* لماذا
النقد، في أي مجال، إذا كان المنقود، مخرجاً او كاتباً او معد برامج، أو
مسؤول محطة تلفزيونية او ما فوق ذلك او أقل، لا يكترث؟ ما فائدته القصوى
إذا كان صاحب العلاقة لا يؤمن به؟
السبب في
عدم إيمانه به يعود -على الأرجح - الى أنه يخشاه. طبعاً حين تكتب حسناً
وإيجاباً عن عمل ما، سيفرح به ويُعجب وقد يجد نصف دقيقة للاتصال بك وشكرك،
لكن إذا لم تكن المادة النقدية كما يشتهي، لكنها على حق فيما ذهبت إليه،
فإن قراءتها ستنغص عليه يومه، والاهتمام به سيحتل وقته، وفوق ذلك وبعده فإن
الرد عليه هو جهد فائق لأنه لن يعرف كيف يفنّد ما فيها دفاعاً أو يحيد عما
ورد فيها لكي يسلّط الضوء على جوانب أخرى تناسبه.
إذاً،
القرار غير المعلن، هو ألاّ يقرأ لا ما هو صالح ولا ما هو طالح. الإيجابي
والسلبي سيّان عنده. هكذا يرتاح أكثر.
لا عجب
إذاً أن الأمور تستمر على الوتيرة ذاتها.
ما يشكو
منه الناقد، في المسرح او في الغناء او في التلفزيون او في السينما وفي كل
الشؤون الأخرى، هو تعبير عن آراء مختلفة لا تكتب وهي إذا ما كتبت فإن
اللامبالاة ذاتها هي السائدة. هذا التعبير يستخدم -إذا ما كان الناقد
جيّداً- الرغبة في الإقناع والقدرة على تحديد المشكلات او السلبيات. وهو -
أي الناقد- لا ينتظر طائلاً من وراء ذلك. لن يفيده النقد في نيل وظيفة ولن
يفيده في زيادة دخل ولن يحمل له مركزاً مرموقاً في العام المقبل او بعده.
كل ما في الأمر أنه رأى ما يعلم أنه خطأ فكتب عنه.
* ما هو
الغلط في هذا؟
عوض أن
يستلم الناقد تهنئة لأنه يُشير الى خلل ما فلربما أمكن إصلاحه وبدل أن يتم
إيضاح حقائق له ربما كانت غائبة عنه ولم يدر بها يستلم صمتاً تامّاً يكاد
يشبه صمت ما بعد العاصفة وليس قبلها.
من يتوجّه
إليهم النقد بالنقد، هم على فئات مختلفة: فئة تعتقد بأنها أعلى من النقد.
هذه الفئة
قد تنظر طبقياً الى الموضوع، فأصحابها رؤساء كبار والذي يتبدّى سريعاً أن
الفاصل شاسع بينهم وبين الناقد. وفئة تعتقد بأن القراءة بأسرها مضيعة
للوقت:
هذه تثير
الضحك فعلاً لأنها تفضّل عدم الدراية (اي الجهل) على العلم وليس لديها ما
تدافع به عن نفسها. أراهم في الكانتينات والمطاعم وأستمع، غصباً عنّي الى
أحاديثهم، وأدرك أن السبب في أنهم لا يقرأون شياً هو قرارهم الضمني بأن
الجهل أفضل، أسهل للحياة. فقط نقد واحد يهمّم: نقد الموظف الأعلى.
وفئة تتبع
الأوامر بالحرف ولا تزيد عليها او تنقص منها. إذا أراد المنتج من المخرج
عدم استعمال رافعة كاميرا للقطة عامّة فإن المخرج يوافق، وإذا أراد التعامل
مع ممثل لا يصلح للشخصية لسبب او لآخر، فهو موافق، وكذلك الموظّف في شركة
او محطة تلفزيونية: يقول له الرئيس المباشر: إفعل هذا، وعليه أن يفعل ذلك
والويل له إذا ما عارض، بناء على نقد ربما قرأه او بناءً على وضع منطقي.
مرة أخرى
لا عجب أن لا شيء يتقدّم في المجالات السمعبصرية والثقافية كافة في هذه
الدول العربية، لكن الناقد لديه رسالة تختلف عن رسالة صاحب المحطة، إنه
يريد تماماً رفع مستوى ما يتم تداوله.. دفع الثقافة الى مرتبة أعلى ومشاهدة
الميادين جميعاً تتعامل بذكاء وحنكة وثقة مع مستقبل الأجيال الجديدة،
والمسؤولون لا يستطيعون التعامل مع الثقافة والفن على هذا النحو لأنهما
يتطلبان ترك إيمان بالبزنس وتبنّي إيمان بالثقافة وبالأجيال وبالحياة.
لا يتطلّب
الأمر أكثر من الجلوس الى الذات والتفكير في الدرب الذي يختاره كل منا في
هذه الحياة. وفي المستقبل الذي ستقوده خطواته إليه، لا يتطلّب سوى معاينة
حيادية تماماً لما ينفع الجماعة وليس الفرد. لكن العكس هو السائد.. الأنا
هي الغالبة وفكر الفرد الواحد هو المسيطر.
حين
تتحدّث بهذه اللغة، فإنت “دقّة قديمة” كما يقولون في مصر. “أولد فاشن”...
راحت عليه... علماً أنه من منتهى “الشبوبية” أن يتحدّث المرء عن المستقبل
وكيف يصونه. ومن منتهى البلوغ الى النهايات أن يُعامل المرء وظيفته في
الدنيا على أنها محدّدة ومكتفية بوظيفته التي يتقاضى منها عيشه.
في كل
الحالات، فإن هناك لا مبالاة كاملة ضاربة أطنابها في شتى مشاغل الحياة كما
في كل الدول وداخل كل فئاتها وطبقاتها.
“لا شيء
يهم”... عنوان رواية إحسان عبد القدّوس، ولا شيء يهم هو عنوان الحياة التي
نعيشها. وهذا المبدأ هو أرذل العمر.
عن الخليج الإماراتية J
7 أكتوبر 2007
سينماتك
في 13 أكتوبر 2007