يبدو
أن أفلام الرعب أصبحت أكثر جماهيرية من ذي قبل، ولكن هل هي بالمستوى
الفني الذي كانت عليه؟. ان عنواناً بديلاً لهذا البحث عن تطور أفلام
الرعب في عقد الثمانينيات يمكن أن يكون " الإعادة والتكملة " التي قد
توحي بأن الأفكار الأصلية لنفس الأفلام قد لا تكون صالحة الآن. فإعادة
أفلام مثل "الشيء"
The Thing
و "أناس من قطط"
Cat People
(1982) و"الذبابة"
The Fly
(1986) أضافت الألوان، والمؤثرات الخاصة الحديثة، والأجواء الاثارية
إلى أفلام كانت ذات ميزانيات محدودة. ولكن هذه الإضافات كانت، في أحيان
كثيرة، على حساب الإيحاءات الرقيقة والتعقيدات الجميلة في الفيلم
الأصلي. ان فيلماً مثل "سايكو – الجزء الثاني"
Psycho 2
(1983)
أمكن أن يستند إبداعياً على فيلم هتشكوك الكلاسيكي "سايكو" في حين ان
الإسراف الوجداني الذي غمر نهاية الفيلم "الشبح الضاج – الجزء الثاني"
Poltergeist 2
(1986) كان مناقضاً لروح الجزء الأول.
في
الواقع ان الأجزاء المكملة في أفلام الرعب أقصت صدمة النهايات
المفاجئة، فخلافاً لليد الميتة التي تمتد وتتشبث بك عندما تعتقد ان
الرعب قد توقف في فيلم مثل "كاري"
Carrie
(1975) لبريان دي بالما، فان انبعاث الرعب المفاجيء في نهايات الأفلام
الآن أصبحت شيئاً مألوفاً.
ان
وثوب فريدي في ذروة فيلم "كابـوس في شـــارع إيلــم"
A
Nightmare in Elm Street
(1985) للمخرج ويس كرافن، يمكن أن يكون توكيداً تشاؤمياً بان الوحش لا
يمكن هزيمته، ولكن في الوقت نفسه يعطى توكيداً متساوياً، وهذا بالطبع
له ما يبرره، على أنها دعوة تجارية لإمكانية عمل مغامرة أخرى.
ان
العنف قد تواصل ليكون عنصراً مهماً في أفلام الرعب الجديدة وان يحقق أي
فيلم في الثمانينيات قوة الرعب التي وجدناها في كلاسيكيات العقد
الماضي، مثل فيلم توب هوبر "مجـــزرة تكـساس المنشــارية"
A
Texas Chainsaw Massacre
وفيلم ويس كرافن "التلال لها عيون"
The Hills have Eyes
(1977)، أما الجزء الأول لفيلم "الجمعة 13"
Friday the 13th
(1980) فقد كان انعطافاً في أفلام الرعب، فالعنف في الفيلم كان له
مايبرره، ومتصلاً بغير وضوح بعقدة بسيطة وشخصيات روائية تافهة، وتضمن
الفيلم هجوماً متواصلاً على أعصاب المتفرج، حيث استخدمت الكاميرا
بحساسية شديدة.
في
فيلم "الشر مات"
Evil Dead
(1982) نجد خطوطاً
متشابهة في التقنيات المعقدة، ومحاولات خلق الشخصيات الروائية. ولم
يخرج فيلم "الغرباء"
Aliens
(1986) عن هذا التقليد أيضاً.
ان
الأفلام التي تعتمد الرعب، من خلال الغموض والإيحاءات بدلاً من الدماء
وتمزيق الأحشاء، صار ينظر إليها على أنها غير مريحة هذه الأيام. ان
واحداً من أفضل الأفلام في السنوات الأخيرة هو فيلم جاك كلايتون الرائع
" شـيء ما شـرير يأتـي من هذه الناحـية "
Something
Wicked Comes this Way
(1983) اعتبر معتدلاً جداً قياساً للذوق العام، بغض النظر عن تماسك
عناصر الفيلم، والبراعة في سبر أغوار صراع الأبرياء في عالم البالغين
الفاسد.
أحد أفلام الرعب التي مزجت بين فعالية الغموض والمسوخ،
وإحياء الفانتازيا الشاعرية (ذلك التقليد المهم في السينما البريطانية)
كان فيلم نيل جوردان " في صحبة الذئاب "
The Company of Wolves
(1984). هذا الفيلم على غير عادة كان موجهاً لمرتادات
السينما. في الفيلم أسطورة خيالية في موضوع التحوّل: من البلوغ إلى
النضج، من الجهل الجنسي إلى المعرفة، من الفانتازيا النائمة إلى الرغبة
اليقظة، من الفتاة إلى المرأة، من الرجل إلى الذئب.
ان
مشاهد التحوّل بذاتها كانت مروعة، وبشكل آو بآخر، كان التحوّل من
الإنسان إلى الوحش أحد المشاهد البصرية الرئيسية في السنوات الأخيرة في
أفلام الرعب بدءاً بفيلم جون لانديس " مستذئب أمريكي في لندن " (1981)
American Werewolf in
London
.
