الخلاصة:
توم ويليس (نيكولاس كيج) إختصاصي مراقبة – وهو ما كان يعرف في السابق
باسم "تحري خصوصي" - لكن تخصصه هذا يأتي من صعوبة المادة التي يصنع منها
أسطورة. يملك مؤسّسة متواضعة للتصوير في هاريسبيرغ، بينسلفانيا، حيث يعيش
في كينونة رائعة مع زوجتة أيمي وطفلته سيندي. محترم لكنه ما زال ينتظر
الفرصة الكبيرة التي ستحسّن حالته العملية، و يقضي يليس أغلب وقته في حالات
رّوتينية تتضمّن أزواج خونة وما شابه. لاشيء خطر، ولا تهديدي. . . إلى أن
جاءت تلك البكرة البلاستيكية غير المؤذية المظهر والصغيرة، لفيلم يقلب
حياته رأساً على عقب، يؤدي به إلى طريق قذر ومفزع في زوايا المجتمع المظلم.
من الأرصفة البشعة لمدينة لوس أنجلوس إلى هوليود الجادة إلى منطقة قذرة في
مدينة نيويورك، ثمانية ميليمتر يلاحق ويليس حيث يطارد أثر غريب بشكل صارم
وتخطيطي ودليل مزعج ويتخذ قراراً في اكتشاف قدر تلك البنت المسكينة التي
قتلت والتي تبدأ تطارد خياله وضميره. يساعده في هذا الاستحواذ موظف مكتبة
ذو خبرة في هذا المجال اسمه ماكس (جواكوين فونكس)، ويليس يغادر زوجته
وعائلته وحياته السابقة. وما تعلمه ويليس من هذه التجربة، إضافة إلى
كوابيسه السيئة، هو إدراكه ومعرفته بمدى إمكانية بكرة صغيرة من ثمانية
مليمتر أن تصنع فيلماً كاملاً.
ثمانية مليمتر ـ رؤية نقدية
إن فيلم (8 مليمتر) للمخرج جويل شوماتشير عبارة عن رحلة رطبة ومظلمة،
في العالم السفلي للأفلام البشعة، تكتشف من قبل محقّق خاصّ والذي هو نفسه
قد فزع وتغير من هول ما وجد. فهو يتعامل مع مواد أفلام الاستغلال العنيفة،
لكن في طريق غير إباحي؛ هو على الأصح مروّع أكثر منه مثير. إنّ الكاتب هو
أندرو كيفين وولكر، الذي كتب (سبعة Seven)، وهو هنا يبتكر مرة ثانية شخصية
تنظر إلى الشّريّر ويسأل (حقا، صيحات), لماذا؟
ويأتي الجواب في نهاية الفيلم تقريبا، من شخصية أكثر شرّا: "الأشياء التي
أفعلها، أفعلها لأنني أحبها. لأني أريدها". ليس هناك راحة، واللقطات
النّهائية، لتبادل الابتسامات، ساخر؛ وولكر يقبل بأنّ الشّريّر الصّافي
يمكن أن يبقى، وهناك أناس سّيئون بالفطرة؛ واحد من قتلته يوبخ البطل حين
يقول له: "لم أكن أضرب عندما كنت طفلاً. ولم أكن أكره والدي".
النجم السينمائي نيكولاس كيج في دور رب عائلة مبهم يدعى "توم ويليس"، يعمل
كمحقّق خاصّ ويرجع إلى البيت لزواج ناجح مع زوجته (كاثرين كينير) وطفلتة.
إنه متخصّص في الزّبائن المتميزين وذوي المستوي الأعلى. يُستأجر من قبل
المحامي لأرملة غنية كانت قد وجدت على ما يبدو فيلم بشع في خزانة زوجها
المتوفى؛ وتريد الاطمئنان على الفتاة التي تقتل في الفيلم هل ماتت حقا أم
لا، وويليس يخبرها بأن الأفلام البشعة "أساسا منسوبة لأسطورة حاضرة،
ومؤثرات خاصّة، كما تعرفين ذلك".
