بدأت عدة قاعات سينمائية مغربية منذ أكثر من أسبوع عرض آخر فيلم للمخرج المغربي سعد الشرايبي "جوهرة بنت الحبس" . يتناول الشريط موضوع الاعتقال السياسي الذي شهده المغرب في السبعينات، ففي المشهد الأول يحدد المخرج الزمن على لسان الشخصية الرئيسية في الفيلم والراوية في الوقت نفسه "جوهرة". بنى المخرج سيناريو الفيلم على قصة "جوهرة" التي تسافر بالمشاهد عبر عملية السرد من الزمن الحاضر إلى الزمن الماضي، تسرد بالصورة حكاية أمها صفية الممثلة في فرقة مسرحية، جسدتها الممثلة منى فتو. تبدأ القصة بالصور من خشبة المسرح، يبرز للمشاهد علاقة الحب بين صفية وبين المخرج سعيد، ويستمر الحكي السينمائي خطيا، يتعرض لما عاشته الأم صفية من محن بعد إلقاء القبض عليها من قبل الشرطة، فكان أول لقاء لها في السجن مع "الاغتصاب" حيث إغتصبها رجلا أمن ، بعد أشهر وبعد هروب سعيد من قبضة الشرطة، تلد صفية الطفلة جوهرة، وترافقها في رحلتها المأساوية بالسجن. الفيلم حاول ملامسة الوضع السياسي في فترة الاحتقان السياسي بين النظام المغربي والمعارضة، التي يمثلها في الفيلم المسرحيون المنتقدون لمصادرة الحق في التعبير والمطالبون بتوسيع هامش الحرية. ولم يستطع المخرج أن يمنح هوية خاصة لفيلمه إذ تشتت بين الفيلم البوليسي والفيلم السياسي والفيلم الاجتماعي. يظهر النوع الأول من خلال مشاهد ملاحقة الشرطة للمسرحيين وإلقاء القبض عليهم، ومن خلال تتبعها أثر سعيد الهارب وملاحقة الشرطة لأخيه الضابط... بينما يتضح النوع الثاني من خلال التركيز على حالة القمع والظروف التي عاشها المغرب في ما أصبح يعرف "بسنوات الرصاص". أما النوع الثالث فظهر من خلال تركيز المخرج على حالات إنسانية، أسر تبحث عن فلذات أكبادها وشباب يموت ببطء في السجن. قوة أعمال سينمائية، التي تحاول أن تؤرخ للذاكرة الجماعية، تنبع أساسا من قدرة المخرج على التقاط التفاصيل، غير أن فيلم "جوهرة" أهمل هذا الجانب، بل لم يعره اهتماما. في المشاهد الأولى للفيلم، والذي يدور في مغرب السبعينات، يصدم المشاهد بسيارات تجوب الشارع صنعت قبل خمس أو ست سنوات (سيارات رونو وفيات)، وأوراق مالية من فئة مائتي درهم لم تطبع إلا في السنين الأخيرة وبقنينات جعة صنعت كذلك خلال فترة قريبة . مخرج الفيلم وخلال إجابته عن هذا السؤال في حوار صحافي " ذهب إلى أن "وضع الديكور والإكسسوارات لم يكن عبثا"موضحا أنها رغبة من المخرج في تأكيد أن ما عاشه المغرب استمر حتى التسعينات، واعتبر تلك الهفوات "اختيارات فكر فيها رفقة كاتب السيناريو سلفا". هذا التبرير غير مقنع، إذ كيف يعقل أن يقحم المشاهد في مغرب السبعينات بديكور وإكسسوارات وملابس التسعينات. هذه الهفوات، أو "الاختيار" كما يحلو للمخرج المغربي أن يسميه، شوش على التلقي، فصار الفيلم مشوها يفتقر إلى التجانس والتكامل ويفتقر، وهذا هو الأساسي في عمل سينمائي، إلى رؤية خاصة وذكية من المخرج. هذه الرؤية لمسها المشاهد في فيلم "ألف شهر" للمخرج المغربي فوزي بنسعيدي، إذ كان ذكيا في التعامل مع تلك الفترة من تاريخ المغرب، رغم أنه اعتمد على الإحالة إلى المناخ المتأزم من تاريخ المغرب، وتجنب الأسلوب المباشر كما فعل سعد الشرايبي. فيلم "جوهرة" يمكن تصنيفه ضمن موضة سينمائية جديدة للمخرجين المغاربة، تعتمد على تحويل كتب صدرت قبل سنوات عن سنوات الصراع السياسيين المعارضة اليسارية والملكية في المغرب، فبعد فيلم "جوهرة" سيوزع قريبا أفلام "الغرفة السوداء" لحسن بنجلون و"ذاكرة أبّ لجيلالي فرحاتي، وسبق أن اخرج مخرجون مغاربة شرائط قبل سنتين تتحدث عن الموضوع نفسه. موقع "إيلاف" في 14 مارس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
"جوهرة بنت الحبس" فيلم سينمائي عن الإعتقال السياسي في صالات المغرب أحمد نجيم |
|