تستطيع أن تتزوّج بإمرأة لا تحبّها لكنك مقتنع بأن زواجك فيه
مصلحة مهمّة.
ربما هي ثرية وأنت فقير.
ربما والدها وكيل وزارة.
ربما كان سياسياً
نافذاً وأنت لديك طموحات في
هذا المجال.
لكن بالطبع لم يحدث أنك تزوّجت من إمرأة لأن والدها
(او والدتها إذا أحببت) ناقداً سينمائياً.
في هذه الحالة، وإذا كنت محافظاَ
في مسائل الدين والدنيا،
تأمل في أن يحدث الحب لاحقاً وسيكون أفضل لو كانت هي تحبّك أكثر مما
تحبّها، لأنه إذا ما كنت رجلاً صالحاً وجدت نفسك تحبّها لأنها تحبّك ثم
تستمر معها في حياة هادئة تحقق لك طموحاتك الا إذا أفلس والدها فجأة،
او طرد من وظيفته او كان سياسياً فاسداً أكثر منه نافذاً فلجأ الى الخارج
مع ما جمعه من أموال الفساد.
الحال هذه، لم لا يمكن أن تكتب النقد السينمائي
من دون أن تحب السينما؟
التجربة برهنت على
أن
هذا ممكناً.
هناك بيننا، وبين غيرنا، من يكتب ما يشبه النقد السينمائي وهو لا يحب
السينما.
يشاهدها
للضرورة ويكتب عن أفلام شاهدها وأفلام لم
يشاهدها على حد سواء.
لا يحب السينما لأنها وردت إليه لاحقاً
في حياته.
او
لأنه فشل في أن يمارس حبّه السابق فكان عليه الإختيار.
او
ربما وجد نفسه فجأة في غمار الثقافة المصوّرة وسنحت له الفرصة لحضور مهرجان
سينمائي
او وجد أن
واحدة من الصحف التي راسلها نشرت له مادته غالباً لأن رئيس التحرير لا يعرف
الفرق بين النقد السينمائي وورق العنب بدوره واعتقد أن ما يقرأه جيد لمجرد
أن الكاتب قال في مقالته: «إما الإخراج فكان متمكّنا أستطاع فيه المخرج أن
يجّسد العلاقات بين الشخصيات.
وفي هذا المجال فإن الممثل (ويذكر هنا إسماً) تحدّى نفسه ونجح في الإختبار
...»
الى ما هناك من كلمات إنشائية مستخدمة.
آه...
ولا تنسى
مسألة «السهل-
الممتنع»
تلك التي تشبه حبّة الكرز على كل كعكة عيد.
يستطيع البعض أن
يكتب عن السينما من دون أن
يحبّها (والبعض يفعل دائماً) بمجرّد إعتبار أن الأفلام الخارجة للعرض هي كل
ما يريده من سلاح.
يحضر
عرضاً خاصّاً لفيلم من بطولة محمد سعد او محمد هنيدي أو عادل إمام او مصطفى
قمر ويخرج ليكتب انطباعاته عن كل شيء.
يخلط ما بين واجب المنتج تقديم فيلم في حفلة خاصّة وبين إذا ما استطاع بعد الفيلم الجلوس الى المخرج
او إذا ما استلم دعوة لحضور حفلة عشاء بعد الفيلم.
إذا لم يستلم هناك نقص في الفيلم خطير (وليس في البروتوكولات).
إذا استلم، لابد أن الفيلم يستحق كل هذا البذخ والمثل يقول "أطعم الفم
تستحي العين".
إذ ينطلق من الحاضر لا
يكترث لأن يعاين الأمس.
علماً بأن 99 بالمئة من كل جانب وشأن سينمائي يكمن في التاريخ ولا يكمن في
الحاضر.
حين يكتب
أحدهم أنها «المرّة الأولى التي
....»
كذا...
من
قال له أنها المرّة الأولى؟ كيف وجد ذلك؟ من أخبره إذا لم
يشاهد فيلماً يعود تاريخه لأكثر من ثلاث سنوات؟ ولم
يقرأ الا مقالة مشوّهة أخرى عن بدايات السينما؟
والجمهور على ثلاثة أنواع:
النوع الغالب:
لا
يكترث للنقد ولكلامه.
النوع الثاني: مثقّف يعرف التمييز وإذا لم
يعرف التمييز امتنع عن القراءة عموماً
النوع الثالث: أقل حجماً بكثير وهذا يقرأ ويصدّق ما
يُقال له.
أخيراً، يدرك الناقد الذي
تزوّج السينما من دون حب،
أنه لا يملك ذات المفاتيح التي يملكها اولئك الواصلون في المهنة.
لن يستطع
الوصول الى ما وصل إليه كمال رمزي أو إبراهيم العريس او علي أبو شادي او
مصطفى درويش او سمير فريد فيضع عازلاً
بينه وبين هؤلاء بحيث
يتجنّب المقارنة وينطلق في
خطّه مكثراً من الكتابة ومن الإنتشار هنا وهناك كرد على هذا الوضع.
لكن لو كان يحب السينما لقرأ لهؤلاء أكثر ولو كان
يحب الحياة لتعلّم لغة يقرأ بها ما يكتبه الأجانب (الا إذا كان يعرف اللغة
لكنه لا يقرأ لأحد).
لو
كان يحبّها لاستغل كل وسيلة ممكنة لمشاهدة أفلام من الأمس ومن كل مكان من
الأرض.
لو
كان يحبّها لمارس الحب معها كل ساعة.
لأنه لا يحبّها يكتفي باقتناص لحظات يسرق فيها النظر إليها من خلال ثقب
الباب.
سينماتك
في 29 سبتمبر 2007