في
فيلم "الشيء"
The Thing
لجون كاربنتر، تفرض
التحولات علينا هذا السؤال المرعب: كيف نعرف من هو الإنسان؟ بينما في
فيلم بول شريدر " أناس من قطط "
Cat People
تعبر التحوّلات عن الرغبات الجنسية المرعبة للبطلة، أو
كما يقول شريدر نفسه: "ان الخوف في مجتمعنا يمكن أن ثمة وحشاً مندساً
تحت السطح، الهاديء لكل شخص".
تؤكد
ملاحظة شريدر على أن غالبية المخرجين لا ينظرون إلى أفلام الرعب على
أنها قصص خارقة للطبيعة، ولكن يعتقدون بأن عندهم الكثير مما يودون قوله
عن مجتمعنا وعن أنفسنا.
ان
فيلمي "الذئاب" Wolfen
(1986) لمايك وادليث، وفيلم "الباعث"
Impulse
(1986) لغراهام بيكر مثالان مهمان على إيكولوجية أفلام الرعب، حيث
الحوادث المرعبة تنشأ نتيجة لتلويث الإنسان لبيئته.
في حين
كان فيلم لاري كوهين "المادة "
The Stuff
(1986) يتضمن اتهاماً متعجلاً لثقافة المأكولات السريعة التي تلتهم
عقولنا.
في
الجزء الأخير من فيلم جوزيف سارجنت "الكوابيس"
Nightmares
(1983) نرى فأراً ضخماً يتجسد كخطر متلازم للزواج المضطرب لريتشارد
ماسور، وفيرونيكا كارترايت: فمن خلال ظهور الفأر يتلقى الزوج الأناني
المتبلد الشعور درساً في التواضع. وعلى النقيض فأن الكلب المسعور في
فيلم لويس تيجو " كوجو " (1983)
Cujo
يتجسد كعقاب مفروض على الزوجة لخيانتها، وكان هدفه هو إرجاعها إلى
أحضان زوجها، وإلى دورها كأم وكامرأة مطيعة.
أحد
أكثر الظواهر إثارة للاهتمام في أفلام الرعب الجديدة كان الموقف من
المرأة، فخلال السبعينيات واجهت أفلام الرعب انتقادات متكررة بسبب
العنف المسلط على المرأة، كما لو أن هذه الأفلام كانت تهدف إلى ترويع
المرأة، خاصة بعد حصولها على حرياتها المدنية. ومن المحتمل ان أعنف ما
وجه من اتهام لاذع حول كره المرأة كان فيلم " جاهز للقتل "
Dressed to Kill
(1980) أحد أكثر أفلام هذا النوع تطرفاً وإثارة للجدل.
أفلام
الرعب الجديدة أعطت البطلات أدواراً أكثر أهمية، وأبدت تعاطفاً ظاهرياً
معهن. ولكن من الخطأ أن نفهم بأن موقفاً كهذا يعني قبولاً للنظرة
التقدمية حول المساواة بين الجنسين كاتجاه سائد في السينما: في حقيقة
الأمر، العكس هو الصحيح.
فمن
الصعب تصوّر مواقف أكثر رجعية من تلك التي كانت تطرحها ريبلي (سيجورني
ويفر) في فيلم " الغرباء "
Aliens
مع تأكيدها بأن مهمتهم هي التدمير وليست الدراسة، واقتراحها بأن عليهم
" فصل الموقع عن المجرة فهذه هي الطريقة الوحيدة لنتيقن من الأمر" .
انك ستصاب بالرعب إذا ترجمت رأيا كهذا بالمفهوم السياسي، خاصة ونحن
نعلم منذ فيلم " رامبو "
Rambo
بأن ذهنية الفيلم يمكن أن تتحوّل أحياناً إلى أخلاقية سياسية بسرعة
كبيرة هذه الأيام.
ان
موقف ريبلي بعيد جداً عن رائعة المخرج سام فوللر " الكلب الأبيض "
White Dog
(1982) الذي يعد أحد أفضل الأفلام عن الحيوانات المتوحشة في هذا العقد
- حتى الآن – والذي يكرس الأطروحة القائلة بأن العلاج خير من القتل.
ونحن
الآن بعيدون جداً من التشوش الصادق لموقف البطلة من الأموات الأحياء في
فيلم جورج روميرو المرعب " يوم الأموات " (1986)
Day of
the Dead
الذي بالمقارنة مع فيلم " الغرباء " يبدو كتمهيد في علم الأخلاق
الإنساني.
