اعتدنا في عالمنا العربي منذ زمن على قيام الأجهزة الحكومية متمثلة في وزارات الثقافة والإعلام بتنظيم غالبية الفاعليات الثقافية والفنية ورعايتها. وهي تفعل هذا عادة غير عابئة بالسلبيات المتعددة التي تترتب على هذه التبعية من فرض رقابة ووصاية ايديولوجية على اختيارات القائمين على تلك الأجهزة بعيداً من المعايير الفنية. ومع ذلك لم تتوقف المحاولات للخروج بالمشهد الثقافي والفني من بؤرته الحكومية, فقامت الجمعيات الأهلية في مصر على مدى ثلاثة عقود بتنظيم المهرجانات السينمائية. وعلى رغم خضوع الجمعيات الأهلية لرقابة الدولة وسقوط جمعيات أخرى في فخ الفساد تارة والصراعات بين القائمين عليها تارة أخرى, ما حدا بوزارة الثقافة الى معاودة وضع كل المهرجانات في جعبتها, فإن محاولات الخروج ما زالت مستمرة. ويأتي مهرجان "الساقية" الأول للأفلام الروائية القصيرة في إطار هذه المحاولات, إذ تنظمه "ساقية عبدالمنعم الصاوي" وهي مركز ثقافي مصري يهتم بالآداب والفنون بأنواعها كافة مستغلاً مساحة كبيرة أسفل كوبري "15 مايو" في حي الزمالك القاهري ويحمل اسم صحافي مصري وروائي راحل. وهي المرة الأولى التي تضطلع فيها "الساقية" بتنظيم مهرجان سينمائي. وأقيم المهرجان خلال شباط (فبراير), وعرض 40 فيلماً على جمهوره على مدى ثلاثة أيام. الأفلام المعروضة انتمت الى جهات إنتاجية مختلفة مثل: "المركز القومي للسينما", و"المعهد العالي للسينما", وشركة "سمات", و"قصر السينما", والقنوات المتخصصة بالتلفزيون المصري, وعدد من المستقلين الذين قاموا بانتاج أفلامهم بالجهود الذاتية. بعض هذه الأفلام عُرض في مهرجانات أخرى وبخاصة مهرجان الإسماعيلية مثل: "القرار" لتامر عزت, "أن تنام بهدوء حتى السابعة" لتامر محسن, "الثلاثاء 29 شباط" لجيهان الأعصر, "ليل خارجي" لنوارة مراد, "الثلات ورقـات" لأكرم فريد, "حسبة عواطلية" لخالد حافظ, "نظرة للسماء" لكاملة أبو ذكري, "هون وهونيك" لنادين خان, و"ليلة" لسعاد شوقي. والبعض يعرض للمرة الأولى: مثل "ألوان من الحب" لأحمد غانم, و"من بعيد" لأحمد أبو زيد. وخصصت إدارة المهرجان ثلاث جوائز للأفلام الفائزة, إضافة الى جائزة العمل الأول, وجائزة لجنة التحكيم الخاصة. وتكونت لجنة التحكيم هذه من: محمود حميدة (رئيساً) وأحمد جابر, أحمد رشوان, زينب عزيز, فتحي عبدالوهاب, كمال عبدالعزيز, ومنى ربيع. وطرحت اللجنة في البيان الختامي عدداً من الملاحظات منها أن بعض الأفلام المتقدمة لا يتوافر فيه الشروط التي تنص عليها اللائحة, فبعضها تسجيلي وليس روائياً, والبعض تجاوز سنوات الإنتاج المطلوبة (عامين فقط), فتم استبعاد هذه الأفلام من النقاش النهائي. عدد كبير من الأفلام المشاركة اعتمد على الوسيط الرقمي في تقنيات من تصوير ومونتاج وبخاصة الأفلام المستقلة. هناك بالفعل وسيط جديد يتيح للشباب التعبير عن أفكارهم بكلفة قليلة في ظل أزمة الإنتاج. ولكن المشكلة تكمن في أن عدداً من هذه الأفلام شابه الاستسهال الفني والسطحية في نواح عدة (كتابة السيناريو / التصوير/ الأداء التمثيلي/ وزوايا التصوير واختيار مواقعه). ان سهولة الوسيط وتوافر الأدوات لا يبرر ان بالطبع هذا الاستسهال. وطالما أن صانعي هذه الأفلام ارتضوا أن تتخذ تجاربهم شكل أفلام (وليس مجرد تجارب) لها عناوين وتعرض على جمهور عام, فيجب عليهم التدقيق والتأني في ما يصنعونه من أفلام احتراماً لعقلية المشاهد, ولئلا تكون هذه الخفة باباً لإجهاض تجربة السينما المستقلة. حصل فيلم "ألوان من الحب" من تأليف وإخراج أحمد غانم على جائزة "الساقية" الذهبية, كما حصل خالد صالح الذي مثل الدور الرئيس على جائزة لجنة التحكيم الخاصة عن دوره في الفيلم. أما جائزة "الساقية" الفضية فذهبت لفيلم "أن تنام بهدوء حتى السابعة" من إخراج تامر محسن والذي حصل مدير تصويره عمرو فاروق على جائزة لجنة التحكيم الخاصة أيضاً. وجائزة "الساقية" البرونزية حصل عليها فيلم "الثلاث ورقات" إخراج أكرم فريد. أما جائزة العمل الأول فذهبت الى فيلم "القرار" إخراج تامر عزت وإنتاجه. في ختام مهرجان "الساقية" الأول للأفلام القصيرة تحدث رئيسه محمد عبدالمنعم الصاوي عن رغبته في تطوير المهرجان في الدورات المقبلة وأمله في أن يقف كل المهتمين بالأفلام القصيرة وبالسينما المستقلة بجانب المهرجان. وفي اعتقادنا أنه أمل ليس بعيد المنال من أجل تشجيع صانعي الأفلام القصيرة, وأن الرغبة في تطوير المهرجان ممكنة لكنها تتوقف على خلق جمهور لهذا النوع من الأفلام, وكذلك التخلص من السلبيات وتعزيز الإيجابيات, ما يضمن لهذا المهرجان الاستمرار, ويبلور أهمية العمل الثقافي الأهلي بعيداً من تدخلات البيروقراطية وخلايا الموظفين. جريدة الحياة في 5 مارس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
مهرجان "الساقية" الأول: نافذة على سينما الشباب خارج الإطار أحمد رشوان |
|