منذ أن وُجد الإنسان البدائي على سطح الأرض، بدأ
يؤمن بأن العالم مليء بقوى خفية غير منظورة يكون هو ضئيلاً أمامها.
فالموت، والخوف من المجهول، والرهبة من الكائنات الأخرى التي
كانت تشارك الإنسان البدائي الحياة على هذا الكوكب، دفعته للاعتقاد
بالسحر، والخوف من قوى خفية تتربص به دوماً.
ولم يستطع الإنسان أن يتخلص من سلطة هذه القوى الشريرة،
إلا بعد مجيء العصر الذي رجحت فيه كفة العقل والمنطق على كفة الخيال
والخوف والجهل، جاء عصر العقل ليوضح ويثبت بأن هذه الخرافات ليس لها
وجود مادي، ولا توجد إلا في خيال الإنسان نفسه.
لكن، مع كل التطور الحضاري والعلمي الذي توصل إليه الإنسان،
فإنه لا يزال يميل " للوقوع في شرك تفاهة الأشياء اليومية"
كما يقول الفيلسوف هيدجر، ولا تزال القصص المخيفة، والحوادث
المرعبة تثير شهيته، لذلك فإننا لا نندهش أبداً لرواج قصص الرعب،
واهتمام الناس بها.
ومثلما تحتاج الغرائز في الإنسان إلى متنفس، فإن الخوف يحتاج
أيضاً إلى إطلاق أسره من أجل إشباع الغريزة المتوقدة بالداخل. وهذه
الفكرة أوحت للمتاجرين في صناعة السينما أن يعرضوا " خدماتهم "
للإنسان الذي ينتظر من يوقظ غريزته الفعالة.
ويبدو انه حتى الآن فان السوق الوحيدة التي تستطيع ضمان الربح
المادي السريع للمنتجين هي سوق أفلام الرعب، فأفلام الرعب لا
تحتاج، مثل الأفلام الكوميدية أو الدرامية، إلى جمهور متخصص، أو مادة
أدبية جيدة. يكفي أن تطرح مادة مرعبة تجذب الجمهور إلى القاعة المظلمة.
ولأن سوق أفلام الرعب مأمونة ومضمونة الربح، لذا فمنذ البداية
لم تكن المادة الأدبية، والتقنية السينمائية، موضع اهتمام كبير. ولكن
حينما كانت تدمج المادة الأدبية الجيدة، والتقنية السينمائية العالية،
فان الإيرادات كانت تتخطى تصور المنتجين التقليديين.
أفلام الرعب الجديدة استطاعت أن تجذب النخبة الراقية من
الجمهور، وان كان المنتجون التقليديون يفضلون قصص الرعب المباشرة،
والتي يعتقدون أنها تحقق الإيراد السريع أكثر من القصص المعقدة.
فالمباشرة والحوادث المفهومة والمغامرات الكثيرة، والكمية
الوافرة من الدماء، هي الأطر التي ارتكزت عليها عقول هؤلاء المنتجين.
ولكن هذه الأطر لم تحقق إلا القليل من الإثارة الحقيقية والتوتر لدى
المتفرج، وهذا ما أدى، لفترة من الوقت، إلى ضعف رواج سوق أفلام
الرعب، ولم تعد لها الحياة إلا بظهور الأفكار المرعبة الجديدة.
فالتقنية السينمائية العالية، والقصص المعقدة أخذت تجذب اهتمام
المتفرج أكثر من تلك القصص المرعبة المألوفة، فلا مجال للمقارنة بين
أفلام مثل (سايكو)
PSYCHO
و (الشياطين)
THE
FIENDS
و (الاشمئزاز)
REPULSION
مع المواضيع المرعبة المألوفة مثل (غودزيللا) و (كينغ كونغ) .