يصل الفيلم بويليس عندما يتعرف على الفتاة التي في الفيلم، يجتمع مع أمّها،
ويتابع تحركاتها، وينحدر في النهاية في عالم فاسد وإباحي للإيجار، عالم
يصنع أفلاماً بأمر من زبائن شاذين. والمخرج جويل شوماتشير له علاقة بالجو
المظلم (فقد صنع من قبل "الأولاد المفقودون"، و"فلاتلنيرس" وفيلما "باتمان").
وهنا، في هذا الفيلم مع موسيقى "مايكل دانا" الحزينة وكاميرا "روبرت إلسويت"
المنحرفة، يخلق إحساس النذير في اللقطة الافتتاحية حتى مع المسافرين
الماشين في المطار.
والمقصود من الفيلم هو أخذ شخصية عادية ملائمة وجلبها في مثل هذه المجابهة
المزعجة بالشّريّر الذي قادوه لأن يقتل. ونعلم بأن توم ويليس ذهب إلى مدرسة
جيدة وهو على ثقافة أكاديمية، لكنه كما يبدو للعيان قد "درس القانون
والمحاسبة" أيضاً، كما يتأمل محامي الأرملة الغنية، ويواصل بسؤاله: "اخترت
المراقبة"، ويجيبه ويليس: "نعم، فكرت في المستقبل". في الغالب عمله يتوقف
على بقايا الزناة، لكن هذه الحالة مختلفة. فهو يقابل ويتحدّث مع أمّ الفتاة
في الفيلم، ويتعقب آثار حركاتها إلى هوليود، وبعد ذلك يجند شخصاً لكي
يساعده في اكتشاف العالم المخفي لإعمال الجنس.
هذا هو ماكس كاليفورنيا (جواكوين فونكس)، الذي تمنى للوصول للأعلى مرة لكنه
الآن يعمل في بيع "أفلام الجنس الفاحشة" بالتجزئة؛ يقترح علينا الفيلم بأنّ
اقتصاد لوس أنجلوس يأتي من الساعين الصغار المتفائلين بالعمل في قنوات
تجارة الجنس المباشرة. وعن طريق مساعدة ماكس، يقابل ويليس "إدي بول" (جيمس
غاندولفيني)، وهو من الشّخصيات التي تعني عندما يقول بأنه يمكن أن يأتي لك
بأي شيء تبحث عنه. وعن طريق إدي، يقابلون "دينو فالفيت"، مخرج أفلام
البورنو الفاسد الذي يقوم بدوره "بيتر ستورمار" والذي قام بدور القاتل الذي
لم يقل شيء تقريبا في فيلم (فارجو Fargo)، أما هنا في هذا الفيلم فهو يقدم
دوراً مرعباً. إضافة إلى نجم بعض من أفلامه "ميشين" (كرس باير)، الذي لا
يحبّ أن يزيل قناعه.
ونحن نتوقّع بأن ويليس سيواجه الخطر مع هؤلاء الرّجال، وبالفعل يحدث ما
توقعناه، لكن فيلم (8 مليمتر) لا يعامل المشكلة ببساطة كمناسبة لمشاهد
الأكشن المثيرة. فهناك مشهد عندما تسنح الفرصة لويليس للانتقام، لكن تنقصه
للرغبة (فهو ليس بقاتل)، وبالفعل يخابر الضحيّة ويسألها. لم أشاهد هكذا من
قبل في أي فيلم، وهو يقدم أسئلة ذات مغزى على الجمهور أن يتعامل معها، بشكل
أو بآخر.
اعرف بأن البعض من الجمهور سيفزع من هذا الفيلم، كالكثيرين الذين حدث لهم
هذا مع فيلم (سبعة). "إنه صعب جدا" (R) وبلا شكّ قد يكون (NC-17) لو أنه
كان فيلماً هندياً، بدلا من أستوديو كبير. لكنه فيلم واقعي، وليس تمريناً
استثمارياً بارعاً مع تزيين الفساد بدون نّتائج منطقية. وهو ليس فيلماً حيث
تضيع القضايا الأخلاقية في ذروة الإثارة والمتعة. نعم، فالبطل رجل عادي يجد
نفسه قادراً على أن يعالج حالات عنيفة، لكن ذلك لم يكن موضوع الفيلم.
فالكلمتين الأخيرتين في السيناريو قد "أنقذتني"، ففي الوقت الذي قيلت فيه،
عرفنا ماذا يعنون. |