سئل المخرج الفلسطيني علي نصار خلال لقائه الجمهور الفرنسي بعد عرض فيلمه "في الشهر التاسع" إن كان من الممكن لمخرج فلسطيني ان ينجز فيلماً غير سياسي. وتساءلنا نحن بعد حوار معه إن كان الحوار مع فنان فلسطيني ممكناً من دون ان تكون فلسطين هي المحرك لكل الأسئلة؟ هل يمكن القول ان الموضوعية قد تبتعد, والحيادية تتوارى, والنقد يختفي, خلال متابعة فيلم من فلسطين, ليحل تشوق لرؤية المكان, ورغبة بمتابعة حياة سكانه بعيداً من التحقيقات الإخبارية والمناظرة المألوفة, وفضول لرؤية التفاصيل؟ هنا, لا ننظر بعيوننا بل بقلوبنا, وهو امر لا يغتفر! الاختفاء والقهر هما الموضوعان الرئيسان في الشريط الذي مزج بين الأسطورة والواقع: عائلة في قرية في شمال فلسطين (اي في اسرائيل) يضطر ابنها خليل للاختفاء تاركاً زوجته سميرة. وطفل يختفي من القرية من الفترة التي يعود فيها خليل متخفياً بعد لجوئه الى لبنان. تقوم الفكرة الرئيسة على اتهام احمد شقيق خليل بخطف الطفل وبيعه, وعلى محاولاته رد التهمة عنه. ومن خلال ذلك نرى القرية بحياتها اليومية وناسها ومعاناة الملاحقة والغياب. الفيلم عرض في المسابقة الرسمية في مهرجان فزول (فرنسا) الدولي للفيلم الآسيوي. وبهذه المناسبة التقينا المخرج علي نصار الذي سبق وأنجز فيلماً روائياً هو "درب التبانة" ونال عنه جوائز عدة.
- لم أرد الانتهاء من فترة الانتقال الى اخرى. اردت من طريق امل الطفـل الذي يبدأ بالحلم والذي ولد وأبوه في المهجر ان أكشف خبايا القضية. والفيلم مزج بين الواقع والحلم, وهو عن حكاية جالت في فلسطين بأن اولاداً عرباً قد اختفوا ولم يعرف مصيرهم, وأن رجـلاً يتخـفى بالأسود وكانوا يدعونه "حمّال مؤخرته في السلة" يخطفهم. ومن هنا أتتني فكرة ان الذي يضطر للتخفي ليلاً لأنه هارب من سلطات الاحتلال ويأتي ليزور اهله, كان على شكل هذا "الحمال....". الفيلم ليس بحثاً في الاختفاء والخطف, بل تسليط للضوء على قضية اللاجئ وقصة حبه لأهله وزوجته, والمجازفة من اجل لمّ الشمل في واقع صعب ومرير يعانيه الفلسطيني تحت الاحتلال. عدو وهمي
- اردت طرح الأسئلة حول العدو الداخلي والضغط القوي على الإنسان الفلسطيني داخلياً وخارجياً.
- إظهار الجوع الجسدي والعطش الروحاني الذي تشعر به المرأة عند غياب رجلها. وهذه المشاهـد هـي من المحـرمات في السينما العربية على رغم انها من الواقع. بملامسة عفوية بين صديقتين يشتعل في داخليهما الشوق والحنين الى الدفء. الى الرجل الغائب. فالجسد له حق وللمرأة حاجات انسانية. تطرقت الى الموضوع بمنتهى الإنسانية والبراءة ولم افكر في ردود الأفعال ولم اضع رقابة على المشهد ولكنني وضعت يدي على قلبي في ما بعد. إنما لحسن الحظ تقبل الجمهور ذلك.
- كانت هناك شبه مقاطعة. لم اجد صالة سينما واحدة تقبل عرضه في اسرائيل. ولكنه عرض في النوادي السينمائية في تل ابيب والقدس, وتظاهر بعض الإسرائيليين ضده. كما عرض في الناصرة في الوسط العربي. وفي رام الله في عرض خاص, فدور السينما اغلقت بسبب الأوضاع الاقتصادية والقهر السياسي. وفي البلاد العربية لن يعرض لأسباب بيروقراطية. فهم يسألون عن شهادة المنشأ. ويعتمدون الفيلم بحسب هويته الرسمية وليس بحسب الهوية القومية للمخرج. وكفلسطيني موجود في اسرائيل... (ابتسم وتابع) سأتوقف عن الكلام, هذا افضل...