أفلام الرعب الجديدة اعتمدت على نفس الأسس القديمة لقصص الرعب،
أما الأشكال المستهلكة فقد تحولت إلى أخرى جديدة، فالساحرة
الشريرة، أو العرافة، تحوّلت إلى عالم مجنون، وهاجس المسخ إلى كائنٍ
قبيح كان في الماضي يتمثل في تحول الإنسان إلى ضفدعة، الآن صار يتمثل
في تحول الرجل إلى مستذئب. المهم إن فكرة المسخ، أو تحول الجمال إلى
قبح، مازالت باقية.
مسألة انتصار الفضيلة / الخير على الشر هي المفتاح الحقيقي
لجميع أفلام الرعب، والتوليفة تظل متشابهة، ومتكررة في معظم هذه
الأفلام:
أحدهم ينتبه إلى وجود شيء مخيف، والآخرون لا يصدقونه، أو هم
عقلانيون ومنطقيون، لا يؤمنون بوجود تلك الأشياء، مثل أساطير الجن
القديمة. لذا ، فأن البطل، وغالباً ما تشاركه البطلة، يحاربان وحدهما "
الوحش " أو " الكائنات المخيفة " حتى ينتصرا عليه ويخلصا الناس
من شره.
وأفلام الرعب، كالحكايات القديمة، ليست بحاجة إلى تفاصيل
منطقية أو عقلانية، فليس من الضروري معرفة كيف تشتغل آلات فرنكنشتاين،
أو من أحضر بعض المواد لبناء معمله.
مواضيع أفلام الرعب:
1
- المجانين:
كل أفلام الرعب تعتمد على الخوف من المجهول. وأحد عناصر
المجهول هو الدماغ، والخوف من الجنون والعته والاضطراب العقلي.
فالمجنون تخافه الناس غريزياً، لأن لا سبيل للتفاهم معه، والمكان
المناسب له (خلاصاً للناس من شره) هو وضعه في مستشفى للأمراض العقلية.
لكن إذا كان هذا المجنون طليقاً، يجوب الشوارع مع الأسوياء، فهنا يكمن
الخطر والرعب. ولا حاجة للتأكيد هنا بأن فيلم هتشكوك (سايكو) هو الفيلم
النموذج لهذا النوع بالتحديد من أفلام " المجانين " . وهذا
الفيلم، عندما عرض للمرة الأولى، أثار ضجة كبيرة، مع أن النقاد
استقبلوه، في البداية، ببرود شديد، ولكن الشهرة الواسعة للفيلم،
والإقبال المنقطع النظير أثار شهية العاملين في صناعة السينما، مما حدا
بهم إلى عمل مجموعة كبيرة من الأفلام تعتمد كلها أساساً على فكرة
هتشكوك.
القواعد الثابتة لهذه الأفلام:
هناك ثلاث قواعد ثابتة لمواضيع أفلام " المجانين " وهي:
أ- يوحي لنا المخرج بأن المريض النفساني الذي يرتكب مجموعة من
الجرائم الدموية هو شخص معين، من بين مجموعة من الشخصيات. بعد
ذلك يتضح لنا ان القاتل الحقيقي هو شخص آخر لم تحم حوله الشبهات.
وفي نهاية الفيلم نحصل على حقيقة (المجنون) الذي كان طوال الفيلم يتصرف
تصرفاً طبيعياً، ونراه " مجنوناً " فعلاً ، مع شرح سريع للجمهور،
من قبل الطبيب، أو مفتش الشرطة، عن حالة جنونه.
من نماذج هذا النوع من الأفلام فيلم (السترة الضيقة)
STRAITJACKET
للمخرج ويليام كاسل، والذي أوحي للمتفرجين بأن الممثلة جوان كراوفورد
هي المسئولة عن اقتراف سلسلة من جرائم القتل، ومن ثم نكتشف بأن المريض
النفساني الحقيقي ليست هي إنما ابنتها التي كانت تضع على وجهها قناعاً
مستعاراً لامها.
وفي فيلم (كريشندو)
CRESCENDO
يوحي المخرج بأن البطل هو الذي يقوم بالجرائم الدموية، ثم نكتشف، في
نهاية الفيلم، ان شقيق البطل التوأم، هو القاتل الحقيقي. أما في
فيلم (السر الدفين) فترتكب سلسلة من جرائم القتل في سيرك متنقل
بين مدن إنجلترا .. وتحوم الشبهات حول عدد من الأشخاص، ولكن في النهاية
نكتشف ان القاتل المجنون ما هو إلا ابنة صاحب السيرك التي ضجرت من حياة
السيرك بسبب انشغال أمها عنها.