من دون
شك، فان أكثر أفلام الرعب الجديدة عنفاً في موضوع المرأة هو فيلم توب
هوبر " قوة الحياة "
Life Force
(1985)
الذي خلافاً للدراسات النقدية التي وسمته بالتفاهة، إلا أنه في الواقع
يبدو كاستعارة مركبة وغير متسمة بالاحترام عن مارغريت تاتشر. إذا أخذنا
بالاعتبار بأن البطلة هي كائن غريب ذات نزعات علمية وتستولي على
بريطانيا، فهي تستنزف قوى الرجال وتجعلهم لا يملكون إلا طاقة التصويت
لها، والمتعصب الوحيد المفتون بها، ظهر ليكون أمريكيا (ريغان؟) والتي
قابلته في المركبة الفضائية " تشرتشل " . في النهاية تنزل بها الهزيمة،
ولكن لا يحدث ذلك إلا بعد أن تتحوّل الجماهير إلى مصاصي دماء، ويكثر
الشغب في الشوارع، وتشاع الفوضى التامة في قلب النظام القانوني
(المحكمة العليا).
ان
الكوميديا السوداء الصاخبة في فيلم هوبر " قوة الحياة " تذكرنا بالطابع
الساخر الذي تخلل فيلم " الشبح الضاج "
Poltergeist
(1982) أحد الفيلمين اللذين أنتجهما ستيفن سبيلبرغ،
والتي أعادت التوهج العبقري لدموية أفلام الرعب.
الفيلم
الآخر كان رائعة جو دانتي " غريملنز "
Gremlins
(1984) الذي قلب رأساً على عقب عالم سكان الضواحي الجذاب والحساس، كما
يتصوره سبيلبرغ، والذي لا يتمثل الشر في الوحوش الصغيرة، إنما في
الأطفال الفوضويين الذين يتمردون ضد ترويضهم، والذين لم يعودوا يحترمون
كبار السن.
تدفق
الكوميديا في أفلام لمخرجين أمثال جو دانتي، جون لانديس (مستذئب أمريكي
في لندن) ودون اوبانون (عودة الأموات الأحياء). ان الدعابة أصبحت
مقياساً لإبداعاتهم الجريئة: فبإمكانهم أن يكونوا مرحين دون أن يقللوا
من شأن التوترات.
(ان
مشهد الأم في فيلم " غريلمنز " وهي تقاوم الوحوش بأدوات مطبخها هو خير
مثال على هذا، فهناك إيحاء مرح للأم الداهية، وللمطبخ الأمريكي بوسائل
تعذيب تكنولوجية، ومع ذلك كان المشهد مثيراً أيضا).
لسوء
الحظ كان تقديم الكوميديا في أفلام أخرى ينذر بأزمة ثقة، وتخوف من
إمكانية التقليل من شأن الإثارة، واعتقاد المتفرج بأن كل ما يراه لا
يعدو إلا مزحة.
فيلم "
الليلة المرعبة "
Fright Night
(1986) أسرف في التشويق من خلال الدفاع عن النفس والقتل العبثي (فإذا
كان بإمكان رودي ماكدوال أن يهزم الشر بكل ارتجافاته فليس هناك ما نخاف
منه).
فيلم "
البيت "
House
(1986) يبدو موضوعياً كما لو انه استسلام للشبح، وفقدان للثقة في
النفس، والتمزق في مهزلة كئيبة، وإذا ما نفذت خطة لتكملة هذا الفيلم
فمن المحتمل أن يكون أكثر الأفلام المضادة للذروة في هذا العام.
يقول
المخرج ويس كرافن في معرض تعريفه لأهمية أفلام الرعب: " ان أفلام الرعب
تأخذ الناس إلى حيث تذهب عقولهم أثناء حالات النوم، أو في حالات
التحوّل، فهم يتعاملون مع الخيالات والمواقف التي تعكس القلق الذي
يخترقنا جميعاً، أو تخترق كل ثقافتنا".
فيلم
ويس كرافن " كابوس في شارع إيلم " يعد بالطبع أحد أهم أفلام الرعب
الجريئة والمبدعة في هذه الفترة. فهذا الفيلم يستمد روحه من نص هاملت "
ألم يكن ذلك حلماً مزعجاً ؟ ". وهذه المقولة تتطور بشكل رائع، حتى ينشأ
الرعب الحقيقي من التورية البارعة حول ما إذا كنا نشاهد حلماً أو
واقعاً.
يستمد
الفيلم الكثير من التوترات عبر مشاهدة الوحش في ظروف معقدة، فهو شرير
(مدان كمتحرش بالأطفال) وضحية (حُرق حياً بواسطة مجموعة من النساء
المحترزات)، لذا فهو في كلا الأمرين مثال ونتاج لقمع البالغين، والتعصب
الأعمى، وللشر المرعب الذي يعاود زيارة الأطفال. ان الحلم الأمريكي
تحوّل بحق إلى كابوس.
ان
أفلام الرعب في الثمانينيات لم تشكل تحدياً مثل العقد السابق، ولكن
عندما نفكر، على سبيل المثال، في البارانويا القوية لفيلم " اللمعان "
The Shinning
(1980) ، والذكاء الخبيث لفيلم " غريملنز " ، والانحراف الشيطاني في
فيلم " كابوس في شارع إيلم " فإن التلفزيون بالمقارنة يبدو في الواقع
وسيلة فاترة، وشبه ميتة.
الأيام البحرينية في 19 ديسمبر 1993
|