اصبحت حفلة توزيع جوائز الاوسكار في هوليوود وما تحظى به من اهتمام عالمي تقليدا سنويا في ربيع كل عام، وهي ذروة شهور من التغطية الاعلامية التي ترافق المراحل المختلفة لعمليتي ترشيح واختيار الفائزين بالجوائز. وستقام حفلة هذا العام في التاسع والعشرين من الشهر الحالي، اي قبل موعدها المعتاد بنحو شهر، مما جعل هذا الشهر شهر جوائز الاوسكار، ومما استوجب تقديم المراحل المتعددة لعمليتي ترشيح اختيار الفائزين بالجوائز. وتمنح جوائز الاوسكار من الاكاديمية الاميركية لفنون وعلوم السينما التي تمثل القطاعات السينمائية المختلفة في هوليوود، والتي ارتفع عدد اعضائها من 231 عضوا عند تأسيسها في العام 1927 الى اكثر من 6000 عضو هذا العام. ويشكل الممثلون قرابة ربع اعضاء الاكاديمية التي تشتمل حاليا على 14 فرعا بعد ان تمت اضافة فرعين جديدين لفروعها الاثني عشر السابقة، هما فرعا الافلام الوثائقية والمؤثرات الخاصة. وليست هناك جائزة فنية تحظى بالمكانة او الشهرة التي تتمتع بها جائزة الاوسكار بين اهل الفن والاعلام والجمهور في الولايات المتحدة، بل ان ذلك انتشر على نطاق عالمي خلال العقود الاخيرة بفضل انتشار التلفزيون. ومما قاله لي المخرج العربي المعروف الراحل صلاح ابو سيف في لقاء معه قبل وفاته بعدة اشهر ان جائزة الاوسكار في نظره اشهر من جائزة نوبل. ولا ينطوي رأي المخرج صلاح ابو سيف بجوائز الاوسكار على اي مبالغة. فلو تم استطلاع آراء الناس في دول العالم المختلفة لوجدنا ان من يعرفون اسماء الافلام والممثلين الفائزين بجوائز الاوسكار اكثر ممن يتذكرون اسماء الفائزين بجوائز نوبل للسلام او الادب او الطب. وفي الولايات المتحدة 32 منظمة سينمائية تقدم جوائز سينمائية لافضل الانجازات السينمائية واكثر من 170 منظمة اخرى تقدم جوائز في الميادين الفنية الاخرى، ولكن ليس بينها الا عدد قليل تنقل حفلاتها على التلفزيون في سائر انحاء الولايات المتحدة. اما حفلة توزيع جوائز الاوسكار فتنقل على التلفزيون في سائر انحاء الولايات المتحدة وفي عشرات الدول الاخرى، حتى انها اصبحت اهم حدث تلفزيوني في العالم. اذ يشاهدها على التلفزيون ربع سكان الكرة الارضية. وما من شك في ان التغطية التلفزيونية لحفلات توزيع جوائز الاوسكار والتي بدأت في العام 1953 اسهمت اسهاما كبيرا في شهرة الاوسكار ومكانتها الخاصة. ولكن ما هي اسباب هذه الاهمية الخاصة لجوائز الاوسكار؟ تكمن الاجابة على ذلك في عوامل عديدة ومتداخلة. فجائزة الاوسكار رمز مهم للانجازات الفنية والتقنية السينمائية، وهي تجسيد للانجازات المتفوقة في مختلف الميادين السينمائية، من الابداع في التمثيل والاخراج والتأليف الى الانجازات التكنولوجية الرائعة في التصوير والمؤثرات الخاصة. وتقدم جوائز الاوسكار دليلا على ان الفيلم المتميز يجمع بين الابداع الفني والبراعة التكنولوجية. وجائزة الاوسكار بالنسبة للفائزين بها - فيما عدا استثناءات قليلة جدا لمن رفضوا قبولها كالممثل جورج سي. سكوت - هي اعلى ما يصبو اليه الممثلون وغيرهم من العاملين في السينما الاميركية من فنانين وفنيين، وهي تتويج للانجازات السينمائية والفنية لاصحاب المواهب واصحاب الحظ احيانا قد لا تتحقق الا مرة واحدة في العمر، ولم تتحقق للكثير من كبار نجوم السينما وعمالقة السينمائيين. وحين قدمت جائزة الاوسكار للممثل الراحل جون وين المعروف برجولته وحيويته على الشاشة عن دوره في فيلم «ترو جريت» في العام 1969، لم يتمالك نفسه وانهمرت دموعه امام انظار مئات الملايين من مشاهدي التلفزيون. فقد كانت جائزة الاوسكار لجون وين تتويجا لمشوار سينمائي حافل كان قد بدأ قبل ذلك باربعين عاما. كما بدا التأثر الشديد على الممثل جريجوري بيك - كغيره من الفائزين - حين منح الاوسكار عن فيلم «مقتل طائر محاك» في العام 1962 بعد ان كان قد رشح لتلك الجائزة اربع مرات. وحين سئل عن اهمية الفوز بجائزة الاوسكار اجاب قائلا «انني لا استطيع مهما تظاهرت ان اقلل