كل هذه الأفلام تركز على غموض المجانين وخطرهم على الناس،
انهم دائماً يؤكدون على ضرورة الحذر منهم، ويذكرون المتفرج بجاك باقر
البطون، الذي كان يذرع الشوارع الضبابية بحثاً عن ضحية جديدة.
في أحيان كثيرة تستخدم الكاميرا المحمولة باليد لتقوم بدور
القاتل المتخفي عن أعين المتفرجين، وبالتالي تكون الكاميرا عنصراً
هاماً في عملية الإثارة والتشويق. فالكاميرا تحتال، وتنسل، وتتقدم
بسرعة نحو الضحية، بطريقة توحي كما لو انها القاتل. ففي فيلم (الغرفة
المتداعية)
THE
SHUTTERED ROOM
مثلاً تطل الكاميرا من علٍ، وتراقب، وتتوارى، وكأنها
عين لأخت كارول لينلي المجنونة.
ب - التنويع الثاني في مواضيع " المجانين " يتركز على فكرة
معرفة هوية القاتل المجنون في بداية الفيلم، ومن ثم متابعة جرائمه
الدموية، واصطياده الماهر لضحاياه وعادة ما تكون هذه الأفلام على هذا
النحو:
مجموعة من الفتيان والفتيات يعسكرون في مخيم، أو يحضرون
حفلة راقصة، أو هم في رحلة جماعية. يظهر لهم القاتل المجنون، ويقتل
الواحد تلو الآخر حتى نهاية الفيلم. وعادة ما يبقى هو والبطل أو البطلة
التي ستقوم بقتله. وقد يمارس هذا المجنون القتل ليثأر من واقعة حصلت له
قبل سنوات طويلة، ولكن، في أكثر الأوقات، يقتل بدون سبب معروف.
ج - التنويع الثالث يرتكز على الاشتباه، والخوف العام من
المجنون. وعادة ما تصاب به البطلة بدفع وتشجيع من قبل الآخرين
الذين لهم مصلحة شخصية في ذلك. ففي هذا التنويع، نكتشف، مثل
التنويع الأول، الانحراف في نهاية الفيلم.
إن قوة هذه الأفلام متوقفة على عدم قدرة المتفرجين في معرفة
المجرم، ثم اكتشافهم ان الشخص الوديع، البريء ظاهرياً، يظهر في نهاية
الفيلم إما في هيئة رجل مجنون عنيف ، أو مجرم مولع بتدبير المكائد.
وهذه الأفلام تعيد التوكيد على الموعظة الأخلاقية التي تنصحنا بأن لا
نؤخذ بالمظاهر الخارجية.
إن المجنون في بعض الأفلام يظهر كما لو انه مجرد ضحية مثل
الأشخاص الذين قتلهم، فهو يبكي ويصرخ أو يخاف من الظلام.
والقاتل المجنون يفضل عادة السكاكين الحادة الطويلة، أو مقصاً
كبيراً، أو فأساً، بدلاً من الأسلحة النارية الأخرى.. فهو لا يستخدم
البنادق، أما الضحايا ففي الغالب فتيات جميلات.
ولأن هذه الأفلام تعتمد كلها على ظاهرة الجنون، ولأن الجنون
ممكن حدوثه وتوقعه، فالجمهور يقبل على هذه الأفلام لأنها في نظره قابلة
للتصديق، وهي بذلك تحقق الأرباح السريعة للمنتجين.
2
- علماء مجانين يخترعون الوحوش:
أفلام هذا النوع تعتمد على فكرة العالم المجنون الذي يريد أن
يتطفل على قوانين الحياة، ويمسك بالمجهول ليستخدمه ضد البشر، وهذه
الفرضية إنما هي محاولة مشبوهة للتقليل من شأن العلماء الذين هم، بدون
شك، أبعد ما يكونون عن هذه الأفكار الشريرة.
