ازدادت مؤخراً المؤشرات الدالة على اتجاه متزايد لدى بعض رجال
الأعمال العرب في التوجه نحو السينما، والسينما العالمية بوجه خاص.
أسماء قديمة مازالت مستمرة، وأخرى جديدة انضمت إليها والهدف هو
تحقيق الفيلم الجيد. ليس الجديد فنياً أو فكرياً أو تقنياً
بالضرورة، بل الجديد تجارياً، والذي، بحدود معينة، لابد وأن يحتوي
على نتف من العناصر الأخرى المذكورة بأي حال.
انه تحول مهم، لكن الساحة المليئة خارج عالمنا العربي لا يمكن لها
أن تتسع لكثير من المحاولات العربية (أو غير العربية) لولوجها ذلك
العالم له شروطه ولا تكفي القدرة على احتواء التكاليف وتحمل
النفقات واسناد البطولة لنجوم معروفين والاستعانة بتقنيين مهرة.
على أهمية كل ذلك هناك أولاً وقبل كل شيء، المعرفة. معرفة الكيفية
الأفضل لمعالجة كل وضع وحل كل معضلة وفهم كل شأن. الكيفية الشاملة
للجلوس على قمة هرم الفيلم المنتج ومعرفة دروبه واحتمالاته قبل
وأثناء وبعد تحقيقه.
لقد صُورت، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، أفلاماً عربية مكلفة
قصدت السوق العالمية ولم تصل إليها، وأخرى توقفت قبل انجازها وربما
سوف لن تنتهي. وهناك أفلام صغيرة الحجم سافرت إلى مهرجانات وعادت
بخفي حنين. طبعاً هناك النماذج الناجحة من تلك الأفلام التي وصلت
إلى نصف أو كل مبتغاها لكنها مازالت تمثل أقل من نصف طموح أصحابها،
علماً أن محنة السينما العربية كمنت دوماً في متاعبها وليس في
العدد المحدود من تجاربها الناجحة.
جميل أن يهدف رجل الأعمال، أو الفنان أو كليهما معاً، إلى السوق
العالمية محصناً بدراسة واقعية وعلم متجدد. جميل أيضاً أن يحقق كل
منهما الفيلم المحلي الجيد أولاً إذا ما رغب في معالجة عالمه وما
يحفل فيه دون النظر، أساساً، إلى السوق العالمية. إنما كل وجهة من
هاتين الوجهتين لا تستطيع أن تستغني عن ضرورة الثقافة السينمائية
التي هي المطلوب الأساسي ليس فقط للقاعدة الشعبية من رواد السينما
(أو من مستقبلي برامج التلفزيون في البيوت) بل أيضاً لصانعي
الأفلام على اختلاف حقولهم.
المطلوب سريعاً، هو العودة إلى قواعد وأسس العمل السينمائي. حب
السينما لذات الفن ولقدرته التعبيرية الفائقة. السعي إلى ولادة جيل
من هواة الفيلم الجيد (ونحن نجد الفيديو قد أطاح بفرصة ولادة ذلك
الجيل لأن استخدامه في معظم الحالات اقتصر على جلب الأفلام العربية
ذاتها التي شاركت انحدار الذوق السينمائي) يحمل على عاتقه مهمة
الاستفادة من الفرص التجارية المتعددة لعالم السينما فيرتقي بها
ويمارس من خلالها وظيفة المبدع والمفكر والأديب والفنان.
هذا الكتاب، بقدر ما يستطيع، يتوخى نشر هذه الثقافة السينمائية
(والتلفزيونية) الصحيحة. تكفي مراجعة سريعة لعناوين المقالات
والتحقيقات والزوايا لكي يتثبت المرء من هذه النية. يرغب في
الاطلاع على حقائق ونشاطات عالم الفيلم وتوفير كم كبير من
المعلومات المتنوعة التي تزيد من ثقافة القارىء هاوياً كان أو
محترفاً. هذا بالطبع مع الاصرار على أن تكتسب هذه المعلومات الرأي
النقدي المستقل لتكون فائدة الكتاب متكاملة.
هذا الهدف وضعته نصب عيناي في العدد الأول من هذا الكتاب الذ صدر
عام 1983، وقد سجل نجاحاً سريعاً على المستويين النقدي والتجاري
تماماً كما كنت أثق. ومع أن الأمل كان العودة في العام التالي
(1984) بهذا الجزء الثاني إلا أن الجهد المبذول فيه تطلب أكثر ـ
بكثير ـ من فعل المراجعة والمشاهدة والكتابة. وقد قمت بمعظمها
وحدي. لقد تطلب الكثير من الإتصالات وشغل العلاقات العامة وشؤون
الإنتاج والتمويل ومتابعة النواحي الفنية والطباعية حتى ما بعد
خروجه من المطبعة وتوزيعه. وهذه الأمور قمت بمعظمها أيضاً وحدي.
أكتب هذا لأنه من السهولة، خاصة عند بعض النقاد والمراجعين، قراءة
المقدمة وتصور المادة والمحتوى ثم الكتابة عنهما. لكن الصعب فعلاً
هو القراءة الفعلية لمضمون العمل وملاحظة ما إذا كان هذا المضمون
قد نجح في الهدف المرصودله والذي جاء ذكره آنفاً. مقارنة ما يحفل
به العمل مع ما تحفل به الرغبة في وقت ندرك كلنا أن النقد
السينمائي والثقافة المتوخية منه قد انحسرا كثيراً بفعل انكباب
معظم مجلات وصحف العالم العربي على ملاحقة موضيع "فنية" غالبها
يتحدث مع أو عن ممثلات السينما في اسهام واضح لتكريس وضع السينما
العربية (الأعم) السطحي والمتردي والذي مازلا كامناً في منأى
بعيداً عن تقدم العصر من جهة وعن الثقافة الإسلامية والعربية من
جهة أخرى، وعن معاني الفن الحقيقية من جهة ثالثة.
هل نستطيع أن نغيّر من هذا الواقع تطوراً وتقدماً؟
أعتقد ذلك، وما علينا سوى أن نحاول ـ معا ـ باخلاص وثقة ومحبة.
راجين من الله التوفيق.
محمد رضا
|