من اهمية حصولي على الجائزة. فبعد وفاتي سيكون فوزي بجائزة الاوسكار من اول الامور التي ستذكر في بيان نعيي». وقد تحققت نبوءة جريجوري بيك عندما توفي في العام الماضي. وجائزة الاوسكار تكريم وتقدير واعتراف من اقران الفنان الفائز ببلوغه درجة الامتياز في عمله. وهذا التكريم من الاقران هو اكثر ما يؤثر في الفنانين الفائزين الذين دأبوا على مر السنين على الاستشهاد بذلك كأهم عامل بين عوامل الفوز بالاوسكار. وحين تلقى المخرج والممثل الشهير اورسون ويلز جائزة اوسكار فخرية في العام 1971 كان اول ما قاله «ارجو ان يدرك الجمهور سبب الاهمية الخاصة لهذه الجائزة بالنسبة لي. فهي لا تقدم لي من الجمهور او النقاد، بل من السينمائيين انفسهم الذين يعشقون السينما اكثر من غيرهم». وكان اورسون ويلز قد تقاسم جائزة الاوسكار لافضل سيناريو اصلي مع الكاتب السينمائي هيرمان مانيكويكز عن رائعته السينمائية «المواطن كين» في العام 1941. وجائزة الاوسكار تشكل في معظم الاحيان نقطة تحول مهمة في حياة السينمائيين الذين يفوزون بها. فكثيرا ما تعزز هذه الجائزة مكانة الفائزين بها، وخاصة الممثلين، وتكسبهم شهرة فورية وتكون سببا في تهافت المخرجين والمنتجين عليهم للظهور في افلامهم، وكثيرا ما يتيح الفوز بالاوسكار فرصة جديدة للممثلين المغمورين او المنسيين. وجائزة الاوسكار وسيلة للثراء الى جان الشهرة. فهي تجلب ملايين الدولارات الاضافية لمنتجي الافلام الفائزة كما تجلب الثراء للممثلين الفائزين. ويزداد اقبال الجمهور عادة على مشاهدة اي فيلم يرشح او يفوز بالاوسكار، مما يترجم الى ايرادات اضافية على شباك التذاكر قد تصل الى عشرات الملايين من الدولارات. اما الممثلون فيضاعف الكثيرون منهم اجورهم بعد فوزهم بالاوسكار، بل ان بعضهم فعلوا ذلك لمجرد ترشيحهم للجائزة، كما فعل الممثل البريطاني توم كونتي عندما رفع اجره عن الفيلم من 100 الف الى مليون دولار بعد ترشيحه للاوسكار عن دوره في فيلم «روبين روبين» في العام 1983. كما رفع الممثل جورج كنيدي اجره من 20 الفا الى 200 الف دولار بعد فوزه بجائزة الاوسكار لافضل ممثل في دور مساعد عن فيلم «لوك الهادىء الاعصاب» في العام 1967. كذلك قام الممثل جين هاكمان برفع اجره من 200 الف الى 500 الف دولار بعد فوزة بالجائزة عن دوره في فيلم «العلاقة الفرنسية» في العام 1971. وجائزة الاوسكار حدث فني وشعبي كبير. فقد بدأت حفلة توزيع جوائز الاوسكار تستأثر باهتمام الجمهور منذ بدء تغطيتها الاذاعية في مدينة لوس انجليس في العام 1930، وتضاعف هذا الاهتمام مع انتشار هذه التغطية الاذاعية في سائر انحاء الولايات المتحدة في العام 1944، ثم تصاعد مع بدء تغطيتها التلفزيونية على صعيد الولايات المتحدة في العام 1953، وفي عشرات الدول الاخرى في السنوات اللاحقة. وجائزة الاوسكار دراما انسانية، فالحفلة السنوية لتوزيع الجوائز، بما تشتمل عليه من مشاعر وعواطف وانفعالات انسانية عفوية، تنقل صورة حية الى اكثر من 5ر1 بليون من مشاهدي التلفزيون في سائر انحاء العالم عن جوانب انسانية لأهل الفن لا تظهر في ادوارهم على شاشة السينما. واخيرا وليس آخرا فان تطور جوائز الاوسكار منذ بدء تقديمها في العام 1927 يقترن بتاريخ السينما الناطقة في الولايات المتحدة. فقد تم تكييف الفئات المختلفة لجوائز الاوسكار وتعديلها وزيادتها من 10 جوائز في العام 1927 الى 24 جائزة في الوقت الحاضر لمواكبة التطورات الفنية والتكنولوجية التي طرأت على صناعة الافلام السينمائية، كظهور الافلام الناطقة والموسيقية وانتشار الافلام الملونة وما تحقق من تقدم تكنولوجي في مجالات المؤثرات الخاصة والبصرية والصوتية. ويوسع من يدرس جوائز الاوسكار منذ نشوئها ان يجد فيها مرآة تعكس جانبا مهما ومثيرا لتاريخ السينما الاميركية. جريدة الرأي في 14 فبراير 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
جوائز الأوسكار السينمائية: أشهر جوائز فنية في العالم محمود الزواوي |
|