إن هذه الأفلام تريد أن تقول: لتبق الأشياء كما هي، لا جدوى من
محاولة البحث، أو ارتياد المجهول.
قاعدة
الفيلم:
كل الأفلام، مع اختلاف الشخصيات الرئيسية، تتبع الصيغة
التالية:
عالم مجنون يخترع " كائناً " آلياً. هذا " الكائن " ينفذ
أوامره في البداية، ثم يصاب بحالة من الهيجان تجعله يفلت من يد العالم
، ويخرج هذا " الكائن " إلى الناس ليقتلهم ويسفك دماؤهم، ثم يعود إلى
العالم المجنون ويقتله، ويموت هذا " الكائن " بطريقة مناسبة في نهاية
الفيلم، وتكون النار أفضل الوسائل وأكثرها شيوعاً.
خير مثال على نوعية هذه الأفلام، سلسلة أفلام " فرنكنشتاين "
التي فتحت الطريق أمام أفلام أخرى من نفس النوع، مثل العالم الذي يربي
العنكبوتة الذئبية، أو العالم الذي ينوّم مغناطيسياً غوريللا ويجعلها
تهاجم حياً في باريس، وتقوم بجرائم قتل كثيرة. أو العالم الذي يطلق
نحلاً قاتلاً يستطيع أن يلاحق الضحية بفعل وجود مادة جاذبة لزجة يضعها
العالم على ملابس الضحايا.
والملاحظ ان أغلب الضحايا في هذه الأفلام فتيات جميلات، أو
رجال في متوسط أعمارهم. أما العالم، فرغم مزاعم الجنون، إلا انه يبدو
لنا ذكياً وهادئاً ومثقفاً طوال الفيلم.
الفكرة الأساسية إذن في هذه الأفلام هي نجاح العالم المجنون في
اختراع " كائن " رهيب، ثم انفلات هذا " الكائن " في ثورته
المألوفة ونهايته مع نهاية العالم المجنون.
من الأفلام ذات المغزى الجيد، والتي يمكن أن تصنف تحت هذا
النوع من الأفلام، فيلم (الأسماك الضارية)
PIRANHA
الذي يحكي عن مجموعة من العلماء الأمريكان تطلب منهم وزارة الدفاع "
البنتاغون " أثناء حرب فيتنام تربية نوع من الأسماك الصغيرة
القاتلة، لتقذف في انهار فيتنام لقتل الثوار، ثم يتوقف هذا المشروع بعد
توقف الحرب، ولكن العلماء كانوا قد أنجزوا المشروع، فتحفظ الأسماك
الصغيرة في حوض خاص، غير أنها تفلت بطريق الخطأ وتسبب في قتل الناس
الأبرياء حتى يقضى عليها في نهاية الفيلم.
3
- كائنات من هذا الكوكب:
منذ أن اكتشف المنتجون " كينغ كونغ " في الغابة، وحولوه إلى
كائن بشع، يهاجم الناس، ويقتلهم، وهم لا يتوانون في البحث عن اختراعات
أخرى تقوم بنفس المهمة.
ولكن أفلام الوحوش صارت مع الزمن مملة عند الجمهور، وصارت غير
مقنعة مسألة عشق الغوريللا للفتاة الشقراء. وبسبب ضياع مبالغ كبيرة في
مثل هذه الوحوش فأن المشتغلين بالسينما اهتدوا إلى فكرة تحويل الوحوش
إلى كائنات أصغر حجماً واقل كلفة.
جميع هذه الأفلام ترتكز على فكرة واحدة وهي: إن كوكبنا هذا ليس
مكاناً خاصاً بنا فقط، وإنما هو كوكبٌ ملئ بالوحوش الضارية والكائنات
الخطيرة. لذا فالمنتجون حوّلوا الحشرات والطيور والأسماك والديدان
والحيوانات الأليفة إلى وحوش كاسرة همها الأول إفناء الجنس البشري.