- حربي هي مع الاحتلال الإسرائيلي, وتوجيه الرماح نحو العرب لا اريده. من المفترض ان نكون في خندق واحد في معاركنا السياسية والثقافية مع العالم. فنحن متهمون بالتخلف وبأننا اصحاب حضارة هامشية. ومن المؤسف ان يكون النقاش بين العرب انفسهم على امور تافهة. نحن هذه الأقلية التي بقيت على ارضها وناضلت من اجل البقاء ونريد ان نحكي للناس قصة خمسين سنة من الحصار والعيش في غيتو حربنا من اجل لقمة العيش. ولكننا نجد انفسنا مرغمين على ان نشرح لأخوتنا العرب اننا فلسطينيون ونتكلم العربية. أليست هذه مهزلة؟ (تابع بألم) أنا لست في حاجة الى شهادة حسن سلوك من احد. انا الذي أدفن موتاي وأناضل وأجوع وأطالب بحقوقي. وشكراً لمن يمد يده لدعم هذا المشروع الوطني. اقول ذلك بألم كبير. لأن الإسرائيلي والعربي المقاطع لفلسطينيي الداخل يلتقيان في خندق واحد وهدف واحد هو تهميش هذا الفلسطيني وقتله سياسياً ومعنوياً. انا ملآن بالقصص ولا اريد الكلام". الصحافي الذي نفاني
- كتب صحافي مصري "جائزة لجنة التحكيم ذهبت الى الفيلم الإسرائيلي" هكذا! نفاني بجملة كفلسطيني! كيف يكتب هذا؟ (قالها متأثراً). في التلفزيون الكويتي قدموا تقريراً عن البينالي وكل وقائعه وعلي نصار والجائزة كأنهما لم يكونا!! لن أيأس او أحبط لقد حاول الإسرائيليون إحباطنا. لقد مررنا بذلك. إن التظاهرة في القدس ضد فيلمي تعني انه ذو انتماء قومي فلسطيني وذو هوية فلسطينية. لقد ووجهت من بعض الإخوان العرب المتحمسين للقضية بسؤال: لماذا تأخذ مالاً من اسرائيل؟ انا اطالب بحقوقي في اسرائيل لأنني دافع للضرائب ولي حقوق على الدولة وهناك صندوق لدعم السينما. اتمنى لو كان ثمة صندوق عربي لدعم السينما الفلسطينية وأي مخرج فلسطيني سيكون سعيداً لو شاركت شركات عربية ولكن هذا لم يحدث. ولذلك يتوجه المخرجون نحو اميركا وأوروبا, والمقيمون في الداخل نحو صندوق الدعم الإسرائيلي فهذا حقهم.
- كأقلية تنتمي الى اعرق ثقافة حوصرنا منذ 50 سنة ثقافياً وسياسياً, فنحن غير معترف بنا في اسرائيل كأقلية بل كطوائف. والعمل غير متاح للفلسطينيين ولا سبيل إلا بالعمل غير القانوني وغير المصرح عنـه. وثمة عدم وعي لواقع تلك الأقلية الفلسطينية التي بقيت على ارضها. ما يؤدي الى اندفاعات في التقويم عاطفية وغير منطقية وسلبية, فيما يجدر ان يتم العكس اي دعمنا وتبنينا.
- امنيتي! لكن الواقع اقوى منا. الطعام والشراب والبيت كله سياسة, وحتى حبنا سياسة. ولا حيز ولو بسيط من حياتنا يخلو منها. ولكن السياسة عندي غير موجهة. ما يهمني هو ان احكي عن الإنسان الفلسطيني البسيط. جريدة الحياة في 5 مارس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
هل يمكن للتعاطف السياسي أن يخفي عيوب السينما؟ ندى الأزهري |
|