في خطوة غير مسبوقة أقدمت ثلاث مؤسسات فرنسية هي مركز بومبيدو الثقافي ووزارة الثقافة الفرنسية والمكتبة العامة للمعلومات، على اتخاذ قرار منعت بموجبه منظمي أكبر مهرجان سنوي للافلام الوثائقية، في فرنسا (4 ـ 14 مارس) من عرض فيلم «خط 181: شظايا رحلة في فلسطين ـ اسرائيل»، مرة ثانية في المهرجان كما كان مخططا. الفيلم هو من اخراج الفلسطيني ميشيل خليفي والاسرائىلي ايلان شيفان، وتعاونت على تمويله ثلاث مؤسسات، سندباد للسينما الفلسطينية، ومؤسستان فرنسية وبلجيكية. يروي هذا الفيلم الذي سيعرض للمرة الثانية في لندن في 21 مارس الحالي، بلسان الطرفين: المستعمرين الصهاينة القادمين من شتى بقاع العالم، والفلسطينيين أصحاب الأرض الذين اقتلعوا من أراضيهم وبيوتهم، حكاية قيام هذا الكيان الاستعماري نتيجة للارهاب المنظم والضغوط الأميركية التي دفعت الأمم المتحدة الى اصدار تقسيم وطن الفلسطينيين، ثم حكاية تشريد الشعب الفلسطيني واستيراد مستوطنين من مختلف الجنسيات لصناعة دولة «اسرائيل». الحقيقة غير مريحة! وزارة الثقافة الفرنسية ومركز بومبيدو الثقافي والمكتبة العامة للمعلومات، وهي الجهات الثلاث التي تشرف على المهرجان، بررت قرارها بحجج غامضة وعجيبة أوردتها في بيان جاء فيه: «ان بث الفيلم على شاشة قناة ARTE (الناطقة باللغتين الفرنسية والألمانية) في شهر نوفمبر الماضي قد اثار سلفا مشاعر حادة، خاصة في أوساط اولئك الحساسين تجاه ظهور أفعال وبيانات معادية للسامية واليهود في فرنسا، والذين يعدون عدوانية الفيلم المبطنة تجاه وجود اسرائيل ذات طبيعة قد تشجع هذه الأفعال. ومنذ الإعلان عن وجود الفيلم في برنامج مهرجان هذا العام، تسلمت ادارة مركز بومبيدو والمكتبة العامة للمعلومات العديد من الرسائل من مصادر متنوعة تعبر عن عدم سعادة اصحابها بعرض الفيلم مرة أخرى في مكان عام. وفي ضوء عدم الارتياح هذا، وفي ضوء المخاطر على النظام العام ايضا، فقد قررت وزارة الثقافة ومركز بومبيدو والمكتبة العامة للمعلومات سوية اختصار عدد مرات عرض الفيلم الى عرض واحد، بدلا من العرض مرتين كما هو مخطط، وتحذير الجمهور قبل العرض من خطر الوقوع تحت سطوة النظرة من جانب واحد التي يقدمها الفيلم، ونظرا الى وضعية المجتمع الفرنسي اليوم، فان هذا التدخل يمتلك أهمية قصوى بالنسبة الى فهمنا لحقوق المواطنة، وعلى الرغم من رغبتنا بالتعبير عن ايماننا بحرية المنظمين في اختيار الأعمال الثقافية وعرضها، الا اننا أيضا نؤمن بالحاجة الى التحرك كمؤسسات واعية بمسؤولياتها. القرار الفضحية.. والمخجل رد الفعل الفوري جاء من المخرجين، ميشيل خليفي وايلات شيفان، فردا على أصحاب هذا البيان وما جاء فيه من ايحاءات وحجج واهية بقولهما: «لقد ذهلنا تماما لدى مسامعنا بمقترح الغاء عرض فيلمنا في 14 مارس، وهو اقتراح نجد انه يشكل فضيحة. ان بيانكم يوحي ان فيلمنا ذو طبيعية تشجع على «ظهور بيانات وأفعال معادية للسامية واليهود في فرنسا». ان هذا الاتهام الذي يشوه سمعة فيلمنا هو نتيجة لحملة ضغط وتخويف على مركز بومبيدو والمكتبة العامة للمعلومات. اننا معنيون بالعداء لليهود والأفعال العرقية في فرنسا بقدر ما يعني الأمر المسيئين المجهولين لسمعتنا. ولكن في وجه هذه الظواهر، ليس لأحد الحق في احتكار هذا الاهتمام أو حب العدالة والسلام وحصره في نفسه كما اظهرت افلامنا طوال العقدين الماضيين. ان هذا القرار المخجل الذي يقوم على أساس افكار مبهمة مثل «المشاعر الحادة» أو «عدم الارتياح» لدى البعض، ويقوم أيضا على تعبير «المخاطر على النظام العام»، لهو أمر خطير، انه يشير الى ان اجهزة الدولة الثقافية غير قادرة على تأمين عرض فيلم أو ادارة مهرجان أفلام. ان فعلكم هذا اضافة الى انه لن يعزز سوى الأخيولات القبيحة لدى البعض، فانه سيقربنا خطوة من اعادة فرض الرقابة ايضا، وهو تشجيع واضح للمتطرفين والمتعصبين، ان الخضوع للضغط ولمطالب طائفية كما فعلتم لن يهدئ المشاعر ولن يقود الى مناقشة حقيقية للقضايا التي يطرحها الفيلم، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نحثكم على التراجع عن قراركم وتفويض منظمي المهرجان سلطة اعادة برمجة عرض الفيلم في 14 مارس الحالي. تضامن ثقافي واسع بعد ان أرسل المخرجان ردهما الفوري هذا اتصلا بعدد من المنظمات المختصة وحظيا بمساندة واسعة النطاق من قبل عدد كبير من الشخصيات البارزة، بمن فيها المخرج الفرنسي الشهير جان ـ لوك غودار والفيلسوف اتيان باليبار، وتضمنت قائمة المساندة والتضامن التي جرى توقيعها في 8 مارس، والتي تحتج على قرار منع عرض الفيلم مرة ثانية عشرات الأسماء لكتاب وفنانين وأكاديميين وشعراء ومفكرين فرنسيين وعرب ومن جنسيات مختلفة. معركة هذا الفيلم الذي يبلغ طوله 4 ساعات ونصف الساعة، ستكون اختيارا حقيقيا لمدى ما تزعمه مؤسسات «الديموقراطية» الغربية من انفتاح ودعوة الى الحريات، وتمثيل لمصلحة الشعوب وحقها في معرفة الوقائع والحقائق التي تخفيها عنها وتحجبها اجهزة اعلامها ومؤسساتها، وهي من جانب آخر اختبار لمدى مصداقية، الفضائيات العربية التي تصاب بالصمم والعمى أمام أفلام وثائقية من هذا النوع، فتتجاهلها ولا تفكر حتى باذاعة اخبارها، ناهيك عن عرضها على المشاهد العربي الغارق في أضاليلها وأفلامها التافهة. قالوا في الفيلم
القبس الكويتية في 14 مارس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
في قرار فضائحي غير مسبوق.. يعري مزاعم المؤسسات الثقافية الفرنسية منع عرض فيلم يروي مأساة شعب |
|