وعادة ما تقوم هذه الوحوش بتدمير بعض المدن، وبقلب القطارات
وتحطيم المباني، وإرهاب بعض المدن الرئيسية حتى تصل إلى العاصمة حيث
يقضى عليها هناك بواسطة عقل البطل الخارق.
أفلام الوحوش القديمة كانت عن " كينغ كونغ " وهروبه،
وصراعه مع " غودزيللا "، وعن ابن " غودزيللا "، أو عن
الإخطبوط العظيم الذي يخرج من البحر ويهاجم المدن الأمريكية، أو النملة
التي نكتشف فجأة بأنها ضخمة للغاية.
أما منتجو أفلام الوحوش الجديدة، وبعد أن شاهدوا "طيور"
هتشكوك وهي تهاجم الناس بدون تفسير محدد، فأنهم استخدموا الكلاب والقطط
والأرانب والفئران والديدان والعناكب والأسماك وحولوها إلى وحوش خطيرة.
هناك مشاهد متكررة في أفلام الوحوش - والرعب عامة -:
فتاة جميلة تستحم في الحمام، أو بركة سباحة، أو بحيرة /
تسمع هذه الفتاة صوتاً غريباً /
تضطرب وتسأل بصوت متوسل : من هناك ؟ /
تخرج وتجمع ملابسها /
تركض /
تسمع الصوت وهو يقترب أكثر منها /
تصرخ /
ثم نراها في لقطة سريعة والوحش يهاجمها.
وعادة ما يهتم الوحش بشخصيات محددة، ومحاصرة، ولا يحاول
الابتعاد عنها، كأنما هدفه الوحيد هو القضاء على هذه المجموعة من البشر
فقط. ثم يقع الوحش، في نهاية الفيلم بالطبع، في الشرك الذي
نصب له من قبل البطل والبطلة أو أحدهما.
4
- كائنات من كواكب أخرى:
عادة ما تكون الكائنات القادمة من كواكب أخرى عبارة عن وحوش
أتت فقط لتخويف وإفناء الجنس البشري. والوحش الغريب يظهر دائما بصورة
ذكية جداً، كما في فيلم (غزو ناهشي الجسد)
INVASION OF THE BODY SNATCHERS
و (التحذير)
THE WARNING
، ولكن الإنسان هو الذي ينتصر دائماً، ويثبت
قدراته على قهر الغزاة القادمين من الفضاء، وحتى لو بدوا لأول وهلة
بأنهم أقوياء ولا يمكن قهرهم.
5
- رعب آخر:
منذ ذلك الوقت الذي كانت فيه الحكايات تروى عن تحوّل الإنسان
الوسيم إلى ضفدعة، والإنسان يهجس بالخوف من التحول إلى كائن قبيح.
من أين جاء هذا الخوف؟. انه صعب التحديد. ولكن الخرافات،
والحكايات الشعبية، تؤكد على وجود الأجساد المسكونة، وعلى سحر
الحيوانات وقدرتها على تقمص الأرواح الشريرة، وهذه القصص تطورت إلى
أشكال متنوعة. وقد يكون هذا النوع من الخوف هو أكثر رعباً على
الإنسان لأنها تبدو له سراً مجهولاً غامضاً. والمنطق الوحيد في تفسير
ذلك هو ان الحيوانات تستطيع أن تسحر الإنسان.
في هذه الأفلام، يتعرض البطل إلى حادث، ثم يتحول إلى كائن نصفه
إنسان ونصفه حيوان. يقتل بعض الناس، وفي نهاية الفيلم يقضى عليه.
وأفضل مثال على هذا النوع من الأفلام سلسلة أفلام " الرجل
الذئب " ، رغم إن المنتجين لم يكونوا مقتنعين بالسبب الذي يجعل
الإنسان يتحول إلى مستذئب.
عادة ما نرى المستذئب في صورة قبيحة: أياد مشعرة، وأنياب
طويلة، يجندل الضحية الأولى ويترك آثاره الذئبية. بعد ذلك نرى الضحية
تصرخ فقط أمام الكاميرا كما لو إن المستذئب يهاجمها، ثم نسمع عواءً
غريباً، وأصوات انقضاض على الضحية.
