ليس منّا من يعتقد، على ما أظن، أن السينما حرام. إنما هذا
الإعتقاد منتشر بين المتشددين الذين يرون أنها كذلك على أساس أنها صورة
والصورة بدعة والبدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. لكن إذا ما تأمّلنا في
هذه الكلمات نستطيع أن نتبيّن معالم مختلفة٠
الصورة بدعة من حيث أنها إختراع. إذاً الهاتف الذي نستخدمه ليل
نهار حرام والتلفزيون الذي لا ينطفيء حرام والسيارة التي لا نستطيع الحراك
من مكان الى آخر من دونها، حرام والطائرة التي تقلّنا الى الحج حرام
فكلّها بدع. تحويل النفط من الطبيعي الى المادة المستخدمة يمر عبر سلسلة من
الإختراعات، إذاً هو حرام. الكومبيوتر الذي نستخدمه اليوم أكثر مما نستخدم
عقولنا حرام... إذاً لماذا الوقوف عند السينما وحدها؟
ما هي هذه الإزدواجية في النظرة التي تجيز شيئاً وتحرّم شيئاً
مماثلاً؟
الفارق الوحيد بين كل هذه »الإبداعات« او »الإختراعات« هو أن
السينما تدعوك للتفكير وتوسّع المدارك وتحيي الخيال وحب المعرفة وليس في
هذا أي ضرر او حرمة باستثناء أن المتشددين والمتطرّفين يشتغلون على منوال
أن الإبداع ذاته حرام. بالتالي، التفكير والثقافة والأدب الحديث والفن
بأصنافه محرّمات لا يجوز الإقدام عليها٠
طبعاً السينما ليست مذكورة في كتابنا العزيز وليست مذكورة على
لسان نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلّم، لكن كذلك ليس مذكوراً أشياء كثيرة
نستخدمها، نحن والمتطرّفون، في هذه الحياة اليوم مما لم يرد ذكره في
القرآن الكريم. الى هذا، فإن من يقرأ القرآن يلاحظ أن جانباً كبيراً منه
مبني على ذكر قصصي للوقائع من واقعة آدم وحوّاء وهابيل وقابيل الى وقائع
سيّدنا إبراهيم والأنبياء جميعاً من بعده. حين يقول الله عز جلاله "...
وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى" أحرام أن نتخيّل رجلاً ساعياً آتياً من عمق
الصورة الذهنية المتكوّنة في البال؟ أهذه الصورة الذهنية مُدانة؟ وماذا عن
»نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن«؟ ألم يختر الله
سبحانه وتعالى وسيلة السرد القصصية طريقة للتواصل بها مع الإنسان المنفتح
على القصّة والرواية واقعية كانت او خيالية؟
والاسئلة لا تنتهي؟
·
أهي أكثر حراماً -فيما لو كانت حراماً- من
ترك الناس المحتاجين بلا ماء؟ بلا دواء؟
·
أهي أكثر حراما -فيما لو كانت حراماً- من عدم
نصرة الجائع والمحروم والمدافع عن أرضه وعرضه؟
·
أهي أكثر حراما- فيما لو كانت حراما- من
الجهل والأميّة والمحسوبية والمصلحية والكذب والرياء والخداع والقتل
وانتهاك الحرمات والتزلّف وأكل مال اليتامى والمساكين وتبديد الثروات
والتعصّب والعنصرية والتلاعب بالأسعار واكتناز الأموال من دون توزيعها على
السائل والمحروم؟
المسألة هي إذاً ليست لا في الصورة ولا في الفعل السينمائي (والا
ما الفرق بين السينما والتلفزيون المحظي على الرغم من إسهامه الكبير في
تفشي الأمية الثقافية والبلادة الفكرية وفكر الهزيمة ) إنها في التصدّي
للإبداع كحالة ثقافية. لذلك تجد أن بعض الحكومات (العربية وغيرها حول
العالم- إنما لنبقى في إطارنا نحن) تحارب الثقافة لأنها توسيع المدارك
وتحارب الإبداع لأنه يؤدي إليها. تسعي لتدجين ما تنتجه من ثقافات ومراقبة
المبدعين والحد من إبداعاتهم ومحاسبتهم على أفكارهم لأنها ستنتج الحاجة
للتغيير والتقدّم- لا سمح الله٠
وهذا المنهج -أنت تعرف أكثر مني- يلتقي وفكر المتطرّفين
والمتشددين ما يعني أن الطرفين المتنازعين حالياً على زعامة الدول العربية
متّحدان ضدك وضدي وضد المنفتحين أجمعين٠
سينماتك
في 8 مارس 2008