رغم أن وصف المهنة واضح،
فإن هناك نوعين من رد الفعل من السائل:
الأول حين يسأل: وماذا يعني ذلك بالتحديد؟ او عندما
يقول شيئاً مثل: لم أفهم.
هل
هذا عملك؟
الثاني حين يجيب الذي سألك عن مهنتك وقلت له إنك ناقداً
سينمائياً ساعياً نحو تحديد أفضل: "يعني صحافي"؟
طبعاً هناك إجابات أخرى.
ذات مرّة ملأت إستمارة رسمية طلبت ذكر نوعية العمل وحين استلمت البطاقة
وجدت عليها: المهنة مخرج سينمائي وتلفزيوني.
مرّة أخرى
حين قال لي واحد: وهل تكفيك هذه المهنة لكي تأكل؟
وهذا فقط في الدول العربية.
أذكر نوع المهنة في
حفلة إجتماعية في
الغرب فإذا بك مركز إهتمام فوري.
الإسئلة حينها تنصب على متابعات وليس تعريفات.
مثلاً: منذ متى؟ او «إذاً تشاهد الكثير من الأفلام؟» او «هل شاهدت ذلك
الفيلم الذي تمثّل فيه نيكول كدمان دور مترجمة في الأمم المتحدة؟»..
وهكذا.
هذا وحده يصف الفارق الثقافي
بين العالمين.
والحال هذه لم لا أكتب بالإنكليزية وأرتاح؟
سألني قريب لي يشغل نفسه بأمور السينما والموسيقى وينوي
هجر لبنان الى كندا لأن «صديقتي التي في ألبرتا ستسعى لإصدار طلب هجرة لي»...
وهذا هو
أيضاً وصف مماثل للوضع.
لقد كتبت بالإنكليزية سابقاً
لكني تكاسلت ولم يكن المال المدفوع لزاوية في صحيفة أميركية مجهولة أسمها
Backstage
ولمجلة شهيرة أسمها
The
Hollywooed Reporter
يساوي الجهد المبذول.
نعم نظرت الى المال وليس الى الشهرة وأخطأت.
لكن الأمل كان كبيراً في أن الكتابة بالعربية لها مردود لا يُقاس بالمال.
ولا زلت
أرى أن الواجب المناط بنا جميعاً، كمثقّفين، أن نهب لنجدة بلادنا من
الغيلان...
وهي على أنواع كلها شرسة: غول التلفزيون بكافّة أنواع إهتماماته،
وغول التطرّف وغول التراخي
وغول دخولنا في الجيوب الصغرى للعولمة وغول السياسيين وهم
يقرروا أن يفتك الناس بعضهم ببعض الى ما لا نهاية على أساس من أن الوسيلة
تبرر الغاية.
فما البال إذا ما كانت الوسيلة هي الغاية أيضاً؟
ولا زلت أؤمن بدور المثقّف والناقد السينمائي
العربي، وربما أكثر من أي زمن مضى.
وهذا ما
يدعوني للتساؤل حول إذا ما فقدنا -نحن
النقاد-
البوصلة وأننا اليوم في القطب المتجمّد الشمالي
ولو أن معظمنا لم يدرك بعد ذلك.
الموت (رمزاً) ينقض علينا واحداً تلو الآخر.
يسقط.
يصيبه الصقيع.
يسارع بسرد كلماته ثم يموت.
من يجوب الإنترنت يجد نشاطاً.
من يفتح الصحف والمجلات
يجد نشاطاً.
من يفتح التلفزيون
يجد نشاطاً.
لكن معظم هذا النشاط هو حديث عن السينما وليس في
السينما.
ولن أقوم
بشرح الفرق بين الوضعين لكني سأذكر أن الناقد السينمائي الذي يكتب اليوم
ليست لديه صلة فعلية مع الجيل الجديد على الإطلاق.
النسبة الأكبر من قرائه هي
تلك التي تتجاوز الأربعين سنة من العمر.
حين بدأ، قبل عشرين سنة ويزيد، كان التواصل بينه وبين جيل يماثله.
الآن كبر
ذلك الجيل ومعظمه تزوّج وصار هم البحث عن دكّان يبيع البقالة بأسعار أرخص من سواه هو الهم الذي
يسكنه وليس البحث عن ناقد يقول له رأياً في السينما.
هذا، او
أنه حقق نجاحاً مادياً بحيث غيّر كل حياته واهتماماته مرّة واحدة وإلى
الأبد.
او
مزّقته وعائلته الحروب فاندثر او هاجر الى الغرب حيث بات يقرأ لجون وليس
لسمير او لبيتر وليس لإبراهيم او لباربرا وليس لريما...
الخ....
عدد الذين يتابعون اليوم محطّات منصرفة الى أغاني
الفيديو كليب أكثر بمئات المرّات من عدد الذين
يتابعون ما قاله محمد رضا وكل النقاد العاملين اليوم في فيلم «هي فوضى» او
«ألكسندرا».
بل أن عدد الذين
يكتبون الرسائل الغرامية ليروها مبثوثة على شريط تلك المحطّات
(على اعتبار أن ليس كل مشاهد لها يكتب) لو توفّروا لناقد واحد لكان يستطيع
إطلاق كتبه مباشرة وتحقيق أرباح عنها.
إذهب الى صالة السينما وراقب من
يشتري التذكرة ولأي فيلم.
تجد أن
الصرخات التي أطلقها النقاد ضد الأفلام السائدة كانت مسموعة بالأمس أكثر
بكثير مما هي مسموعة اليوم.
اليوم نحن نصرخ في المرآة.
لا أحد
يسمع ولا أحد ير الا تلك الحفنة التي هي شواذ كل قاعدة.
ما فائدة الناقد؟
سألت سابقاً ولا زلت أسأل.
سينماتك
في 15 سبتمبر 2007