أما الشكل النهائي للمستذئب فيظهر، في نهاية الفيلم، حينما
يهاجم ضحيته الأخيرة ويفاجأ بأنه مطارد ومحاصر ويصاب برصاصة فضية. ثم
نرى المستذئب، وقد تحوّل إلى هيئة البشرية، مثيراً للشفقة على الحالة
البائسة التي وصل إليها.
6
- الأموات الأحياء:
الخوف الإنساني الدائم من الموت، وما وراء الموت، كان موضوعاً
مفضلاً في أفلام الرعب، وكلها تدور حول الأموات الذين تعود إليهم
الحياة ويعيشون من جديد. وأهم هذه الأفلام، سلسلة أفلام الزومبي (الميت
الحي) ، ومصاص الدماء، وكل هذه الموضوعات لها جذور قديمة في ثقافات
مختلفة.
ومنذ أن نشر الكاتب الايرلندي برام ستوكر في عام
1897
روايته " دراكيولا " حول الكونت الشرير الذي يعود
إلى الحياة، وهذه الشخصية صارت أكثر أنواع الأحياء الأموات شهرةً
وتشبثاً بالعودة الدائمة إلى الحياة .
وقصص مسلسل أفلام " دراكيولا " معروفة، إنها مثل أفلام "
فرنكنشتاين ": هناك دائما شخص يعود إلى الحياة من أجل أن يكون
خادماً لأحد الأشرار. أما دراكيولا فينام في تابوت فخم، وعنده قوى
تنويم مغناطيسية هائلة، وذعر شديد من النور، والصليب، وصورته لا
تنعكس في المرايا.
يقول الممثل البريطاني كريستوفر لي (الذي مثل دور دراكيولا
لمدة 15 عاما):
"إن الكونت دراكيولا جعل مني رمزاً رهيباً، وبمعني آخر،
دراكيولا النموذج المثالي للرجل الجذاب، وهو السيد الذكي ذو الخصائص
النبيلة ".
وقاتل دراكيولا هو الدكتور فان هلسنغ من ولاية بنسلفانيا (عادة
ما يمثل هذا الدور بيتر كوشنغ) الذي أما أن يطعن دراكيولا بالوتد
الحاد في قلبه، أو يحرقه بالنار، أو يرش عليه الماء المطهر، أو يعرضه
لضوء الشمس. المهم أن نرى دراكيولا، في نهاية الفيلم، وقد عاد إلى
التراب، في مراحل متعددة وسريعة للتحوّل.
ولتنويع أفلام ” دراكيولا " فقد صنع المخرجون مصاص دماء يهودي،
ومصاص دماء شاذ، ومصاص دماء زنجي .. الخ. أما الضحايا فدائماً فتيات
جميلات غبيات.
في أفلام الأموات الأحياء، نرى شخصاً ميتاً يتحرك، في
الغالب دون سبب يذكر، ومن ثم يقوم بإحضار أصدقائه، بعد أن تحركوا مثله،
ليقتلوا الضحايا الذين يتحولون بدورهم إلى كائنات مشابهة تأكل لحم
البشر.
الطريقة الوحيدة للقضاء عليهم هي بإطلاق رصاصة في الرأس،
أو تهشيم الجمجمة، وإلا فأن الطعن، والوسائل الأخرى، لا تجدي نفعاً في
عودتهم الثانية إلى الموت.
هناك اختلافات كثيرة بين مصاص الدماء والأموات الأحياء:
عيون مصاص الدماء ممغنطة، وهو ذكي جداً، ولا نرى مصاص الدماء إلا رجلاً
أرستقراطياً نبيلاً، فلا يظهر في هيئة فلاح أو مزارع، على عكس الأموات
الأحياء الذين اغلبهم من الفلاحين الفقراء، وهم أغبياء، ثيابهم
رثة، أشكالهم قبيحة، والكثير من مواقفهم تبعث على الضحك، مثل طريقة
المشي، والسقوط على الأرض. لا هم لهم إلا أكل اللحم البشري، على عكس
مصاص الدماء، حيث نرى امرأة في غاية الفتنة وهي تستدرج الرجال لتقضي
عليهم، أو نرى شاباً وسيماً يقوم بإغواء الفتيات.
