يحفّزني الزميل العزيز تيسير مشارقة على العودة الى سؤال طرحته
قبل أشهر،
في رابع أسبوع لي بضيافة حسن حدّاد، طرحت فيها السؤال أعلاه: ما فائدة
الناقد؟ وتوصّلت في نهايتها الى ثلاثة أسئلة منشقّة:
-
هل
النقد السينمائي ضروري بحد ذاته؟
-
هل
يُفيد المشاهد او السينمائي؟
-
من
هو الناقد الجيّد؟ هل صفاته تختلف من ناقد الى آخر؟ او تختلف من مجموعة الى
أخرى؟
الجواب السهل على السؤال الكبير هو:
نعم هناك فائدة للناقد السينمائي او لا.
ليس هناك فائدة من الناقد.
وكلمة السينمائي التي أضفتها هي للتمييز بين هذا الناقد وزملائه من نقاد
الموسيقى والمسرح والأدب الخ...
صحيح أن ما
ينطبق على
أي منهم ينطبق على الناقد السينمائي، والعكس صحيح، الا أنني لا أسعى الى
التعميم لأني لا أستصيغ تحويل المادة الى نظريات تحلّق في كل جوانب الثقافة.
على ذلك، الضرورة الثقافية لحياة أفضل هي التي تحتّم ما إذا كان الناقد
السينمائي (او أي ناقد في أي مجال آخر) مهم او لا.
هذا هو الشق الأصعب للتفنيد الذي
في أيامنا الكحلية هذه يحاول أكثر من فريق، كل لأسباب مختلفة، تمييع قضيّة
الثقافة وجعلها شيئاً أقرب الى آخر باب تطرقه إذا كان لذلك ضرورة.
شيء منزوٍ في مكان معظم الناس لا تريد السير نحوه كونه بعيداً وطريقه مليئة بالحصى والغبار.
بذلك، يفضّل الناس
-نظراً للتطرّف الديني
من ناحية وعدم وجود خطّة ثقافية لدى معظم المسؤولين العرب من
ناحية وبفضل الكذب والفجاجة على
300
محطة تلفزيونية وأكثر-
أن يكتفوا بما هم عليه اليوم بعدما تحوّلوا الى شراء تذاكر في هذا العالم.
ولا أقصد شراء تذاكر دور عرض (يا
ريت) بل شراء تذاكر في الحياة.
إنهم ليسوا سوى أرقاماً على الفواتير وفي صناديق الإقتراع وإحصائيات
المحطّات التلفزيونية التي
تتنافس عليهم لرفع إيراداتها من الإعلانات.
فائدة الناقد جليّة في
هذا الخضم.
إن
لديه رسالة.
رسالة يريد قولها.
وهي رسالة في نهاية المطاف سياسية حتى ولو كان ينتقد فيلماً مقتبساً عن جين
أوستن او عملاً من أعمال محمد سعد او محمد الهنيدي او غيرهما.
إنه
-إذا ما كان ناقداً صحيحاً-
يحب الحياة ويريدها أن تكون أفضل.
أنت ناقد لأن لديك، مفترض، بصيرة إضافية تجعلك تشاهد الفيلم وتسبر منه
مفرداته جميعاً ثم تقولبها في صياغة ناقدة.
بصرف النظر عن موقفك منه، هذه الصياغة هي الفيلم الجديد الذي عليك أن تصنعه
من الفيلم المعروض على الشاشة الذي قد، وقد لا، يستطيع الجمهور مشاهدته،
لذلك تطرحه بوجهة نظرك آملاً في أن توفيه حقّه من دون أن تطغى مقالتك على
الفيلم بأسره او تصبح هي الأهم منه.
إنها معادلة دقيقة في
إطار كيف تعيد صياغة فيلم الى الجمهور وتحافظ في
ذات الوقت على الفيلم من أن يتحوّل الى مادّة مختلفة.
الناقد هنا يجب أن لا يفكّر في إقتباس الفيلم ولا في إثبات معرفته، بل في
إيصال الكلمة الى الجمهور ومع هذا الإلتزام
يصبح أمراً "أوتوماتيكياَ"
أن يلعب الدور الثقافي
المنشود.
ولأنه يحب الحياة سيحب الأفلام التي
تحب الحياة.
وهذا الحب ليس عبارة عن التمعّن في الطبيعة ومحاسنها وقدرة مبدعها الأكبر،
ولو أن هذا ضروري لراحة الإنسان نفسياً، بل حب لأن يستلهم الناس ما استلهمه
هو.
أن يوزّع عليهم المعلومات والرأي ويتركهم وشأنهم محاولاً، في حدود المنطق،
حثّهم على التصرّف حيال الفيلم كما تصرّف هو.
كثيرة هي المرّات التي استلمت فيها رسائل من قرّاء
يسألونني كيف يحصلون على هذا الفيلم الياباني وذلك الفيلم الفرنسي او
الروسي او المجري او الكوري الذي كتبت عنه معجباً.
للأسف لا يصل ولو كنت قادراً لاشتريت منه نسخ
DVD
ووزعتها على قرائي لأضمن أن كل منهم يرى ما رأيته وإن كوّن
-ربما-
وجهة نظر مخالفة او مختلفة.
نعم الناقد السينمائي
ضروري بحد ذاته.
إنه أحد ماسكي الريشة في لوحة من الكبر بحيث أن ماسكي الريش المساهمين في
رسمها كثر.
لوحة لحياة إجتماعية أفضل في عالم إنسانياً هو أرقى او يجب أن يكون.
هذه هي قضيّته التي يتلهّى عنها البعض في مهاترات وإنقسامات ولعب ولاّدي
يخاله مهمّاً لحياته.
لكن ليصدّقني القاريء الكريم: النسبة الأكبر من القراء إما لا تهتم
بهذه المواقف والمهاترات،
او أنها تقرأ لكي تضحك.
سينماتك
في 8 سبتمبر 2007