدانه لأخيه.. فلم يكن البكاء مقنعاً
للمتفرج، بل كشف عن تعجل في تنفيذ المشهد. هذا بالرغم من أن أداء هذا
الفنان في الفيلم بشكل عام، يبرز عن إمكانيات أدائية حقيقية.
ثالثاً: الإنتاج
هل من الممكن أن نحلم أكثر.. عندما نعتقد بأن إمكانية إنتاج فيلم كل عامين أو
أربعة.. أصبح أمراً متوقعاً ؟!
لابد لنا أن نبالغ في هذا الحلم.. فالإنجازات الكبيرة لا تأتي إلا عبر
الأحلام والأمنيات المستحيلة. واعتقادي الجازم بأن تحقق بعض أحلامنا لن
يتسنى إلا عبر دخول القطاع العام في عجلة الإنتاج السينمائي، جنبا إلى جنب
مع القطاع الخاص.. لابد من التأكيد على هذا الأمر.. فمهما كثرت محاولات
القطاع الخاص في الإنتاج السينمائي.. إلا أنها ستكون مرهونة بالمردود
المادي التجاري.. ومتى سيعرض الجمهور عن هذه الأفلام، سيتوقف الإنتاج
تماماً.
الإنتاج السينمائي، عالم لوحده.. فكيف يمكن الحديث عن هذا في البحرين.. لذا
كان على صناع فيلم "الزائر" الذهاب قسراً إلى التصوير بالكاميرا الرقمية،
والتي بالطبع ستختصر الكثير من المتاعب الإنتاجية المادية والتقنية. وهذا
ما اقتنع به المخرج بسام الذوادي أخيراً، بعد أن واجه الكثير من المتاعب
وهو يبحث عن ممول لفيلمه المعلن عنه مسبقاً "أحلام صغيرة".
بسبب فكرة فيلم "الزائر" الجماهيرية، وبسبب تكلفة الإنتاج المنخفضة، نجح
المخرج بسام في إقناع شركة البحرين للسينما، في إنتاج هذا الفيلم، بتكلفة
لا تزيد عن أربعين ألف دينار. وبالتالي أصبح من السهل الحديث عن فيلم
بحريني كل سنتين أو ثلاث.. خصوصا وان إنتاج واحداً من مسلسلات رمضان
التلفزيونية تكلف أكثر من ضعف هذا المبلغ. فمن الإنصاف أن يكون لكل عيد
فيلم بحريني على اقل تقدير.
الفيلم من إنتاج شركة البحرين للسينما في باكورة إنتاجها السينمائي.. لتضع
هذه الشركة أقدامها في مضمار يتناسب وتخصصها.. هذا الدور الذي طال
انتظاره.. منذ أن تأسست هذه الشركة مع بداية السبعينات من القرن الماضي.
رابعاً: الدعاية والإعلان
من المهم الإشارة إلى نقطة هامة بالنسبة للعروض الجماهيرية لفيلم "زائر"..
ألا وهي الدعاية والإعلان السابقة لعرض الفيلم.. فقد لفت انتباهي بأن
الإعلان قد ظلم الفيلم تماماً.. حتى في العرض الافتتاحي الخاص، لم ألحظ أي
شيء يذكر، يدلنا على أن تلك الليلة هي ليلة الافتتاح.. الملصق الوحيد الذي
أوحى لي ذلك، هو ملصق الفيلم المعلق بجانب صالة العرض المعنية.
في اعتقادي بأنه ليس أمراً عادياً أن يكون هناك فيلم بحريني، بل إنه أمراً
استثنائياً.. لذا كان على المنتج، بذل الكثير من الجهد والمال في سبيل
الدعاية والإعلان.. وإلا كيف يطلب من الجمهور الاستجابة لدعوته بمشاهدة
فيلمه.
انتابني شعور بان تجاهل المنتج للدعاية والإعلان عن الفيلم بمثابة إهانة وقلة
تقدير موجهان لمجمل الكادر السينمائي البحريني الذي عمل في الفيلم، ولكل من
يؤسس لسينما بحرينية.. فلماذا مبنى شركة البحرين للسينما مليئا بملصقات
الأفلام العربية والأجنبية، وبالحجم الكبير أيضاً.. بينما فيلم زائر حرم من
ذلك.. فلماذا.. أليس ثمة ما يوحي بان هذا الأمر تقليلاً من قيمة الفيلم
وأهميته؟!!
|