أفلام الأموات الأحياء تدور أحداثها عادة في قرية صغيرة، تقع
بالقرب من قصر قديم، أو مقبرة، أو بحيرة. بينما تدور حوادث أفلام
مصاصي الدماء في القصور الفخمة، حيث نرى في البداية جياداً بيضاء تجر
عربة سوداء في ليلة مقمرة، تجوب الغابة بسرعة شديدة، ثم تدور الحوادث
المفزعة.
إن كريستوفر لي لا يظهر في أفلام الأموات الأحياء، وبيتر
كوشنغ لا يظهر أبدا كمصاص دماء. إن المنتجين دائماً يراعون ذوق
الجمهور.
7
- السحر:
كان الإنسان لفترة طويلة مسكوناً بالخوف من الشيطان، والتعامل
في السحر الأسود، واستدعاء الأرواح الشريرة، التي تستطيع أن تبث الخراب
والدمار في المجتمع. وعلى هذا فقد تعرض آلاف البشر في القرون الوسطي
للتعذيب الرهيب، والموت البشع، بتهمة تعاملهم بالسحر والطقوس
الشيطانية، وأجبرت الكثيرات على الاعتراف، تحت وطأة التعذيب الجسدي،
بالاتصال بالأبالسة.
والحرب القديمة بين الدين المسيحي والسحر امتدت إلى السينما،
وصارت أفلام السحر والشياطين أكثر جدية وقوة من المواضيع السابقة
الذكر.
فالقوى الخفية، واللامرئية، تعتمد على الخيال الإنساني، لذلك
يفضل المنتجون هذه الأفلام، مع أفلام المجانين، على بقية الأنواع
لمكاسبها المادية.
الأرواح الشريرة لا تظهر أمامنا، ولا شرط أن تكون مجسدة، إنما
تكفي حركات انغلاق الباب والنوافذ ،وهبوب الرياح القوية، وتحرك الصحون
والأثاث، وتطاير السكاكين، لتثير الرعب في نفوس المشاهدين أكثر من ظهور
المستذئب أو الوحش .
إن ابتسامة الطفل الشيطانية في نهاية فيل
(البشير)
THE
OMEN
-
الجزء الأول- كانت مرعبة جداً، لأنها أوحت للمتفرج
بأن الروح الشريرة ما زالت حرة طليقة.
إن الحضارة الغربية قائمة على القمع والعنف، وهذا العنف،
بكل مظاهره، انتقل إلى السينما. وموجة أفلام الرعب
لن تنتهي لأنها توفر للإنسان إمكانية التلذذ بالعنف، وتمثل الفرصة
الوحيدة في الذهاب إلى الشطط بالخيال.
يقول المخرج الألماني فرتز هيرتزوغ - أحد الأسماء المهمة في
السينما الألمانية- عن إخراجه الفيلم المرعب (نوسفيراتو):
"أن مجتمعنا أصبح يمارس القمع والقهر .. وهذا المناخ ينعكس،
بالضرورة، على الأدب والسينما .. ولهذا فنحن نشهد ميلاد ثقافة مضادة،
كرد فعل ضد مجتمع مادي، وآلي، إلى أقصى حد.. وفي رأيي أن أفلام مصاصي
الدماء غالباً ما تظهر بعد الثورات المجهضة.. وأنا شخصياً لا أستطيع
الهروب من التأثيرات التي يمارسها علينا مجتمعنا".
الدوحة القطرية في 1 أبريل 1984
المصدر:
1
- البعض يفضلها مقرفة - مايكل ارمسترونغ - مجلةFILM AND FILMING
1971.
2
- الإنسان وقواه الخفية - كولن ولسون - دار الآداب -
1977
.
|